الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مسيرة مارثونية مليونية لانفاذ اطفال العراق

سندس جليل العباسي

2008 / 3 / 2
حقوق الاطفال والشبيبة


أحلام طفولة معذبة

في جعبتي اليوم حكاية من حكاياتنا المؤلمة التي يزخر بها عراقنا الحبيب...حكاية عائلة بغدادية وبناتها الثلاث ... ثلاث زهرات من زهور العراق ... أولهن (آلاء) ذات الأحد عشرة ربيعا .. خجولة مع عينين بريئتين حزينتين مليئتين بالتساؤل وشحوب يغزو محياها الطفولي .. وتتوسطهن (غفران) ذات السبعة أعوام .. مرحة .. حنونة .. وخاتمتهن (هجران) ذات الخمسة أعوام ونصف ... سمراء جميلة .. شقية.. مشاكسة.. ذكية.. عند لقائك بهن أول وهلة تأسرك أحاسيسهن المرهفة وأحاديثهن المشوقة وقلوبهن البيضاء الكبيرة .. تشعر بأنهن يقرأن أفكارك ومشاعرك دون أن تتفوه بها .. ثلاث براعم لعائلة صابرة مهجرة قسرا كآلاف العائلات المهجرة داخل العراق .. وإضافة للتهجير والفقر والحرمان ابتلين بمرض (الثلاسيميا) وهو أحد أمراض فقر الدم الوراثي ويسمى أيضا (فقر دم البحر الأبيض المتوسط)، وهذا المرض مؤلم وقاسي على الطفل وعائلته, يحتاج فيه المريض الى عملية نقل دم منتظمة تتراوح بين أسبوعين وعشرين يوما حسب شدة الإصابة .. ملت وتعبت عائلتهن من كثرة المناشدات الموجهة للمؤسسات والمنظمات الإنسانية والحكومية والى مكتب رئيس الوزراء بالذات لإنقاذ بناتها الثلاث من الألم والمرض وذلك عن طريق إرسالهن الى خارج العراق لإجراء عملية زرع نخاع العظم وهو العلاج الوحيد الناجع، وهي عملية مكلفة وتحتاج الى إمكانيات هائلة .. إلا أن هذه النداءات تلاشت كالعادة كما تتلاشى ذرات رمل في مهب ريح عاتية .. وأخيرا استسلمت هذه العائلة مكرهة للأمر الواقع.. بيد أن واقع العراق اليوم ليس عطوفا ورؤفا، إذ سرعان ما كشر عن أنيابه بوجه هؤلاء المساكين كعادته في عراق الحضارات!!.. وبدا للعائلة وكأن عبئا أسطوريا اثقل كاهلها متجسدا بصراع أزلي مع آلهة سيزيف التي حكمت عليه بدفع صخرة عملاقة نحو قمة الجبل.. ومع عدم جدوى المهمة إلا أن سيزيف ارتضاها مرغما لا بطلا فليس هناك من خيار آخر متاح سوى الهلاك.. وكذلك لم تجد هذه العائلة من خيار سوى قبول الواقع المرير بدلا عن الهلاك... ومع قسوة الحياة وتفشي البطالة وبعد المسافة عن مركز نقل الدم وعدم وجود أي ضمان اجتماعي أو دعم مادي كما يحدث في إقليم كردستان، إذ خصص الإقليم راتب شهري لا باس به لكل طفل مصاب بهذا المرض .. فان تلك العائلة ومعها آلاف العائلات المكلومة تواجه اليوم ضيق الحال وإهمال وعدم كفاءة الكوادر العاملة في مركز نقل الدم ولامبالاة الأطباء والممرضات ومزاجيتهم وخلوهم من أية مشاعر إنسانية تجاه المريض، فضلا عن النقص الكبير في المعدات والمستلزمات والأدوية التي يحتاجها الطفل المصاب....
وبهذه المناسبة المؤلمة، أدعوك عزيزي القارئ الى أن نلقي نظرة بسيطة على دول المنطقة ولنرى ما فعلت تجاه الأطفال المرضى.. فعلى سبيل المثال لا الحصر، في بعض دول الخليج تتحمل الحكومات كلفة العناية السنوية للطفل المصاب بهذا المرض والتي تصل الى ما يقارب عشرين ألف دولار الى جانب الدعم المعنوي من خلال إقامة المهرجانات لتشجيع هذه الشريحة من الأطفال الباحثين عن الأمل والتواصل الاجتماعي، وجرت العادة أن يحضر هذه المهرجانات بعض الوزراء، كما جرى خلال مهرجان الجمعية الكويتية للفنون التشكيلية وبرعاية مؤسسة البترول الكويتية وبحضور وزير النفط الكويتي، من أجل زرع الأمل بين الأطفال المرضى وعائلاتهم التي تتطلع نحو مستقبل خالي من المرض، ومساعدة تلك العائلات على تخطي ظروف المرض القاسية .. وأما الغرب فقد تجاوز هذا المرض ومنغصاته منذ ثلاثة عقود من خلال إجراء فحوصات ما قبل الزواج وتوفير كافة مستلزمات الرعاية الصحية للمرضى المصابين. ..
في ذات الوقت نشرت وسائل الأعلام في كل المحطات والفضائيات عن سفر رئيس الوزراء للمرة الثانية الى لندن لإجراء الفحوصات الطبية الروتينية وقبلها جرى الشيء ذاته مع رئيس الجمهورية، أنا لست هنا للمقارنة بل للتوضيح.. فأنا لا أريد أن اغبن حق الآخرين بالعلاج، فمن حق أي كان أن يعالج نفسه بطريقته وقدرته المادية... لكن وأنا استمع لتلك الأخبار، استسلمت نفسي لحلم من أحلام اليقظة، فذهبت مخيلتي بعيدا جدا نحو عالم المدينة الفاضلة الذي طالما سمعنا به متجسدا بين سطور كتبنا التاريخية الخاوية.. حلمت أن ( رئيس وزراء عراقي وإثناء إحدى زياراته الروتينية قد أصر على اصطحاب عشرة أطفال من أطفال العراق المرضى بالثلاسيميا وامراض أخرى مستعصية معه وبطائرته الى لندن أو إيطاليا أو .. لمساعدتهم وإنقاذهم .. وتناولت وسائل الإعلام بالصوت والصورة رئيس وزرائنا وهو يحتضن ويساعد الأطفال بحنين أبوي ويصعد معهم الى طائرته الخاصة مبتسما.. وعلى الفور، شاع بين الأوساط الإعلامية والسياسية بعد سماع هذا النبأ أن عدوى قد سرت بين أعضاء مجلس النواب وهيئات رئاسة الوزراء والجمهورية والوزراء ووكلائهم حتى وصل الأمر الى المدراء العامين.. حيث تجسدت هذه العدوى بموقف إنساني وإصرار لا يلين من قبل هؤلاء يتمثل بان يتكفل كل منهم خلال سفره الى خارج العراق بطفل واحد على الأقل من أطفالنا المرضى وعلاجه على نفقته الخاصة أو يقود حملة لجمع التبرعات لهؤلاء المصابين للتخفيف عن كاهل أسرة هذا الطفل المسكين.. ومن ثم المساهمة ولو بشكل متواضع في إحياء المصالحة والوئام بين أفراد الشعب العراقي من خلال عائلات المرضى .. ولم تقتصر هذه العدوى على كبار المسؤولين الحكوميين بل أخذت تمتد حتى وصلت الى رجال الدين والتجار والميسورين وعامة الشعب.. وكبرت الجوامع والحسينيات ودقت أجراس الكنائس تدعو الناس من أصحاب الشهامة لمساعدة أطفال العراق عموما والمرضى بشكل خاص وتقديم يد العون لهم عوضا عن انتظار مؤسسات إنسانية تابعة لدول (الكفر)، حسب مفهومنا الفقهي الضيق لتلك المنظمات الإنسانية التي تحملت ما تحملت من أعباء في سبيل معالجة أطفالنا وشيوخنا وشبابنا السقيم .. وشمر رجال الدين العراقيون عن سواعدهم وهم يدعون دون خوف ووجل وبإنكار للذات قلما شهد التاريخ الإسلامي نظيرا له.. يدعون الناس وبجميع أطيافهم ومذاهبهم للقيام بمسيرات مارثونية مليونية تحت شعار " من اجل أطفال العراق نسير مئات الأميال.." وزرع البسمة على شفاه أطفالنا المرضى الذين يفتك بهم الألم كل لحظة.. واستمر حلمي الجميل، وسمعت فتوى من رجال الدين بكل شرائحهم تدعو كل عراقي مشارك أو غير مشارك في هذا المارثون الإنساني الى التبرع بمبلغ زهيد، في الوقت الذي تنازلت فيه مراجعنا الدينية عن أموالها في الخمس، وأموال الوقف الشيعي والسني والمسيحي لهؤلاء الأطفال المصابين ولمدة شهر واحد فقط ... ولأول مرة في التاريخ اصبح العراق وشعبه محط أنظار واعجاب كافة الأمم ولم تعد وسائل الإعلام تتحدث عن شيوع ظاهرة الكراهية والحقد المتمثلة بالقتل والذبح والتهجير والتفجير، بل تتحدث عن شيوع ثقافة جديدة متمثلة بالحب والإيثار ومساعدة المحتاجين... )
الى هنا انقطع الحلم للأسف.. واستيقظت مذعورة بعد سماع صوت تفجير إرهابي .. راح ضحيته المزيد من أطفال العراق...

وختاما أناشد الكتاب والكاتبات وكافة المثقفين العراقيين أن يكسروا قضبان الصمت والعزلة، والكتابة في هذا الموضوع المهم.. من أجل توجيه اهتمام المؤسسات الحكومية وغير الحكومية نحو مساعدة أطفال العراق المصابين بالثلاسيميا وسرطان الدم اللوكيميا وباقي الأمراض المستعصية..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عقبة أمام -الجنائية الدولية- حال صدور قرار اعتقال لقادة إسرا


.. ضابط شرطة أميركي يشعل سيجاراً أثناء اعتقال مشتبه




.. بايدن: ليس هناك تكافؤ بين إسرائيل وحماس ونرفض تطبيق المحكمة


.. تونس.. منظمة حقوقية توثق 20 حالة انتحار خلال شهر أبريل




.. تداعيات إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرات اعتقال بحق إسر