الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بالونات

أوري أفنيري

2003 / 12 / 17
اخر الاخبار, المقالات والبيانات


     إنه يفعل ذلك ثانية، وينجح في هذه المرة أيضا. يطيّر بعض البالونات الملونة ليقف العالم فاغرا فاه. 
     يحتاج أريئيل شارون إلى التمويه. بدأت شعبيته تدهور في استطلاعات الرأي. مبادرة جينيف بدأت تتصدر جدول الأعمال اليومي في إسرائيل والعالم. التحقيق معه في فضائح الفساد عادت لتتصدر عناوين الصحف. ضباط الجيش ورؤساء المخابرات يهاجمونه من كل حدب وصوب. يتهمونه بالتقصير، بعدم وجود برنامج، بالجمود. 

     فها هو يطيّر بعض البالونات: إشارات حول "خطوات أحادية الجانب". حدث مثير! "لن نبقى في كل مكان نحن فيه اليوم". عجب! "إزاحة مستوطنات". غضب عارم!

     لقد دفع بإيهود أولمرط قدما كي يحذر باستخدام العروض التلفزيونية وفي كل موقع ومكان من "دولة ثنائية القومية". وقد أعلن بأن برنامجه سيضمن وجود "دولة يهودية" يكون 80% من سكانها من اليهود. ولكون أكثر من 78% من مواطني إسرائيل اليوم أيضا هم من اليهود، لن يترك هذا الأمر مجالا لضم مناطق يسكن فيها الفلسطينيون. قام مكتب شارون بتسريب معلومات تفيد بأن أولمرط يتحدث نيابة عن شارون وبمعرفته، ويَعِد شارون بالإعلان عن أمر مثير في الأسبوع القادم.

     العالم بركان ثائر. مبادرة جينيف كاد أن يطويها النسيان. كل المحللين مشغولون بالتكهنات المجنونة: ماذا يقصد؟ على ماذا يعقد العزم؟ هل سيحدث انشقاق في الليكود؟ هل أجبر بوش شارون على تغيير جلده؟

     إن تحويل أولمرط من صقر جارح إلى حمامة وادعة يبدو مقنعا، لأنه في نفس الوقت وبالصدفة تماما يضطر إلى الموافقة على المطالبة الأوروبية بالإشارة إلى أماكن تصنيع المنتجات الإسرائيلية المسوقة إلى السوق الأوروبي. تأتي هذه المطالبة بهدف منع وصول منتجات المستوطنات إلى أوروبا. شرع المستوطنون بحملة تحريض ضده، وقد تم إلصاق إعلانات في القدس تظهر أولمرط وهو يدمغ منتجات المستوطنات بخرقة صفراء نازية وعليها كلمة "يهودي" باللغة الألمانية. (لمزيد من التشديد تظهر على الإعلانات صورتي أيضا، كمن يوجه الأوامر إلى أولمرط).

      أصبح الآن من الواضح تماما: أولمرط هو حمامة وادعة. إلياس النبي الذي يبشر بمجيء شارون، المسيح المنتظر.

     بدأ زعماء حزب العمل بإخراج بدلهم من الخزانة. قريبا سوف ينضمون إلى الحكومة بدل وزراء اليمين المتطرف. شمعون بيريس سيحقق حلمه وسيعود ليشغل منصب الوزير.

      من كان ليصدق! شارون هو دي-غول الإسرائيلي، والسلام آت لا محالة!

     كل هذا يؤكد المقولة الأمريكية القديمة: في كل لحظة يولد مغفل جديد.

     لقد قلنا سابقا مرارا وتكرارا: لا تكترثوا إلى ما يخرج من فم شارون، بل اهتموا بما تفعل يداه. ليس هناك أي معنى لتصريحاته، فهي تهدف لسد احتياجاته التكتيكية في تلك اللحظة. غير أن أعماله غاية في الأهمية.

     أعماله هذه ظاهرة للعيان: بناء الجدار يتقدم بخطوات سريعة. وكما هو الحال في تاريخ شارون، سوف يفرض هذا الجدار "واقعا ميدانيا". سيبتر المناطق الفلسطينية إربا إربا، وستبدو أمام أعيننا المزيد من القطاعات الفلسطينية المنفصلة، التي ما هي إلا سجون كبيرة. وفي الوقت الذي يقوم الجيش الإسرائيلي فيه بإزالة "كرفان" فارغ واحد من بؤرة استيطانية "غير قانونية"، تشجع الحكومة التوسعات الاستيطانية بكافة الوسائل.

     هذا النشاط هو نشاط مكثف تشارك فيه كافة مرافق السلطة. ويمكن لشخص منقطع تماما عن المجريات في المناطق المحتلة أن يدعي بأن هناك "جمود". فقط من يعيش في العالم المرئي الخاص بوسائل الإعلام، يمكنه أن يظن بأنه ليس لدى شارون أي "برنامج". إن لديه برنامجا، كيف لا!

     خطة شارون ما زالت كما كانت عليه منذ عشرات السنين. أقوال شارون وأولمرط لا تتعارض معها، بل على العكس. وفيما يلي جوهرها:

      -  "خطوات أحادية الجانب": لن يكون هناك سلام مع الفلسطينيين. سوف يتم حبسهم خلف أسوار وجدران وسيستمر الاحتلال ولكن بشكل آخر.

     -  "دولة يهودية بأغلبية يهودية تصل إلى 80%": سيتم ضم كل المناطق غير المكتظة بالسكان الفلسطينيين. سيشمل ذلك نصف الضفة الغربية (المنطقة   Cسابقا) ومن ضمنها جميع الطرقات الهامة، جميع المستوطنات الرئيسية، غور الأردن كله، العديد من الحقول والمناطق الزراعية التابعة للقرى الفلسطينية (ولكن ليس القرى ذاتها).

     -  "تنازلات موجعة": ستتخلى إسرائيل عن التجمعات السكنية العربية، المدن ومجموعات القرى الفلسطينية (منطقتي A و-B سابقا) وأغلبية قطاع غزة. ستشكل كل هذه القطاعات حوالي 45% من مساحة الضفة. إذا أضفنا إلى ذلك قطاع غزة فسيكون المجموع الإجمالي 10-12% من مساحة فلسطين – أرض إسرائيل قبل عام 1948.

     -  "الدولة الفلسطينية": شارون مستعد – وهو معني أيضا – بتسمية هذه القطاعات باسم "الدولة الفلسطينية". هذا الأمر سوف يخلي طرف إسرائيل من المسؤولية عن هؤلاء السكان، وإذا ماتوا جوعا أو غادروا بمحض إرادتهم – فهذا محبَّذ. 

      -  "نقل المستوطنات" – عشرات المستوطنات الصغيرة، التي تم بناؤها داخل تجمعات سكنية فلسطينية، سيتم نقلها إلى المناطق التي ستضَم إلى إسرائيل.

      -  "سيستمر الإرهاب": هذا الأمر لن ينهي الحرب. فشارون وأمثاله غير معنيين بذلك، ومن ناحيتهم فلتستمر هذه الحرب إلى الأبد، فالفلسطينيون هم المذنبون دائما. إلا أن إعادة الانتشار الجديد هذه ستكون أكثر ملاءمةً من الناحية العسكرية، لأنه لن تكون هناك حاجة إلى تجنيد القوات لحماية المستوطنات النائية.

      هذا بعكس مبادرة جينيف التي ترتكز على الإيمان بأنه من الممكن التوصل إلى اتفاقية مع الفلسطينيين، وهو مخالف أيضا لـ "خارطة الطريق"، التي ما زال الطرفان يدفعان ضريبة كلامية مقابلها وما زال الطرفان يعتبرانها نزوة من قبل الرئيس بوش وأن بوش نفسه قد تخلى عنها. لقد قبلها شارون في حينه مرفقة بـ 14 اعتراضا، أفرغتها من مضمونها. من الناحية العملية لم يخطُ أي من الطرفين الخطوة الأولى على هذه الطريق. (كذلك الأمر بالنسبة للفلسطينيين أيضا).  

     إن برنامج السلام الذي يقترحه شارون وأولمرط هو بمثابة إعلان استمرار الحرب على الشعب الفلسطيني وهو يستفز الولايات المتحدة والرأي العام العالمي.

     كيف سيؤثر البرنامج على الرأي العام في إسرائيل؟ يمكن لهذا البرنامج أن يوجه موجة الحنين للسلام باتجاه آخر، هذا الحنين الذي تجسد فيما يتعلق أيضا بمبادرة جينيف. يعزف شارون وأولمرط على وتر له تأثيره على الجمهور: (أ) التعامل العنصري مع العرب الذي يسبب بوجود عدم ثقة في إمكانية تحقيق السلام معهم، (ب) الرغبة في دولة يهودية لا يعيش فيها الغرباء عامة والعرب خاصة.

     سوف يعتبرون مبادرة شارون على أنها حملة إعلامية فقط وأنها مجرد تصريح يصرح به شارون وليس له أية صلة بالواقع. إلا أن من يتجول على امتداد الأسوار والجدران التي تقام في هذه الساعة، سيدرك تماما بأنها تخلق واقعا جديدا.

 








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قمة مجموعة السبع في إيطاليا.. برنامج مثقل بالأزمات| #الظهيرة


.. ملاحظاتُ حماس على مقترح بايدن.. إعلان رفض أم مُسودة جديدة؟|




.. القوات الإسرائيلية تشتبك مع عشرات الفلسطينيين في جنين وتدمر


.. عروض تمثيلية لطلاب سوريين لدعم أطفال غزة




.. نافذة على الحرم.. الحجاج يواصلون القدوم إلى الأراضي المقدسة