الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مارسيل خليفة

هشام السامعي

2008 / 3 / 2
الادب والفن



موسيقار وفنان وفيلسوف وإنسان ذلك لا يكون غير تعريف مختصر وإشارة جزئية لإنسان يعيش قيمه الإنسانية بطقوس روحانية يُمتع بها ملايين المعجبين بهذا الإنسان وبقدراته على التفرد بشخصية تجمع كل هذه القيم , هذا الإنسان هو مارسيل خليفة فناناً يحمل أوجاع العالم ويعزفها بموسيقاه متجاوزاً بها كل الحدود التي شطرت الإنسان عن ذاته وعزلته عن الجمال الذي يحيط به .
مارسيل خليفة استثناء أضيفه إلى قائمة من أكتب عنهم ربما لأنه ليس كذوباً كما السياسيين ولا منافقاً كالمثقفين وربما أيضاً لأنه يعزف الموسيقى ويغني للإنسانية , للإنسان , للحب , للثورة , للوطن , لهذا أكتب عن مارسيل .
الآن أتذكر أول مرة سمعت مارسيل خليفة كان وهو ينشد ثورته " منتصب القامة أمشي " رائعة سميح القاسم وكيف كان واجباً علينا ونحن في الابتدائية صغاراً أن نستمع لهذه الأنشودة ونرددها مع الفرق الكشفية أو أثناء بروفات الإنشاد في مرحلة كانت لازالت روح الثورات تقارع أخر لحظات ما قبل الموت , كانت هذه الأغنية أنشودة مشتركة بين الجماعات الدينية والحركات اليسارية ربما لأن الفن كان أحد أدوات التثوير في تلك المرحلة وعلى كل حال لم تشفع هذه الأغنية لمارسيل فيما بعد عندما شنت الجماعات الدينية ضده موجة من التكفير رغم أنه كان يوضح أنه ليس عنده مشكلة مع الأديان ولا مع المعتقدات وهذا من أبرز ما يميز الإنسان كفنان .
عندما بدأ مارسيل علاقته مع آلة العود كانت قصائد محمود درويش تنتظر أنامل تعزف أوجاعها فكان مارسيل وكان درويش وكان الفن أبرز سمات تلك الشراكة .
ما يميز مارسيل كذلك عن كونه فنان هو ثقافته العالية وقدرته على التعامل مع أدوات صعبة المراس في محيط ضيق ويضيق أكثر بالمفكرين , مارسيل ذو التوجهات الشيوعية اليسارية منذ سني عمره المبكرة عرف كيف يجعل لذاته استقلالية في تفسير وفلسفة الحياة فلم يكن ماركس أو فيورباخ أو هيجل بفلسفاتهم هي كل ما أدركه من ثقافة ويصنع كما يصنع الكثير من المثقفين المنبهرين بالأفكار الوجودية فهو على العكس من ذلك يتعامل مع الإيديولوجيات ببساطة عصمته من أمراض التطرف .
في الحوار الذي أجرته قناة روتانا موسيقى مع المذيعة وفاء الكيلاني في أخر ليلة من العام 2007م كانت كلمات مارسيل شفافة بقدر روحه التي تعشق الإنسانية , تحدث مارسيل بصوت موجوع جعل كل من تابعوا ذلك الحوار يدركون معنى أن تعيش كل هذه القيم الإنسانية الجميلة وتكرس الفن للمُثل العليا في واقع يغتال هذه المُثل , وكان أبرز ما قاله مارسيل في ذلك الحوار هي هذه المقتطفات " في رده على سؤال حول الوضع اللبناني الداخلي اكتفى بالتنهد ثم أردف قائلاً 18 طائفة في لبنان يتناحروا ويتقاتلوا والجميع ضحايا / وعند سؤاله عن انتمائه الديني ومعتقده قال : أنا أمارس الدين بأدواتي التي أجيدها , الموسيقى هي ديني / ثم تابع في رده على الأسئلة التي حاولت أن تحرجه بها المذيعة رغم ثقالة دمها وهذا ربما هو أبرز عيوب مذيعي الهمبرجر كان مارسيل يتحدث بلغة واثقة وبصبر يحسد عليه قوله : أنا ضد النظام اللبناني لأنها تركيبة طائفية / أتمنى من الخارج تركنا لأننا تعبنا من مشاكلهم / الأديان هي الحضارة والغنى وأنا اكتسبت كثيراً من الأديان لأنها معيار التنوع / منذ أن كنت صغيراً كنت أشعر أن هناك شيء غلط وهذا أنتج لدي التمرد على هذا الواقع الذي أعيشه حتى في الموسيقى لم أكن أطبق كل ما يقوله لي المدرسين وربما هذا هو سر نجاحي / الغلط في النمطية التي تحكم الإنسان / مقولة الدين أفيون الشعوب قيلت في سياق عام / أنا مع المقاومة , أن أذهب أن أقاوم وفي نيتي أن أعود لأن الحياة مهمة / أنا مع أن يكون الأطفال مستقلين منذ الولادة لكن برعاية أبائهم / أنا تعلمت كثيراً من أولادي , لأنهم علموني أن هذا العصر الذي أعيشه كيف أعبره / عندما يكون هناك محتل تكون المقاومة حق مشروع / ما يقوم به الآن اللوبي الصهيوني هو شيء خطير بالتعاون مع الإدارة الحاكمة في أمريكا / فلسطين للفلسطينيين لأن اليهود أجوا من الخارج على بيوت الفلسطينيين وشردوهم / أنا مع فلسطين بدون أي تسميات / للأسف يجب أن نقول جميعاً للقذارة والبؤس الذي نعيشه / ما حدث في منطقتنا هي مثل واحد نزل من السماء ويجب عليه أن يبقى للأبد وهذه هي مشكلة الأنظمة العربية الديكتاتورية / لا بد أن يقول أحد الحكام يجب أن أستقيل لا / لا أحد يعجبني من الحكام العرب لأنهم يعذبوني بهذا التحكم لأن نصف الشعب العربي في الخارج والباقي في السجن الداخلي / في مهرجان ربيع البحرين حكموا على الصورة في الجريدة ولم يشاهدوا العمل والذين اعترضوا هم بعض النواب المتشددين / أعمالي ممنوعة في السعودية / عندما حييت في مهرجان قرطاج كل السجناء في السجون العربية والسجون الإسرائيلية منعوني من دخول تونس / حرام نصرف أموالنا في القنوات الغنائية / أنا مع أي محكمة تقدر تكشف الجرائم الكبرى شرط أن لا تكون هذه المحكمة أداة قمع / إذا أردنا أن نمتحن المنتمين للفن والتمثيل حول ثقافتهم فأننا سنضطر لإغلاق القنوات الفنية / أحب العقل والعلم / أحب أتصالح مع أي شيء موجود لكني أحب أن أظل أبحث / الموت أتى لعندنا ونحن صغار وأخذ مننا أمنا/ يكاد يبكي عندما يتذكر لحظات موت أمه وكيف أنه بكى كثيراً عندما مات أبوه ولم يستطع زيارته بسبب الحرب القاسية التي كانت دائرة في لبنان / أحب أن أفتح الجريدة فأجد فيها امرأة تقول شيئاً لأنني أشمئز من الفحولة الطاغية / الفجور هو الذي نشاهده الآن على التلفزيون والميديا لأن هناك اختلاف بين الذي نشاهده والذي نقوله / عندما سئل عن رأيه مع أو ضد إعدام بوش قال هذا الإنسان دمر الإنسانية والبشرية / أنا مع كسر كل الحواجز التي تفصل الدول العربية لأن العالم يتوحد ونحن نتمزق " .
مارسيل خليفة الفنان الذي غنى للثورة كما غنى للحب وأشجار الأرز والأطفال هو ذاته الذي أبكى جمهوره في أماسي كثيرة وهو يصدح بأغنية " خبز أمي " رائعة محمود درويش , أو كما أسميها أنا الوجع المرتل : " أحنُّ إلى خبز أُمي / وقهوة أُمي / ولمسة أُمي.. / وتكبرُ فيَّ الطفولةُ / يومًا على صدر يومِ / وأعشَقُ عمرِي لأني / إذا مُتُّ، / أخجل من دمع أُمي! " مارسيل خليفة هو أخر ما وجدناه من جمال الفن ورسالته السامية , وهو الذي لازال يعزف العود بالطريقة التي تجعلك تحترم هذا الفن وتطرب لصوته الحاني .
توجعنا مارسيل وتطربنا وتبعث فينا روحنا التي دمرتها وحشيتنا , فتعالوا نسمع مارسيل ونسمع أرواحنا وننصت لجمالها .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟


.. -بيروت اند بيوند- : مشروع تجاوز حدود لبنان في دعم الموسيقى ا




.. صباح العربية | الفنان السعودي سعود أحمد يكشف سر حبه للراحل ط


.. فيلم تسجيلي عن مجمع هاير مصر للصناعات الإلكترونية




.. جبهة الخلاص الوطني تصف الانتخابات الرئاسية بالمسرحية في تونس