الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ما بين كوسوفو وفلسطين

يعقوب بن افرات

2008 / 3 / 4
القضية الفلسطينية


استغل الجانب الفلسطيني النقاش الدولي حول كوسوفو، وصرّح ياسر عبد ربه: "اذا لم تحقق نتيجة في فترة قصيرة فإننا سندرس خياراتنا، ومنها اعلان الاستقلال من جانب واحد." ولكن شتان ما بين هذا التصريح-التهديد، وبين الحالة في كوسوفو. تصريح عبد ربه نابع من احباط وليس من خطة مدروسة قابلة للتنفيذ، ولا هو ولا سواه يظن فعلا ان هذا الخيار مطروح في الظروف الراهنة.

اعلان استقلال كوسوفو ادى لانقسام عالمي شديد بين مؤيد ومعارض للاعتراف بالدولة الجديدة. في رأس المعارضة تقف روسيا والصين واسبانيا، وبالمقابل تقف الولايات المتحدة والمانيا مؤقف التأييد. اما اسرائيل فتجد نفسها في وضع حرج، فهي من جهة لا تريد معارضة حليفتها الاساسية امريكا، ولكنها في الواقع تتخوف من سابقة كوسوفو وانعكاساتها على الحالة الفلسطينية.

الحادثة أعادت لاذهان الكثير من الاسرائيليين ظروف الانقسام الدولي الذي قامت فيها اسرائيل نفسها. فقد أعلن بن غوريون الاستقلال عام ١٩٤٨، رغم المعارضة الشديدة من الدول العربية، وبدعم من امريكا والاتحاد السوفييتي.

ولم تكن سوى ايام معدودة حتى استغل الجانب الفلسطيني النقاش الدولي حول كوسوفو، وصرّح امين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، ياسر عبد ربه بالتصريح التالي: "نحن مع المفاوضات، ولكن اذا لم تحقق نتيجة في فترة قصيرة فإننا سندرس خياراتنا، ومنها اعلان الاستقلال من جانب واحد، وعلى العالم والولايات المتحدة مساعدتنا في حماية دولتنا ضد الدولة المعتدية وهي اسرائيل".

ولكن شتان ما بين هذا التصريح-التهديد، وبين الحالة في كوسوفو وكم بالحري في اسرائيل عام ٤٨. تصريح عبد ربه نابع من احباط وليس من خطة مدروسة قابلة للتنفيذ، ولا هو ولا سواه يظن فعلا ان هذا الخيار مطروح في الظروف الراهنة.

لقد تحقق استقلال كوسوفو عن يوغوسلافيا لان هناك مصالح استراتيجية مشتركة لامريكا والمانيا، هدفها تفكيك ما تبقى من الدول الاشتراكية في شرق اوروبا. المخطط الذي دخل لوتيرة متسارعة منذ انهيار الاتحاد السوفييتي، يسعى لتمكين المانيا من استعادة نفوذها في المنطقة، ويهدف بالاساس الى عزل روسيا التي لا تزال بقوتها الاقتصادية والتكنولوجية والنووية تشكل تهديدا على الهيمنة الامريكية.

يوغوسلافيا كانت هدفا دسما، وقد تم تقطيع اوصالها منذ تسعينات القرن الماضي، الى دول صغيرة مثل البوسنة والهرسك، والآن جاء دور كوسوفو، حتى لم يعد من الدولة الكبرى سوى صربيا. لتحقيق المآرب الامريكية تم قصف العاصمة الصربية بلغراد (عام ١٩٩٨) وحوكم رئيسها ميلوشيفتش امام المحكمة الدولية في لاهاي.

انشاء كوسوفو اذن، هو مصلحة امريكية من الدرجة الاولى. اما في الشأن الفلسطيني، فقد عارضت امريكا منذ بداية الاحتلال الاسرائيلي نشوء دولة فلسطينية. ولا يتخيل احد ان يقوم حلف شمال الاطلسي بقصف تل ابيب، كما قُصفت بلغراد مثلا، اذا اعلنت معارضتها لاستقلال فلسطين.

تصريحات عبد ربه تعيدنا الى ايام خلت كان فيها الرئيس الفلسطيني الراحل، ياسر عرفات، يهدد باعلان الدولة المستقلة كلما تعثرت المفاوضات. وقد كلفته تهديداته الحبس داخل المقاطعة في رام الله حتى وفاته. ولكن ايام عرفات ولّت ومعها السلطة الفلسطينية وكامل مؤسساتها، بما فيها المجلس التشريعي. فحتى لو اراد الجانب الفلسطيني اعلان الاستقلال، فهو لا يملك منبرا يعلنه فيه. لقد قرأ بن غوريون وثيقة الاستقلال امام مجلس الشعب الذي سبق الكنيست، كما أُعلن استقلال كوسوفو امام البرلمان المنتخب حديثا ومن قبل الرئيس المنتخب. ولكن اين هو المجلس التشريعي الفلسطيني؟ لقد اضمحل تماما، ولم يبق منه سوى نواب بعضهم معتقل في السجون الاسرائيلية وبعضهم عاطل عن العمل.

كوسوفو تتمتع بحدود واضحة تحميها قوات مسلحة تابعة للحلف الاطلسي، اما فلسطين فلا حدود متفق عليها دوليا بعد. ولو افترضنا جدلا ان الولايات المتحدة ستوافق على حماية الحدود الفلسطينية من الدولة "المعتدية"، فماذا ستكون هذه الحدود؟ هل تكون الحدود حسب رؤية بوش التي تمنح لاسرائيل السيادة على الكتل الاستيطانية وتبقي للفلسطينيين "اشلاء" كما وصفها عبر ربه نفسه؟ ثم من الدولة التي ستوافق على ارسال قواتها العسكرية لحفظ الامن في شبه دولة تسودها الفوضى، ولا تتمتع بادنى المقومات الاقتصادية والمؤسساتية؟

ويبقى السؤال الاهم: ماذا سيكون مصير قطاع غزة المحاصر؟ كيف يمكن اعلان الدولة قبل التوصل الى اجماع فلسطيني ينهي حالة الانقسام الداخلي الخطير؟ ام ان المطروح هو اعلان دولة لفتح في الضفة وبالمقابل دولة لحماس في غزة؟

ان ما يعرقل التقدم في المفاوضات ليس فقط الرفض الاسرائيلي المعهود لاي تقدم نحو حل عادل يرضي طموح الشعب الفلسطيني، بل ايضا عدم وجود طرف فلسطيني قادر على فرض سيطرته على اساس من الاجماع الوطني، وقادر ايضا على وضع حد للزحف الاستيطاني الخطير. فالمشكلة الاخطر التي يواجهها الشعب الفلسطيني اليوم، هي الانشقاق الداخلي بين فتح وحماس المتصارعين على السلطة.

للاسف الشديد، لقد فقد الشعب الفلسطيني كل خياراته بعد ان انقسم بين طرفين كلاهما لا يملك الطريق الى الحل: طريق فتح المتواطئة مع اسرائيل، والتي تراهن على الحماية الامريكية من اسرائيل "المعتدية" اذا فشلت المفاوضات؛ وطريق حماس التي ترفض التفاوض ودخلت وضعا من التطرف حتى باتت تشكل خطرا ليس على الامن القومي الفلسطيني فحسب، بل المصري والعربي عموما.

ان الطريق الوحيد للخروج من هذا المأزق هو بطرح برنامج واقعي بديل، بعيد عن الحماية الامريكية وعن التطرف الاصولي، يضع امام العالم خيارين لا ثالث لهما: اما الاستقلال التام على حدود ال٦٧ وسحب كامل المستوطنات، واما الاندماج في دولة ديموقراطية واحدة لكلا الشعبين. هذا الطرح قابل للتحقيق من خلال اعادة توحيد الشعب بعيدا عن نهج المفاوضات العبثية وعن صواريخ القسام التي تضر بهذا الشعب اكثر مما تفيده.









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تحذير سياسي من مبابي بشأن انتخابات فرنسا


.. بوتين يزور كوريا الشمالية لأول مرة منذ 24 عامًا.. وهذا ما سي




.. ضحايا وعشرات المصابين على إثر حريق مستشفى خاص في إيران


.. الجيش الإسرائيلي يحقق في احتمال تهريب حماس رهائن إلى خارج رف




.. قتلى وجرحى بقصف إسرائيلي على مخيم النصيرات وسط قطاع غزة| #ال