الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عندما تمسح أوساخ العالم على وجه -الشمال- المغربي

أحمد الخمسي

2008 / 3 / 3
مواضيع وابحاث سياسية


منذ طلعت علينا الدوائر الرسمية بالحدث المرتبط أمره بقانون مكافحة الإرهاب، اشتعلت الألسن والأدمغة بالأسئلة والأجوبة التي تمكنت في الصورة العامة من خلق سحابة كثيفة من اللغط ترك للدوائر المسؤولة المهلة الكافية من الوقت لإعادة ترتيب الأوراق. أما حصة الشمال من تلك السحابة فهي أن يصحو سكانه صباحا على تهمة الإرهاب ويودعون اليوم مساء على تهمة الجاسوسية. فكأن الدولة والمجتمع لا هم له سوى أن يستزيدوا من "كلام الغرانين" بصيغة المصريين و"كلام المقاهي" بصيغة المغاربة. بنفسية مازوشية وسادية مع ترك مهمة التفسير للكلمتين لأطباء النفس.


وكل من يقف عند مصطلح المسؤولية يزن ثقل التبعات، على راحة الضمير والنفسية لحاملي مسؤوليات الشؤون السياسية والإدارية بل والكيانية لمجتمع ودولة. لذلك، قد نجد للميكانزمات الإدارية تعلات قد لا يمتلك المواطن العادي القدرة على تفكيك طلاسمها. لكن ذلك المواطن العادي الذي يقصى من دائرة حق الفهم، نفسه يقصف بعناوين مهينة، حيث القالب المحلي والجهوي الذي وضعه ضمنه قاموس الإدارة الترابية. مثل لفظة "الشمال" كمثيلاتها ألفاظ المناطق الصحراوية أو الأطلسية أو الشرق أو.... فيجد نفسه ضمن منطقة ينطلق منها الإرهاب، حسب ما ورد في عنوان عريض احتل الصفحة الأولى في جريدة يومية نهاية الأسبوع الفارط. ثم لا يلبث أن يشير الأصبع الملوث إلى نفس الشمال ليصوره وكأنه عش عقارب وعناكب وثعابين، عالم جاسوسية وعملاء حقراء...في الوقت الذي لا يجد سكرتير التحرير في نفس الجريدة حيث شتم الشمال وسكان الشمال، غضاضة في تحليل الوضيعية المزرية لقطاع معين، سرعان ما يجد المفتاح السحري عند مكتب دراسات دولة أجنبية لحل معضلة التنمية المستدامة عبر السياسة المالية للدولة. والفرق المفارق في تحليل التداخل بين الوطني والأجنبي في مقال موال على عكس النفسية التحريضية ضد الشمال في مقال مجاور لم يدرس مهندس الصفحة، النفسية ولا تاريخ العلاقات ولا حتى تذكر الخريطة السياسية للمغرب ما بين سنة 1912 وسنة 1956. بحيث تستيقظ صباح الأحد لتجد الشمال وكرا للإرهاب، لتنام مساء الثلاثاء وأنت لا تقوى على النوم من فرط عفاريت الجواسيس التي اخترقت شبكاتها مجلسك ومسقط نظرتك في الشارع....

إن ذوي المصالح المهيمنة على الدوائر الإدارية والاقتصادية، لا يستطيعون أن يروا التكامل بين ما بدأه عبد الكريم الخطابي و بين ما يعمل محمد السادس على تثبيته لتقوية جبهة المغرب المتوسطي، استكمالا لكل مقومات المغرب الموحد، بكل مكوناته التاريخية والمستقبلية معا. ولذلك، قد تجد "مصدرا مسؤولا" في الوقت الذي يكشف عما توفقت فيه دوائر أجنبية فوق التراب المغربي يرفض عن كشف هويته، مما يضعف مصداقية الكاشف والمكشوف عنه. فيبدو لونهما "كاشفا" بالمعنى المغربي الدارج. أي باهتا، بالمعنيين الفصيح والدارج هذه المرة.

إن بعض الذين يسمحون لأنفسهم بتمرير كلامهم، لمن يحسبون على الصحافة، لا يتحملون حتى جهد الرجوع إلى المرجعيات العامة للقضايا التي يتحدثون بصددها. والحال أنهم يوهمون القارئ أنهم يتحدثون في قضايا حساسة تتعلق بأسرار الدولة. مضاف إلى ذلك، أنهم يحللون في العمود الأيسر اعتمادا على أمة شوارزكوف، لتقوية رأيهم الآخر تجاه الدولة في الوقت الذي يتمسحون فيه بأهداب المصدر المسؤول، أي المنتمي إلى الدولة، ليسيئوا إلى الشمال ويمسحوا أرجلهم في فعالياته المحلية والوطنية، باتهام الأحزاب والجمعيات والنقابات، وهم الذين تلقوا الهدايا والجوائز لتلميع كلامهم "الفاضي" ويحشرون حشرا ما بين الأصوليين والمخزن لتسويق الكلام المسموم وشحن وجدان الشعب بالتناقضات الوهمية. والحال أن الشبهة إذا سمحوا لأنفسهم بترويج الحدود والشبهات معا، تجد الشبهة لابسة معاطفهم الأنيقة.

واما المرجعيات الأولية في القضايا التي يجعلوا منها محل ترويج لمنتوجهم المخل بمعنويات الناس والمسيئ حتى لمصدرهم غير المسؤول، الذي يكشف ويرفض أن بنكشف في لعبة بهلوانية ضعيفة البصر. المرجعيات العامة ليس أول ما يمكن أن يتصفحها كلام الدولة بصدد العلاقات الخارجية للمغرب والتي توجد ضمن مناخ العولمة وتحت سقفها ومباشرة أمام أبوابها المشرعة.

فالدولة التي تعي ما تقول في عصر العولمة، نجد في كلامها ما يلي: "على المغرب أن يرسمل ويقوّم صورته الجديدة، التي اعتمدت ضمن مغرب ديمقراطي حداثي، مغرب الاعتدال والتسامح". وتلخص الدولة العمل الدبلوماسي في العمل التقليدي الكلاسيكي (وزارة الخارجية والبعثات الرسمية) والدبلوماسية الحالية المنفتحة على كل الفاعلين، الإداريين والمنتخبين والجمعويين بل وحتى الأفراد. وتربط الدولة بين العملين الرسمي وغير الرسمي. الرسمي الحكومي، وغير الرسمي يبدأ من الجمعيات والبرلمان والأعمال والثقافة والإعلام، مع التأكيد على أن الترتيب هنا سيق من الوثيقة الرسمية للدولة. وتسترشد الدولة بتجربة الغياب المريرة للمغرب في مختلف الأوساط، والذي ما زال يعاني من نتائجه المدمرة على قضاياه الحيوية.

لا نكشف للمتحدثين بصدد الاختراق المخابراتي للشمال عن اسم الوثيقة الرسمية التي اعتمدناها هنا باسم الدولة المغربية. لأن تسميم وجدان المجتمع أصلا مظهرا بهلوانيا لافتعال التعاطي الجدي مع قضايا الوطن، والحال أن قضاء العمر في الكسل الطبيعي غير المنتج للقيم لا الديمقراطية ولا الحديثة، والانتماء للحداثة والديمقراطية فقط بالاستسهال على حساب الحركة الأصولية المغربية واليسارية والليبرالية والقومية، وكل من يؤدون ضريبة الموقف، إن بالعمل المتواصل أو الجرأة في الجهر بالموقف أو بالأداء. الكسل الطبيعي لا يمكن صاحبه من المزاوجة بين اليومي المعيش والبحث المجرد العميق والشامل عبرالوثائق.

لذلك يغفل المتحدثون عن تسمم الشمال عبر اتهام أهله بتصدير الإرهاب والجاسوسية، أن العولمة تختلف عن مخيلات البعض التي استسلمت للصورة النمطية الموروثة عن الحرب الباردة. ويغفلون عن واقع الوزراء وكبار موظفي الدولة والبرلمانيين الذين لم يضرهم يوما ولم ينقص من وطنيتهم ولا هويتهم المغربية ولهم أزواج وزوجات من البلدان الأجنبية. بل لم يضر أي كان من العائلات المشهورة أن تكون المربية فرنسية أو اسبانية أو إيطالية....ولا تجرأ مصدر مصقول عن القول أن جمعيات نساء الوزراء تمس بأسرار الدولة.

إن التجني على المناطق المهمشة والقفز على مشاعرها الحيوية بالألفاظ النابية مثلما يقفز الكلب فوق الجدار القصير
بعد خطف الدجاج من أهل البيت.

إن دور الإعلام لم يعد هو إشعال الحرائق في ما بين الفاعلين. كانت تلك إحدى مهام الإعلام المنفعل ضمن استراتيجية "حرب الكل ضد الكل" التي كانت وزارة الداخلية ما قبل سنة 2000، بارعة في إشعالها. مما يقتضي منا جميعا التأمل في هذا التحول من مسؤولية الدولة إلى مسؤولية الوحدات الجغرافية والتنوعات الإثنية. فكأنما أحدا يهيئ المغاربة للدخول في التجربة الطائفية اللعينة. وهم بذلك يخلطون بين تقوية المغرب بالدعوة إلى اعتبار تنوعه الاثني والثقافي واللغوي عبر الانفتاح على النظام السياسي المرن غير المركزي. وبين إشعال الحرائق بين المناطق عبر الشتم المتصاحف المشعل للتعصب والمحرض على الانغلاق.

لقد أعطى الشمال للإعلام وكالة المغرب العربي للأنباء وأكثر من وزير للإعلام وللمعهد العالي للصحافة وللنقابة الوطنية للصحافة. وهو نفس الشمال الذي يعاني أبناؤه من مضاعفات التسميم الذي جرى عبر إسقاط السموم الحربية للقضاء على المقاومة المغربية في الريف في العشرينات من القرن الماضي، من طرف القوات الاستعمارية. وإحصائيات الإصابة بالسرطان يجدها الكسالى المتصاحفين في المستشفيات المتخصصة بالرباط.

والشمال مثل باقي مناطق المغرب، له نقط الضعف ونقط القوة. ومن نقط ضعفه أن فقراءه يشترون الخضر والفواكه واللحوم الحمراء بأثمان اعتبرتها سياسة التوزيع التجاري بالمغرب منصفة، اعتبارا للقدرة الشرائية لكبار تجار التهريب والمخدرات. فكيلو اللحم ب10 درهم زيادة عن الثمن المعمول به. والحال أن شبكات التهريب والمخدرات تجتذب عناصرها من كل المكونات الديمغرافية المقيمة في الشمال، بلا عنصرية ولا انغلاق. كما للشمال، مثل ما يفتخر المغاربة جميعا، بموقعنا الجغرافي الاستراتيجي.

أما التضييق على الأرامل والثكالى في الخبز اليومي في الحافلات والطاكسيات، ما بين الفنيدق والدار البيضاء تعرفه البيضاويات تماما مثل التطوانيات.

نتمنى أن تنقشع السحابة بلا مغامرة إرهابية ولا مقامرة سياسوية. فالتسميم الإعلامي يدخل ضمن هذا النفق الضيق المظلم. وسيعرف الشعب كيف يحفظ نفسه من المغامرين ومن المقامرين معا. فالشعب برئ من المغامرة الإرهابية وسوف يقاطع العمليات السياسية أكثر إن أستخلص أن الأطراف الأخرى تقامر باستقراره النفسي.

إننا نطالب منتخبينا أن يستنكروا التلاعب بمشاعر الناس في الشمال عبر الصحف، في البرلمان. كما نطالب الجهة المسؤولة عن تحريك الدعوى العمومية بالكشف عن أوكار الجواسيس. لحفظ كرامة الوطن، بدءا من الأوساط العليا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما محاور الخلاف داخل مجلس الحرب الإسرائيلي؟


.. اشتعال النيران قرب جدار الفصل العنصري بمدينة قلقيلية بالضفة




.. بدء دخول المساعدات عبر الرصيف الأمريكي العائم قبالة سواحل غز


.. غانتس لنتنياهو: إما الموافقة على خطة الحرب أو الاستقالة




.. شركة أميركية تسحب منتجاتها من -رقائق البطاطا الحارة- بعد وفا