الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحس المعرفي لمفاتيح اللعبة الدولية

عبد اللطيف المنيّر

2008 / 3 / 3
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


بين الوطني والتخويني

مرة أخرى تطفو على سطح المعارضة السورية خلافاتها، وبين الوطني والتخويني، وبين الضد والّمع، تبقى المعارضة تراوح مكانها. المفروض أن الجميع يعمل لصالح سوريا، بيد أن بروز تياران مختلفان في التعاطي والأداء، أصبح واقعا واضحا، ليشتد الخلاف والصراع بينهما ليصل إلى أعلى مستوياته في شحذ الأقلام واستنفار العقول للبحث عن مفرادات التخوين والعمالة ونبذ الآخرلإقصائه وإزاحته من حلبة المعارضة، وتحويل بوصلة الصراع مع السلطة السورية إلى صراع المعارضة فيما بينها، ويكون النظام الحاكم في سوريا وحده المستفيد من ذلك الصراع.
بعد الحرب العراقية ودخول القوات الأميركية إلى بغداد، وسقوط نظام صدام حسين، ظهر وبشكل سريع تيار معارض ثان، والذي يؤمن بحتمية إزالة النظام السوري ويراهن على سرعة سقوطه. عوّل هذا التياركثيرا على المحكمة الدولية التي ستطال رموز النظام، وأنه – أي النظام السوري - أصبح قاب قوسين أو أدنى من نهايته القريبة!. وكان في مقدمة هذا التيار جبهة الخلاص، التي ضمّت جماعة الإخوان المسلمين، والمنشق عبد الحليم خدام النائب السابق لرئيس الجمهورية السورية.
أما التيار الأول، والذي يمتلك الحس المعرفي لمفاتيح اللعبة الدولية، وإدراكه لمكانة حكام دمشق وموقعهم على الخارطة السياسية الإقليمية والدولية و قدرتهم على اتقان هذه اللعبه والسيطرة عليها. ذلك التيار الذي لم يذهب بعيدا في المغالاة بطلباته السياسية في تطبيق الحد الأدنى من حقوق المواطنة للشعب السوري، وتمتع هذا التيارمن الحكمة الكافية في مساحة الحرية التي يملكها داخل سوريا، واستطاع أن يتحرك من خلالها بذكاء شديد، حيث هذا التيار متواجد على أرض الواقع – سوريا، فاختار طوعا أن يكون من أصحاب النفس الطويل والضغط على السلطة في إجراء الاصلاحات والإنفتاح السياسي التدريجي، ذلك التحرك غايته حماية سوريا من مغبة حرب أهلية تحرق برحاها كل ما هو كائنٌ. وكان للعراق والصومال، وما فعلته أمريكا في هاتين الدولتين العربيتين، صورة كافية لهذا التيار ليستفيد من هاتين التجربتين.
أصبح للمعارضة السورية تياران يتصارعان على الصح والصواب، ومن هو الأفضل لمصلحة سوريا ولكل منهما نظريته ورؤيته الفكرية في الأداء، فالأول يؤمن بالإصلاحات، والآخر يؤمن بضرورة اقتلاع النظام! وثمة بعدا آخر يعمّق حجم المشكلة التي تواجهها المعارضة السورية سببها جبهة الخلاص.
حيث أن جماعة الإخوان المسلمين، تمكنت من استغلال تاريخها وعمقها بالداخل في البداية، وأن تكون ضمن تشكيلة إعلان دمشق واضعة قدماً في الداخل وقدماً في الخارج، ظنا منها أنها تستطيع اللعب على الحبال في تنفيذ خططها الاستراتجية الرامية إلى تجميد الأحزاب السياسية الجديدة في المعارضة السورية، أو تعطيلها تماما عن أي اداء سياسي، لتكون هي االحامل الوحيد للمعارضة والفائز الوحيد بالحكم فيما لو سقط النظام السوري!
هرولت جماعة الإخوان مسرعة وبعد مشاركتها في إعلان دمشق، وذهبت منفردة ودون مشاورات شركائها السياسيين في إعلان دمشق (وبه تشَكل أول تحالف سياسي في المعارضة السورية)، هرولت باتجاه عبد الخليم خدام بُعيد اعلان انشقاقه مباشرة، ضاربين عرض الحائط ببنود وأدبيات إعلان دمشق. بعد أن سال لعابهم على إستلام الحكم، اعتقادا منهم أن ماسمعوه من خدام في أول لقاء له على فضائية العربية أن حكام سوريا شارف أجلهم على النهاية!
ولكن بعد أن تبين زيف نوايا خدام ونيّة احتكاره للمعارضة السورية في الخارج، وسيطرته على إعلان دمشق في الداخل من خلال شركائه الإخوان، واصبح واضحا التراجع الشعبي للمعارضة بشكل عام وللإخوان في الداخل بشكل خاص، ولحماية الإعلان من الإنهيار، برز الخلاف الخفي داخل أروقة إعلان دمشق بين المُطالب بفصل جماعة الإخوان من تشكيلة الإعلان، وبين المؤيد لبقائهم، حيث الأخير أصبح معظمهم وراء القضبان، وعقدت على الأقل ثلاث اجتماعات للسَنة الأولى على ولادة الإعلان في دمشق لفصلهم ولكن باءت كلها بالفشل.

فكيف لتيارين مختلفين في الخطاب السياسي الجلوس على طاولة واحده وفي إئتلاف واحد؟ فكان لا بد من ظهور الخلاف إلى العلن ذلك لعدم إمكانية حسمه في الإجتماع الأخير والخلافي، الذي نتج عنه الإنسحابات المشهودة. ولأن خدام لم يعد لديه ما يعطيه، وأفرغ مافي جعبته من حجج ضد النظام السوري، واصبح يكرر نفسه في كل مرة يظهر فيها على الفضائيات المتلفزة، وأثبت بالدليل القاطع أنه منتقم وليس معارض للنظام، عندما وجد نفسه مفصولا من القيادة والحزب الحاكم، ولم يستطيع أن يضم اليه شخصا واحدا من رفاق دربه أو حتى أحداً من حزبه الذي ينتمي اليه. ورغم ذلك آثرت جماعة الإخوان البقاء مع خدام غير ابهة لما يحصل في اعلان دمشق بعد انتخاب مجلسه الوطني الأخير، وقررت الاستمرار في هذا الخطأ الاستراتجي، لأنها ترى في قرار تراجعها عن التحالف مع خدام خللاً بإتخاذ القرارات من قبل قياديي الإخوان، مما يهز كينونة زعيمها صدر الدين علي البيانوني ( الصدر الأعظم) ويفقد مصداقيته السياسية.
إلى أن هذان التياران لم يصلا إلى الحدود الدنيا في طريقة التعاطي لحل الخلاف، ولم يحتكما إلى المعاير الأخلاقية ليكونا القدوة والمثال للشعب السوري، وعزاء هذا كله إلى غياب ثلاثة مفاهيم: الحوار، قبول الآخر، وتطبيق الديمقراطية الفكرية بينهم. ذلك أنه لا توجد ثقافة لتأسيس هذه المفاهيم، وممارستها فعلا وواقعا، لا شعارا وترديدا في المقالات وحسب. ولن يصلا ليجتمعان في نهاية الطريق، لأنهما وبكل بساطه كلاهما يسير في الإتجاه المعاكس، وبطريق مختلف تماما عن الآخر. مما أدى إلى إنهيار المعارضة السورية بامتياز!.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الاتحاد الأوروبي.. مليار يورو لدعم لبنان | #غرفة_الأخبار


.. هل تقف أوروبا أمام حقبة جديدة في العلاقات مع الصين؟




.. يديعوت أحرونوت: إسرائيل ناشدت رئيس الكونغرس وأعضاء بالشيوخ ا


.. آثار قصف الاحتلال على بلدة عيتا الشعب جنوب لبنان




.. الجزائر: لإحياء تقاليدها القديمة.. مدينة البليدة تحتضن معرض