الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نهاية دكتاتورأم موت فلسفة عنصرية؟

جان كورد

2003 / 12 / 17
اخر الاخبار, المقالات والبيانات


باعتقال الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين يوم 14/12/2003 انتهت حقبة هامة من تاريخ العراق الحديث، بل المنطقة المحيطة بالعراق أيضا. إنه يوم النصر النهائي للحرية والإنسانية على إحدى أكثر الدكتاتوريات الإجرامية في التاريخ البشري، ومع الأسف فإن هناك من لايزال يتشبث بهذه الدكتاتورية وكأنها كانت المنقذ للأمة العربية من الضلال أوكانت تجسد قوة العرب وعظمة حضارتهم القديمة، وهم لا يدركون بأن هذا النظام كان تشويها لسمعة العرب وإهانة للأمة العربية التي كانت في التاريخ ذات دور ريادي في إقامة صرح الحضارة الإنسانية.                                      

                   

لايمكن لأحد إنكار كل ما جرى وحدث من أحداث فظيعة، من حروب وجرائم، في ظل النظام الدموي الذي أسسه صدام حسين معتمدا على أكتاف حزب البعث العربي الاشتراكي رافع شعار"الوحدة والحرية والاشتراكية"، فمن يستطيع تجاوز أكثر من 400 مقبرة جماعية كالمكتشفة في الجنوب العراقي، ومذابح جماعية على غرار ما حدث في المدينة الكردية حلبجة عام1988 ومن يستطيع إنكار ما أصاب الشعب العراقي من غبن وظلم وإجحاف في عهد صدام حسين من بدايته إلى نهايته، بحيث شمل ظلمه وإرهابه حتى عائلته بالذات.                                               

                                                                            

وعليه يجب أن يعترف بأخطائهم الذين ساندوه وآزروه وصفقوا له ورفعوا صوره ومدحوه إعلاميا وأخذوا منه الأموال لترقيع سمعته وتجميل صورته إعلاميا وتستروا على جرائمه وتجاهلوا نداءات المعذبين والمشردين والملاحقين من أبناء الشعب العراقي أن لايقفوا مع المجرم وزبانيته.. إذ بدون هذا الاعتراف الضروري لا يمكن التقدم بشكل جيد على طريق التآخي الوطني في العراق. ففي كمبوديا وجنوب أفريقا ورواندا ومن قبل في اليابان وألمانيا وغيرها كان لابد من تجاوز تلك العتبة، عتبة الاعتراف، للتلاقي مع الذين عانوا الأمرين على أيدي الأنظمة الدموية المرعبة.                     

          

                     

أرى بأن القضية أكبر من صدام حسين وعصابته المجرمة التي استباحت دماء الناس وهتكت أعراضهم واستولت على أموالهم وبددت ثروات الوطن وأهانت مقدسات الشعب العراقي وأسست نظاما قائما على الكراهية والحقد والطغيان والطائفية، بل والعشائرية والعائلية وأججت نارالفتنة المذهبية والنعرات القومية العنصرية..المشكلة هي أن كل ما جرى للعراق ولجيرانه من مساوىء قد تم تحت إسم حزب البعث العربي الاشتراكي الذي اعتبر نفسه يوما حربة الأمة العربية في وجه أعدائها. ولذا فإن من الضروري جدا أن يقف البعثيون بجرأة ووطنية ليعترفوا على رؤوس الأشهاد، سواء من تعاون مع حكم العصابة المجرمة أو لم يتعاون، شارك في ولائم التعذيب والتقتيل أو لم يشارك، نال الجاه والرفاه من أيدي النظام البائد أولم ينل، بأنهم مسؤولون عما حدث للشعب العراقي وجيرانه نتيجة أفعال وجرائم حكم الدكتاتور صدام حسين، وهذا يشمل البعثيين في خارج العراق أيضا، لأن نظام العصابة الدموية قد مرغ إسم حزبهم في الوحل...                                                                             

 

لقد جثى على ركبتيه الزعيم الاشتراكي الديموقراطي الألماني ويلي براندت حين كان مستشارا لألمانيا أمام الشعب البولوني مقدما اعتذاره بإسم الشعب الألماني عن جرائم أدولف هتلرأثناء الحرب العالمية الثانية، على الرغم من أنه كان مناضلا كبيرا ضد النازية واضطر بسبب ذلك إلى اللجوء إلى السويد هاربا من الجستابوالنازي الذي كان يريد القضاء عليه. كما وقف الرؤساء الألمان واحدا بعد الآخر أمام مختلف الشعوب الأوربية ليعتذروا مثل ويلي براندت عما ارتكبته النازية ضدها... وهاهم المستعمرون البيض الذين مارسوا سياسة عنصرية حاقدة أثناء حكمهم في جنوب أفريقيا يعترفون بذنوبهم ويقرون بجرائمهم من أجل تعميق الوحدة الوطنية لجنوب أفريقا ولكي يسود التآخي بدلا عن الكراهية والحقد وفلسفة الانتقام. فهل يتمكن البعثيون من القيام بهذه الخطوة الجريئة أم سيظلون على حالهم من تأييد للمجرمين وتبريرلما فعلوه وتهرب من إثارة الحقائق، وفي مقدمتها حقيقة أن النظام البائد قد خلف وراءه مقابر ومجازرجماعية وضرب مصالح الشعب العراقي بكل الوسائل وعمق من النزاعات الطائفية والقومية والمذهبية وحول العراق إلى بلد يرزح تحت الديون الطائلة ويعاني شعبه من عقد نفسية كثيرة ويفقد الثقة بشعارات البعث التي يعتبرها البعثيون مقدسة.                                                                                                                                                          

                                                                                                                                  

يجب أن يعترف البعثيون بأن فلسفتهم القومية الضيقة قد عادت عليهم بالمصائب والهزائم، فلا الاشتراكية تحققت ولاهم أعطوا الشعب حريتهم ولاهم تمكنوا من تحقيق الوحدة حتى مع البلد العربي الجار سوريا الذي يحكمه الشق الآخر من حزب البعث. إن هذه الفلسفة هي التي كانت وراء تشريد الكرد من ديارهم وتعرضهم لمحاولات إبادية واسعة النطاق وللمجازر والحملات الأنفالية السيئة الصيت، وهي الفلسفة التي دفعت بأكثر من أربعة ملايين عراقي للهجرة من بلاد تملك الفرات ودجلة ولها من الثروات النفطية ما يحلم بها كل شعب آخر.. وحقيقة لايمكن لأحد أن يزيل البعث كحركة سياسية ولكن برأيي أنه سيتقزم في المستقبل كما تقزمت الحركة النازية الألمانية أوالفاشية الإيطالية أوالفرانكوية الاسبانية...ولاحاجة لقمع البعث بالعنف إذ ليس هناك من يؤمن به إلا الذين انتفعوا من نظام صدام حسين، بل من الضروري إفساح المجال أمامه كأي اتجاه سياسي آخر إن كان يرفض العنف والانقلابية وعسكرة المجتمع العراقي وبعد أن يمارس عملية اعتراف  صريح طويل الأمد عن كل ما ارتكبه النظام الصدامي بإسمه وبمساعدته، وبعد أن يلقى المجرمون في قياداته نصيبهم العادل من العقاب والجزاء.                                                                  

                                                                     

النقطة الثانية الهامة في الموضوع هي المستقبل الذي يجب أن ينبثق عن المآسي التي تعرض لها الشعب العراقي، فلننظر إلى اليابان وألمانيا وإيطاليا بعد أن تم القضاء على فلسفاتها العسكرية المدمرة من عسكريتارية ونازية وفاشية.. لقد تعلمت شعوب هذه البلدان الكثيرمن تجاربها المريرة والحروب التي لم تجلب لها سوى الدموع والخراب والفقر والجوع والمرض والذكريات الأليمة.. وظهرت حكومات منفتحة على شعوبها وعلى العالم، تقبل النقد وتمارس النقد الذاتي وتفكر بموضوعية في مختلف المسائل وتتبادل السلطة بانتخابات برلمانية حرة وبروح من الديموقراطية..طبعا هذا لايتم تأسيسه دون وجود نظام تربوي – تعليمي يهيء الفرد منذ الطفولة للعيش المشترك في أجواء الحرية واحترام حقوق الإنسان وتقبل الآخر المختلف. وهذا ما يحتاجه العراقيون كما يحتاجه الذين يسدون النصائح لهم من أنظمة عربية تحكم بالحديد والنار وترفض الديموقراطية وتطالب في الوقت نفسه أن يكون هناك عراق ذي دستور منتخب وحكومة منتخبة... كما أنه لن يتحقق شيء في العراق دون أن يساعده جيرانه على ذلك، وهذا يعني عدم التدخل في الشؤون الداخلية للعراق وتقديم المساعدة الضرورية له لحل مشاكله الكثيرة وللخروج من محنته التاريخية التي كان سببها حكم البعث الدموي  البائد. وليعلم الجيران أن عراقا قويا وديموقراطيا سيعزز من امكانتهم ومن أمنهم واستقرارهم وتطوير حياتهم نحو الأفضل بالتأكيد.                                                                                                                                                             

 

وتبقى مسألة فيما إذا كان يعني الإسراع في نقل السلطة الوطنية للعراقيين وخروج الأمريكان من العراق! بالتأكيد فإن العراق لن يظل تحت حكم الاحتلال إن توافرت لشعبه الظروف التي يتمكن فيها من إدارة نفسه بنفسه، وسيعود الأمريكان إلى ديارهم بلا شك، إن شعروا بأن هذا البلد قد انتهى من عهد الدكتاتورية ولم يعد يقف في صف أعداء الولايات المتحدة الأمريكية. ولكن إذا استمر البعثيون في إثارة المشاكل باستمرار ودعم الإرهاب ومعاداة مجلس الحكم الانتقالي فهذا يعني المساهمة في استمرارالوضع الحالي السيء، وبالتالي إغراء الأمريكان بالبقاء مدة أطول، وهذا ما لايريده أحد من العراقيين.                                                                                                                                              

                                                                        إنني متفائل بمستقبل العراق وبمستقبل الشعب الكردي في العراق طالما تفكر قيادات العراق وقيادات كوردستان العراق جديا بأن لا تعود الدكتاتورية إلى هذه البلاد مرة أخرى وأن تفقد الفلسفة العنصرية للبعث بريقها في العراق الجديد الذي يلد من بين الرماد والركام.                                                                                                                         









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تحطم طائرة الرئيس الإيراني.. أبرز ما حدث في الساعات الأخيرة


.. مصادر إيرانية: جميع ركاب الطائرة الهليكوبتر التي كانت تقل ال




.. الصور الأولى لحطام طائرة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي ووزير


.. العثور على حطام طائرة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي على قمة




.. جيش الكونغو الديمقراطية يحبط محاولة انقلابية