الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


انتصاراً لشعب غزة البطل

بدر الدين شنن

2008 / 3 / 3
القضية الفلسطينية


لم أ ستطع ، في الفاتح من آذار الجاري ، من متابعة مشهد المجزرة الصهيونية في غزة .. لم أ ستطع أن أتمالك نفسي عند رؤية مجموعات من النسوة الفلسطينيات .. يصرخن .. يستغثن .. وهن باكيات نائحات .. فوق جثامين أزواجهن وأخوتهن وأبنائهن .. من الرجال والشباب .. الفتية الصغار والرضع ، ومجموعات من أولاد غزة .. صبية وبنات .. يبكون .. يشهقون .. والدموع تبلل وجوههم وأ عناقهم .. وعيونهم تبحث فيما حولهم .. عن أب .. أو أخ .. أو أم .. أو قريب .. أو مغيث ، وحول الجميع ركام أحجار ، وجدران مهدمة ، وسقوف منهارة ، وغبار موت أ سود بشع .. يلف الفضاء من الأرض حتى السماء ..

أحسست بضيق خانق بصدري ، وانتشار قشعريرة مؤلمة في رأ سي ، وارتجاف في كياني كله ، وزوغان في البصر ، والدموع تجمدت كالزجاج في عيني . خفت أن تكون النهاية .. قد أزفت .. وأن صواريخ وقنابل المعتدي الإسرائيلي قد اصابت مني مقتلا ..

أغمضت عيني عن متابعة المشهد ، لعل ذلك يكون أقل وطأة .. وأتمكن من تجميع ما تبقى لدي من طاقة لأستعيد توازني .. ولأنتزع بقية من عمر .. أجد فيها ما يخفف شيئاً عن الأحبة في غزة وسط حصار النار والموت .. ففشلت وازددت ضيقاً وألما .. ووجدت نفسي وأنا مغمض العينين أ ستعرض المشهد مجدداً بصورة أبشع وأكثر ألما ..

حاولت أن أبحث عن ما يخفف عني .. ويساعدني على التحمل . رحت أتنفس بعمق قدر المستطاع ، مراهناً ، على الدقائق تلو الدقائق القادمة .. لكن لاجدوى . فالقشعريرة في الرأس تحولت إلى آلام هي أ سوأ من الصداع المبرح بما لايقاس . وسيطر على الشعور بالموت .. وتقبلت خاطرة الموت على أنه أفضل لي ، طالما أن حالي العاجزة .. عمراً .. ومرضاً .. ومنفىً ، قد جردتني حتى من قدرة تحمل مشهد المذبحة .. وهل أنا افضل من أي إنسان يذبح .. من أي طفل يتشظى بقنابل الصهاينة .. في رفح أو خان يونس أو جباليا أو غزة .. أو .. أوليس الموت في حالة العجز هذه أ شرف من الموت الذليل في غربة المنفى ؟

وارتكبت إثم السؤال الغبي الشاذ مرات عدة .. أين الدول العربية ، خاصة تلك التي تشتري الأسلحة كل عام بتلال من الذهب والدولارات ؟ أين مجلس الأمن ، الذي يتشدق بحق الشعوب بالأمن والسلم والاستقرار ؟ وكنت أزيح السؤال جانياً بسرعة ، وأقول لنفسي ، وهل هذه دول ، تلك التي تحولت إلى وكالات للشركات الاحتكارية العابرة للقارات ، ولتأمين مصالح هذه الشركات ، وا ستدامة أنظمتها المفوتة وتكديس ثروات أصحاب الجلالة والسمو والفخامة وعائلاتهم وعملائهم ، تقوم بذبح المعارضات والأحرار في بلدانها بوحشية هي أفظع من وحشية الصهاينة ؟ .. وهل مجلس الأمن إلاّ إدارة سجن للشعوب ، وملتقى لعصبة دولية يغطي تقسيم وإعادة تقسيم العالم حسب موازين القوى وتجاذبات المصالح على حساب الشعوب ؟ .

بيد أن أمراً ما بداخلي بدأ يصحو تدريجياً ، وأخذ يحملني إلى حال أخرى .. يذكرني .. أن المشهد في غزة .. ليس كله دموع ودماء .. وخراب ودمار .. وإنما هناك إرادة .. هناك أ سطورة مقاومة .. تخترق كل أ سوار وسقوف الاستسلام والعبودية .. إنها مقاومة شعب بكامله .. بكامله .. فهناك ما بين الخرائب الشامخة .. وبين الأشجار المحروقة .. مرابض صواريخ المقاومة ، التي ترد بإباء وتحد على حمم الطائرات والدبابات .. وهناك فتية يتنقلون بين انفجارات القذائف والصواريخ المعادية لانتشال الجرحى من براثن الموت ، ونقل جثامين الشهداء لتدفن بكرامة . وهناك المرأة الفلسطينية البطلة أم وأخت وزوجة وحبيبة الشهيد .. تبكي تصرخ .. تلعن .. لكنها تظل واقفة ، وتجمع ما تبقى من الأسرة أو اليتامى الذين قتل الصهاينة ذويهم ، تحت جزء من سقف منهار ، لتجدد الحياة .. لتمد الحياة من روح الأنوثة .. والأمومة الخالدة .. بالإرادة والأمل .. وهناك الرجال الرجال يتصدون بالبنادق للطائرا ت والدبابات .. وهناك من ليس معهم بنادق يتصدون لها بالحجارة وأذرعهم العارية .

في هذه الملحمة بامتياز .. تتجسد إرادة الحياة وحب البقاء وعشق الحرية .. تتجسد إرادة الرفض للعبودية الصهيونية .. وتتجسد إرادة الحق .. حق الشعوب بتقرير مصيرها ..

وفي قلب هذه الملحمة ، التي يخوضها شعب صغير بأرض صغيرة .. لكنه العملاق بصموده وإراته .. تنهض منارة التحدي .. رافعة الصوت حتى عنان السماء .. يجب أن نبقى .. وأن نحيا .. وأن نصمد .. وأن ننتصر ..

وبدأ الضعف بداخلي يتلاشى .. وبدأ الأمل يحفزني .. يشدني لأبقى .. ولولأقول شيئاً .. لأطلق صرخة غضب .. انتصاراً لحق شعب غزة البطل بتقرير مصيره .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ثلاثة قتلى إثر أعمال شغب في جنوب موريتانيا • فرانس 24


.. الجزائر: مرشحون للرئاسة يشكون من عراقيل لجمع التوقيعات




.. إيطاليا تصادر طائرتين مسيرتين صنعتهما الصين في الطريق إلى لي


.. تعازي الرئيس تبون لملك المغرب: هل تعيد الدفء إلى العلاقات بي




.. إيران .. العين على إسرائيل من جبهة لبنان.|#غرفة_الأخبار