الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإنترنت ليست مجرد ثورة تقنية

محمد نورالله

2008 / 3 / 4
العولمة وتطورات العالم المعاصر


غالباً ما نظن أن الثقافة وعاداتنا الحياتية اليومية أشياء تتغير خلال مدى زمني مدى كبير نسبياً يصل إلى عدة أجيال، في حين أن ظهور الإنترنت قد سبب تغييرا كبيرا في ثقافتنا في أقل من عقد من الزمن هذه الشبكة التي انتشرت انتشاراً واسعاً في زمن قياسي جداً. تشير إحصاءات شركة كومسكور "ComScore" إلى وصول عدد مستخدمي الإنترنت في العالم إلى حوالي 694 مليوناً والرقم في ازدياد متسارع. لقد جذبت الشبكة البشر عبر العديد من الوسائل (تداول المعلومات – البريد الإلكتروني – الوسائط المتعددة – الإتصالات – الأخبار - المجتمعات الإفتراضية – التجارة الإلكترونية – التسلية والترفيه ... الخ). وفقاً لبيل غيتس فإن الإنترنت الآن "أصبحت مركز اهتمام الحكومات ورجال الأعمال ". وفجرت صناعات جديدة تماماً في العالم، أو حولت بعضها إلى أشكال جديدة فأصبحت ظاهرة حضارية وثقافية جديدة تماماً في زمن قياسي لم تسبقها فيه أي ثورة ثقافية ماضية في تاريخ البشرية. يقول العديد من المحللين لهذه الظاهرة أن السبب هو في أن الإنترنت استطاعت توظيف تقنية حديثة قامت بدورها بتوظيف العديد من الأفراد في خدمتها، لكن هذا التحليل يقلل عمليا من تأثير الإنترنت الثقافي الحقيقي في حياتنا اليومية.
لقد أثرت الإنترنت على طرق حياتنا اليومية وتفكيرنا اليومي بشكل مباشر. عندما نكون في عالم الإنترنت فإن نظرتنا للأفراد "الآخرين" تكون مختلفة بشكل كبير لأننا نتلقى ونقدم معطيات مختلفة عن تلك التي نحصل عليها أو نقدمها بطرق الإتصال القديمة. هذا بدوره سؤدي إلى تغيير في سلوك الأفراد ويعطي أبعاداً جديدة يكتشف فيها الفرد جوانب من ذاته وذات الآخر بشكل مرن لسهولة إخفاء الهوية الحقيقية والتعبير عن رأي جديد والتصرف في عالم بلا قيود ثقافية أو اجتماعية أو فكرية موروثة، فيكتشف الفرد في حاله وغيره جوانب تضيء زوايا مخبأة تلعب دوراً جديداً غير اعتيادي في تكون شخصيته وسلوكه. يمكن الاسترسال في الأمثلة عن تغير السلوك البشري فالعادة البسيطة في تفقد وقراءة البريد الإلكتروني يومياً والتي أصبحت "إدماناً" لدى العديد من الناس هي تغيير سلوكي. العلاقات التي تنشأ وتنتهي بين الأفراد على الإنترنت ايضاً تغيير سلوكي، إرضاء الحاجات البشرية الأساسية التي ظهرت على الشبكة (غرف المحادثة - العلاقات عاطفية كوسائل جديدة للشعور بالانتماء والحصول على علاقات حب أو صداقة أو تسلية غير موجودة في الحياة اليومية). وبالنسبة لمن يعتمد دخله المادي على الإنترنت فإنها تؤمن له رضى مادياً واعتماداً اقتصادياً في حياته. حاجة الناس للتعلم تم إرضاؤها عبر الحصول على المعلومات عن طريق الشبكة. قيمنا ومبادئنا التي نبني عليها سلوكنا تغيرت أيضاً: اذا أردنا التحدث عن الخصوصية الفكرية مثلاً فإن العديد لا يشعرون بالذنب الآن لحصولهم على مواد فكرية مقرصنة متوفرة بشكل مجاني من الانترنت (كالحصول على كتاب أو أغنية ) في حين أن القيام بهذا الفعل قبل ظهور الشبكة العالمية يعني الدخول إلى مكتبة ما وسرقة كتاب أو تسجيلاً صوتياً مثلاً. لقد تغيرت هذه القيمة تماما في فكر العديد من البشر والسبب هو الإنترنت. بل إننا سنشعر بالغبن الآن إن فكرنا بدفع قيمة (برنامج) أو (كتاب) طالما أنه متوفر على الإنترنت. حياتنا اليومية وعاداتنا وتفكيرنا تنقلب بشكل كبير لأن مستخدم الإنترنت يفكر ويتصرف ويرضي احتياجاته بأشكال جديدة تماماً وفقاً لمعطيات حياتية جديدة أيضاً أوجدتها هذه الشبكة.
شبكة الإنترنت أثرت أيضاً على الثقافة العامة وجعلت البشر يفكرون بشكل مختلف وبالتالي أدت بالأفراد في المجموعات إلى اتخاذ قرارات جمعية بطرق جديدة ، فمصادر معلوماتهم توسعت وصارت القرارات الفردية والمحاكمات العقلية للأفراد أسرع وأكثر مرونة واختلافاً. يمكن لمجموعة ما أن تقدم معارف ومعلومات معينة تؤثر في سلوك ومعارف مجموعات أخرى. مثال قوي هو ما حدث في جنوب كوريا في انتخابات عام 2000 حين تم استخدام الإنترنت لتجاوز الإعلام الكلاسيكي الخجول ونشر معلومات مهمة أثرت على السياسة فسقط سياسيون ونجح سياسيون في ذلك البلد. إن القرارات التي تتخذها الجماعات الآن أصبحت بمعزل كبير عن جغرافيتهم أو ثقافتهم (القديمة) بسبب الإنترنت التي بدأت بخلق شكل من أشكال الوعي الجمعي العام الجديد كحلقات ضمن حلقات عبر سهولة الإتصال وتبادل الأفكار والحوارات. البريد الإلكتروني – التراسل الفوري – المنتديات – النشرات البريدية - في مجملها وسائل تسمح بتبادل فوري سريع للمعلومات ومشاركتها والتحاور حولها بين مجموعات متعددة مختلفة فكرياً وثقافياً وبالتالي تؤدي إلى توسع قاعدة بيانات التجمعات وخلق تجمعات فكرية وثقافية جديدة في المجتمع – مجموعات تكونت على أساس اهتمامات فكرية وثقافية مشتركة بغض النظر عن البعد الثقافي الموروث أو البعد الجغرافي.
الحضارة البشرية أو الثقافة المكونة لمجموعة من البشر "أشكال السلوك والتفكير التي يتعلمها البشر خلال عيشهم في مجموعات" تغيرت لأن الإنترنت سمحت بإعادة تكوين الفرد بشكل جديد ضمن مجموعته وبالتالي تغيير سلوك المجموعة. وثورة الإنترنت لم تنته بعد ولا يبدو أنها ستنتهي بل تتسارع وتلد المزيد من المفاهيم. يمكن القول الآن أننا لا زلنا في "فوضى" هذه الثورة وأن نتائجها على الثقافة البشرية رغم كثرتها غير واضحة المستقر. الأكيد أن الثقافة البشرية تمر في مرحلة مخاض لا يجرؤ أي كان على التنبؤ بنتائجها على الثقافة البشرية. لكن تغير سلوك الفرد والجماعة التي ينتمي إليها يؤدي حتماً إلى تغيرات ثقافية واجتماعية واقتصادية وسياسية، خصوصاً أن الإنترنت أقوى أسلحة العولمة الآن وأجداها – إن لم تكن أهم مسبباتها أصلاً .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. خيم اعتصامات الطلبة تتوسع في بريطانيا | #نيوز_بلس


.. أعداد كبيرة تتظاهر في ساحة الجمهورية بباريس تضامنا مع فلسطين




.. حركة حماس: لن نقبل وجود أي قوات للاحتلال في معبر رفح


.. كيف عززت الحروب الحالية أهمية الدفاعات الباليستية؟




.. مفاوضات للهدنة بغزة مع تحشد عسكري إسرائيلي برفح