الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ما الذي يفعلون بحرية فات ميعادها

كريم رضي

2003 / 12 / 17
الادب والفن


كلما تدحرج رأس حاكم عربي
على مدرج التاريخ الجاري بالدم
أو انفتح نظام كان شموليا على شيء يشبه الديمقراطية أو يكاد
جاء الحزانى ليرقصوا فإذا هم نسو الرقص
الرقص الذي لم يخلق الجسد الإنساني لأجمل منه
نسوه!
الغناء الذي لم تخلق الحبال الصوتية لأعذب منه
أيضا نسوه!
كان الجسد طوال هذه السنوات ينكمش
و (يلملم ظله ليصد جيشا) قاسم حداد
فلما جاءت الحرية تدق الباب
لم يكن ثمة أحد
في الداخل
إلا روحٌ محطمة
الحرية تأخرت بما يكفي
صار الجسد ضامرا ونحيلا
حتى أن ثوب الحرية يفيض عليه
يريد الحزين أن يضحك فلا يستطيع
لا لأنه غير واثق من الفرح
بل لأن فكيه يبسا على الصمت والغضب
نسي كيف يحتفل بالحرية
كان يتخيل أنه ما أن يسقط الدكتاتور، حتى سيكون الفرح سهلا
الآن يعرف أنه بالغ كثيرا
كانت الدكتاتورية رصيدا له على الأقل
هو الذي أقنع نفسه والآخرين
أنه لم يترك الشعر عن عجز بل لأنه مقموع
لم يترك الكتابة عن ضعف بل لأنه ممنوع
وها هو الآن وقد سقط رأس الطاغية كتفاحة باردة في قفص حديدي
لا يستطيع أن يكتب
تخونه يده وتنهكه العبارة
وكلما كتب شيئا من نص
نام لفرط السأم
كم تأخرتِ أيتها الحرية
ليتك بكرتِ قليلا
كنتُ على الأقل أملك رجلي التي راقصت بها عذارى الشواطيء
كنتُ على الأقل أملك شيئا من طفولة غاربة
كنتُ نزقا بما يكفي لأخلع ثيابي قطعة قطعة
وأركض في الشوارع وصالات الرخام
أو أستحم في نافورة عامة
هاتفا هيه (حرية)
كنتُ أملك من الجنون ما يجعلني
أقرأ قصيدة ساخرة وأنا ألبس نصف بدلة عسكرية
ممتطيا دبابة يجرها حمار في مجمع تجاري 
أين أنت يا صديقي أيها الدكتاتور
يا نصفي الآخر ومبرر وجودي الأنطولوجي
مثلك أنا محطم و حزين على نفسي
ما الذي أفعل بحرية فات ميعادها
على الأقل أنت أنجزت مشروعك
الجماجم الفاغرة عيونها وأفواهها 
تشهد لك
الأطفال المصابين بالإسقربوط
والعجائز المصابات بالرعب
يشهدن لك
حطامي أنا يشهد لك
لكن من يشهد لي؟
القصيدة التي نسيتُ كيف أكتبها
أم الإبتسامة التي أغتصبُها حين يهنئني صديق بسقوطك
أم الأغنية التي أريدها صاخبة فتأتي حزينة كلحن من الدم
من يشهدُ لي؟
أتقبلُ أن تقف في محكمة خاصة تنصفني بشهادتك؟
لا، لم أعد أريد رأسك
أريد فرحي وقصيدتي
ما ذا فعلت بهما؟
أصرخ فيك ها؟
ماذا فعلت بي؟
أريدك أن تشهد أمام الصبايا المأخوذات بغموضي
أني لست فارغا
بل ممتليء بالمعنى
لكني فقدته ذات شتاء على طريق الآلام
قل أني كنتُ موسيقيا وشاعرا سعيد العبارة
لولا أن شِعري ذهب مع كرامتي
أني كنت رساما جميلا
لولا أن جمالي اغتصبه (أبطالك) بدم بارد
قل هذا ثم متْ
إعداما أو ندما
ندما أو إعداما
لم يعد يهمني شيء
سأمر يوما ما بجثمانك معلقا على صليب
أو مشنقة
وسأكون مشغولا جدا باكتئابي
أو بعمل جديد لا يمت للإبداع بصلة
ولن أراك
سأذهب بعيدا في اللامبالاة
قبل أن أسمع صوتك نحيفا
يأتي من حنجرة مغلولة
سألتفت لأرى دمعة سوداء
تنبع من محجر أكلته الطيور
ولن أعرفك.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجنازات في بيرو كأنها عرس... رقص وموسيقى وأجواء مليئة بالفر


.. إلغاء مسرحية وجدي معوض في بيروت: اتهامات بالتطبيع تقصي عملا




.. شكلت لوحات فنية.. عرض مُبهر بالطائرات من دون طيار في كوريا ا


.. إعلان نشره رئيس شركة أبل يثير غضب فنانين وكتاب والشركة: آسفو




.. متحف -مسرح الدمى- في إسبانيا.. رحلة بطعم خاص عبر ثقافات العا