الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مشكلة الإدارة و أثرها على التنمية الاقتصادية في العراق

فلاح خلف الربيعي

2008 / 3 / 4
الادارة و الاقتصاد


حتى نهاية الحرب العالمية الثانية ، ظل اهتمام الاقتصاديين منصباً على الإبعاد الاقتصادية للتنمية ، ؛ ولم يكن للبعد الإداري وقضاياها أي نصيب في تلك الاهتمامات ،وحتى عندما تحدث جوزيف شومبيتر (1950-1883)عن أهمية دور الرائد أو المنظم (Entrepreneur)، فقد تناوله باعتباره أحد مدخلات العملية الإنتاجية ،وكعنصر يتولى مهمة جمع عناصر الإنتاج الأخرى من قوى عاملة ومواد خام ورأسمال مع بعضها البعض ،
ثم أثبتت الوقائع الاقتصادية بأن هناك حلقة مفقودة في قضية التنمية ساهمت في عرقلة جهود التقدم الاقتصادي والاجتماعي . فرغم وجود الكثير من الدول الغنية بالموارد الطبيعية، ألا أن هذه الدول ظلت تعاني من حالة التخلف الاقتصادي كنتيجة لسوء الإدارة ؛ في مقابل ذلك هنالك دول أخرى تعيش حالة من فقير الموارد ، غير أنها تتمتع بمستوياتٍ معيشةٍ مرتفعة لحسن إدارتها لتلك الموارد.
دفعت تلك الملاحظات بعدد من الباحثين الى الاهتمام بالعامل الإداري باعتباره عنصر جديد من عناصر التنمية ، من أبرز هؤلاء ، كتّاب الثورة الإدارية المعاصرة في أمريكا ،الذين تطرقوا الى أهمية دور الإدارة في عملية التحكم في الموارد المتاحة في المجتمع، وربطوا النجاح بأداء هذا الدور بمجموعة من العوامل التنظيمية والإدارية المتعلقة بنظام السياسة العامة والبرامج الحكومية، كالاستقرار الإداري والكفاءة الإدارية والشفافية والجودة .كما برز نتيجة لتلك التطورات مفهوم التنمية الإدارية؛ ومفهوم سياسات التنمية الإدارية.
وبشكل عام يمكن تصنيف المجتمعات بحسب اهتمامها بالعامل الإداري لعملية التنمية الى المراحل الآتية : -
أ- مرحلة الوعي: في هذه المرحلة تدرك الدولة أهمية دور العامل الإداري فـي تنفيذ السياسات العامة
ب-مرحلة الاهتمام: في هذه المرحلة تسعى الدولة الى الاستفادة من العامل الإداري في تنفيذ برامج التنمية
ج- مرحلة التنفيذ: في هذه المرحلة تبدأ الدولة بوضع برامجها الخاصة بالتنمية الإدارية.
مبررات الاهتمام بالعامل الإداري في العراق:
عمت أجهزة الدولة في العراق بعد انهيار النظام السابق في نيسان 2003، حالة من الفوضى الإدارية،ساهمت في تكريسها عدة عوامل أبرزها: الفوضى التي رافقت إدارة الاحتلال الأمريكي للعراق فضلا عن ضعف مستوى كفاءة والأجهزة الحكومية والوزارات العراقية التي جاءت بعد استلام السيادة في حزيران2004 ، فمعظم هذه الأجهزة قد انبثقت عن عمليات المحاصصة الطائفية، وما تطلبته من تغليب الاعتبارات الطائفية والحزبية على اعتبارات التخصص الأكاديمي والكفاءة والنزاهة، ومن الطبيعي أن يقود هذا الوضع الى تكريس حالة من التخلف الإداري وشيوع مظاهر البيروقراطية والفساد الإداري والمالي، وبطء عمليات إعادة الأعمار والركود الاقتصادي، أن هذه التطورات تدعو إلى التأكيد على أهمية العامل الإداري لعملية التنمية الاقتصادية، والتي يمكن حصرها بالنقاط الآتية :-
1- الحاجة إلى خلق جهاز إداري ذي كفاءة عالية:- أن ظروف الأزمات المستمرة التي تواجه المجتمع العراقي اليوم وما رافقها من اختناقات ومشاكل تتطلب وجود جهاز إداري يتمتع بكفاءة عالية قادر على مواجهة الأزمات في لحظة ظهورها وقبل استفحالها.فاستمرار عمل الجهاز الحالي غير مستقر وغير قادر على أداء مهامه ؛ سيحول تلك الأزمات الى مشاكل مستعصية،كما يدلل على ذلك واقع الخدمات العامة وفي مقدمتها الأمن والكهرباء والمياه والتعليم والصحة والمواصلات،فمعالجة أوضاع هذه الخدمات أصبحت في حكم المعجزة و كنتيجة لتراكمات العقود الماضية،أن الصعوبات التي يواجهها الجهاز الإداري في التعامل مع هذا الوضع أثبتت عدم فعاليته،ومما يزيد الأمور تفاقما هو تدهور الوضع الأمني الذي يساهم في تراكم تلك المشكلات وطول مدتها وصعوبة معالجتها بشكل تدريـجي مما ضاعف ولعدة مرات من التكلفة المالية المطلوبة لمعالجتها.
2- الحاجة الى دعم الإنجازات التي تحققت في المجالات السياسة، كإقرار الدستور والحكومة المنتخبة والانجازات في مجال رفع المستوى المعاشي للمواطنين والاهتمام برفع مستوى التعليمٍ والصحة وغيرها.عن طريق الاهتمام باعتبارات الكفاءة الإدارية للوزارات والأجهزة الحكومية،فإهمال هذا العامل و استمرار التركيز على الاعتبارات السياسية والطائفية وعدم وضوح سياسة الحكومة في هذا الجانب ، سيسهل من مهمة القوى المناهضة لعملية التغيير و سيجعل عملية الحفاظ على ما تحقق انجازات سياسية عملية محفوفة بالمخاطر .
3-لا يمكن دعم جهود الإصلاح السياسي للدولة، أو منعه من الانحراف عن مساره ، ما لم يكن الجهاز الإداري وسياسات التنمية الإدارية بشكل عام في المستوى المناسب لجهود الإصلاح.
4- الحاجة الى دعم الثقة بين المواطن والحكومة ؛ فليس هناك أسوأ من فقدان الثقة بين المواطن والحكومة ؛الأمر الذي يؤدي في نهاية المطاف إلى خلق مجتمع مأزوم مهزومٍ من الداخل ، والى إجهاض أية محاولاتٍ للإصلاح على أي مستوىً كان .
أسباب الإخفاق الإداري في العراق :
هناك العديد من الأسباب التي تؤدي إلى فشل برامج التنمية الإدارية في العراق، من أهمها
أ-الفشل في تحديد الأولويات بالشكل الصحيح : فلا تزال الأولوية في اختيار الوزراء وموظفي الدولة الكبار تتم على أساس الاعتبارات السياسية واعتبارات المحاصصة السياسية والموازنات الطائفية ،وعلى حساب التخصص الأكاديمي والكفاءة والنزاهة ، مما أدى الى تكوين كوادر وأطر إدارية عاجزة عن القيام بمهامها بالشكل الصحيح .
ب-غياب التدريب الفعّال للقيادات الإدارية التي تتولى مهمة تنفيذ برامج التنمية الاقتصادية والتنمية الإدارية سواء أكان ذلك من حيث الكم أو الكيف،فمن حيث الكم لا يزال عدد مؤسسات التدريب الإداري محدوداً بدرجة كبيرة ، ولذلك أسباب رئيسة ثلاثة:-
1- وقوع العبء الأكبر لبرامج التدريب الإداري على عاتق الدولة ، فمساهمة القطاع الخاص لا تزال محدودة بشكل كبير .
2-عـدم الانفتاح خلال العقود الماضية على مؤسسات التدريب الدولية .
3- ضعف الاهتمام بمؤسسة التدريب الإداري الرئيسية في العراق وهي معهد التدريب الإداري ، الذي يعتبر- من حيث إنشاؤه - من أوائل المؤسسات الرائدة في الوطن العربي .
ج-عدم استقرار الجهاز الإداري وتعرضه للكثير من التقلبات غير المدروسة وغير المبررة علي أسسٍ موضوعية تراعي مصلحة الجهاز الإداري،فكثيراً ما تلغى وزارات أو مؤسسات أو يعاد إنشاؤها ، دون أن يكون هناك سبب منطقي لذلك .
د-التغيرات السريعة السياسية التي شهدها العراق مؤخرا أفقدت الجهاز الإداري توازنه،وجعلته غير قادر على أنجاز أي تطور في المجال إداري،حيث الحكومة تلعب عادة ما يعرف بالأثر المغناطيسي؛ فينجذب الجهاز الإداري وراء سياساتها،حتى وإن كانت تلك السياسات غير صالحة من المنطلق إداري،ومن الطبيعي أن يؤدي هذا الوضع المربك إلى عدم التركيز على برامج التنمية الاقتصادية والتنمية الإدارية وبالتالي انخفاض كفاءة الأداء التنموي والإداري .
متطلبات تحقيق التنمية الإدارية في العراق :
يستلزم تحقيق التنمية الإدارية في العراق توفير الشروط الآتية :
1- وجود رؤية إستراتيجية: تشمل على منظومة من الأهداف والغايات والرؤى الإدارية الإستراتيجية لمعالجة حالة التخلف الإداري؛ فعدم وجود هذه الرؤية سيدفع الى التركيز على المعالجات الآنية ،وعدم الإحاطة بأبعاد المشاكل الاقتصادية .
2- وجود الدافعية لدى المشاركين في تشريع وتنفيذ برامج التنمية ،وخاصة القياديين ،وهذه الدافعية تتطلب وجود قناعة وإيمان لدى المشتركين بالعملية السياسية بالعراق الجديد ،ليتمكنوا من دعم برامج الحكومة،والدفاع عنها و شرحها للآخرين وتطبيقها،وهذا الوضع –للأسف- غير متحقق لحد الآن لدى جزء مهم من المشاركين في العملية السياسية ، وساهم ذلك في تعثر العملية السياسية وتدهور الوضع الأمني فضلا عن توقف عملية التنمية وبطء عملية إعادة الأعمار
3-توفر عنصر الثقة بالنفس لدى هؤلاء المشاركين ، وبأنهم قادرون على تنفيذ ما يوكل إليهم من برامج ، ويلعب عنصرا الخبرة والتدريب المناسبين أساساً قوياً لبناء مثل هذه الثقة .
4- الرغبة والاستعداد في تحمل قدر من المخاطرة عند تخطيط و تنفيذ هذه البرامج ، فالركون إلى السكينة والدعة والإفراط في الحذر وعدم أخذ زمام المبادرة هي من أسوأ ما يمكن أن يتصف به القائمون على مثل هذه البرامج
5-المقدرة على اتخاذ القرارات في الوقت المناسب؛ فالقرار الصحيح – إضافة إلى أبعاده الموضوعية – له أيضا إطار زمني ينبغي أن يتخذ من خلاله ، وإلا فقد أهميته العملية .
6- توفر المهارات المناسبة والخاصة بالمستوى الإداري الذي يتطلبه تنفيذ برامج التنمية
7- توفر مهارات الاتصال مع الآخرين ؛ لكي تنجح برامج العامل الإداري لعملية التنمية، يجب أن تطبق كل التطورات في علم الإدارة من مهاراتٍ في مجال التسويق والتواصل مع الجهات والأفراد المستهدفين.وهذا الأمر يتطلب إخضاع الأفكار والخدمات العامة لمفاهيم التسويق التي نستخدم عادة في برامج تسويق السلع مع مراعاة الفروق النسبية في هذا الشأن.










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أخبار الساعة | رئيس الصين يزور فرنسا وسط توترات اقتصادية وتج


.. الاقتصاد أولاً ثم السياسة .. مفتاح زيارة الرئيس الصيني الى ب




.. أسعار الذهب اليوم الأحد 05 مايو 2024


.. رئيس مجلس النواب الأميركي: سنطرح إلغاء الإعفاءات الضريبية عن




.. ملايين السياح في الشوارع ومحطات القطار .. هكذا بدا -الأسبوع