الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الرهان الخاسر

ابتسام يوسف الطاهر

2003 / 12 / 18
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


أبدا لم أطير فرحاً، ولم أشعر بالتشفي وأنا أرى القائد... يفلى شعره بحثاً عن القمل، بالرغم إني أحدى ضحاياه.
لكني لست الضحية التي تتشفى بجلادها، ولا من منطلق "أرحموا عزيز قوم ذل" .. فلم يكن عزيزاً ولا ينتمي للقوم الذين أذلهم. ولست ممن يتلبس شخصية جلاده كما يفعل الصهاينة الذين تحولوا إلى أبشع من النازية في ممارساتهم اللا إنسانية، ولست ممن يستغل ضعف الآخر.. فهذه من شيم صدام ورجاله، وقد رأيناه ورآه كل من لم يصدقنا من قبل. كيف كانوا يتسلون بتعذيب السجناء، بل ويسجلون ذلك عبر أشرطة تلفازية، ربما لتسلية القائد المضرة فيما بعد، أو لتخويف من هم بالانتظار..
لا لم أطير فرحاً.. بل أنتابني شعور بالغثيان.. فقد كنت أتمنى أن يقبض عليه من قبل ضحاياه، لا من قبل من أستخدمه كل الوقت، تمنيته قوياً.. لا قمل في شعره، واعياً لا مخدراً "كما يدعون" ليجيب على أسئلة الملايين ممن مازالوا يبحثون عن أحبتهم الذين اختطفوا بأمره ولم يعرف مصيرهم لليوم؟.
ولم أشعر بالخيبة كذلك، كما شعر الذين اعتقدوه بطلاً، فلم يكن يوماً بطلاً وهوى الآن. لم يكن سوى معتوهاً ألبسوه لباس البطولة لخداع الملايين من المساكين في المشرق أو المغرب العربي، في زمن عزّت به البطولات الحقيقية.. زمن التردي والانحطاط، زمن إنحسار القيم الإنسانية والمبادئ السامية.. ومن يبجل فيه الجلاد وتلعن الضحية، زمن إستخدمت "النمور الورقية" فيه شعارات القومية والإسلامية كأقنعة ودروعاً ليخفوا بها نواياهم ويحموا بها أجسادهم ولا يهمهم تهشيم تلك المبادئ أو تلك القيم، بالرغم في النهاية لم يحموا حتى تلك الأجساد التي دفنوها لتستخدم من قبل العدو المزعوم نفسه للتنكيل بالقومية ذاتها وشعاراتها.
تمنيت أن يجيب على أسئلة "حميدة" رفيقة الطفولة التي لم يمضي على زواجها ثلاثة أعوام لتحرم من عريسها الذي أختطفته عصابات صدام مع أخوته الستة وأبيهم الشيخ الجليل، الذي كان بالنسبة لسكان حيه في البصرة من ألياء الله الصالحين منذ عام 1981 ولم يعرف ما حل بهم للآن.
ليجيب على سؤال أم نبيل والعشرات من الأرامل مثلها، عن زوجها الرائع الذي كان مثالاً جميلاً للعراقي المثقف الواعي، الذي اختطفوه عام 1980 ولم تعرف ما حل به للآن، أو ما حل بالمئات من أصدقائه أو رفاقه أو الأقرباء.
ليجيب على سؤال أمي عن أخيها الوحيد، رجل الدين الذي أختطفوه عام 1991 مع الكثير من الشباب والشيوخ ولا أحد يعرف إن كانوا ماتوا تحت التعذيب أو قتلوا قبل أن يعرفوا سبب اعتقالهم أو اختطافهم.أو ليجيب عن سؤالي أنا بصدد أبي الذي أعتقلوه وعذبوا جسده المرهف الناحل أشد العذاب بتهمة لم يصدقني بها الكثير ممن خدعوا بصدام، وهي أنه في يوم من أيام عام 1954 قاد تضاهرة تنادي بالحرية والديمقراطية.. يومها كان لا يتعدى عمره التاسعة عشر!! وحين رد عليهم وما العيب بالديمقراطية.. ألستم تنادون بها؟ انهالوا عليه بسياطهم الحاقدة على كل ما هو إنساني، لو لا تدخل أصدقائه من رجال الأعمال والرشاوى التي دفعوها لرجال المخابرات لما عرفنا قصته إلى اليوم، لكنهم مع ذلك لم يمهلوه، ما أن تماثل للشفاء حتى دهسوه بإحدى سياراتهم، وتحداهم بنجاته مرة أخرى فحاربوه نفسياً ليتعاونوا بعدها مع الحصار الجائر الذي أطبق بغلالته على العراق ليرحل مبكراً بأثر كل تلك الجراح.
أتمنى لو صدام أو أحد أعوانه يرد على أسئلة آلاف الشباب مثل أولادي الذين حرموا من وطنهم وأهلهم في العراق؟؟.

هل حقاً كل تلك العذابات سببها هذا الرجل المعتوه، وهل صار الآن معتوهاً؟.. لا أعتقد، بل هو معتوهاً منذ أن استخدموه ليعتلي كرسي الحكم الذي عمده بدم رفاقه التسعة من الوزراء، ليبدأ رحلة ماكبث، ليجر ذلك البلد الجميل من كارثة إلى خراب.. وها هم يكملون ما بدأه هو.
هم من أتى به.. لذلك أصروا أن تكون نهايته وفق مخططهم، كان بالامكان التخلص منه دون تدمير العراق، لكنهم ساعدوه ووقفوا معه ضد كل المحاولات التي قام بها الجيش أو الأحرار من الشعب العراقي للتخلص منه وإنقاذ العراق من الدمار، وذلك في الأعوام 1991 و 1993 أو في 1998 و 1999.
بنظرة محايدة للسياسة الامريكية نلاحظ أن كل كل رؤسائهم لا بد وأن يختلقوا حرباً خارج أمريكا، لإشغال الشعب الامريكي عن المشاكل الداخلية وكذلك لكسب أصواتهم في مهرجانات الانتخابات، عبر إحراز انتصارات رخيصة!.. فوجدوا في صدام ضالتهم بواسطة حروبه التي تواصلت من عهد ريغان وبوش الأب وكلنتون إلى بوش الأبن. فكل هؤلاء حققوا انتصاراتهم السهلة واالرخيصة على "البقرة الحلوب" التي من خلالها يعتقدوا أنهم يعيدوا اعتبارهم الذي فقدوه في فيتنام، والفضل كله يعود إلى "البطل" صدام وأمثاله من "النمور الورقية" فبطولاتهم لم تكن سوى بخيال المساكين الذين راهنوا عليهم.. ولم يصغوا لأنين الضحايا أو المعذبين في الأقبية المتناثرة على طول البلاد وعرضها.
لم يصغوا لبكاء الثكالى واليتامى والأرامل.. وللأسف تلك الورقة لم تحترق وحدها، بل كادت أن تحرق معها كل أوراق الرهان على ما يسمى بالقومية أو التعصب الديني، وغيرها من الشعارات التي لم تحترم الشعوب المتآلفة بالوطن العربي. فرهانهم على بطولة صدام كان خاسراً دائماً.. ويعرفون جيداً أن تلك الأوراق هي لعبة الغرب وعليها يعتمد انتصاره.
لكن الفرصة لم تضع بعد أمام كل الأخوة الذين خُدعوا بتلك الشعارات، وعزائهم الوحيد هو الأعتذار للشعب العراقي والمساهمة بتضميد جراحه النازفة، ومن ثم الوقوف معه لإخراج المحتلين إن كانوا حقاً صادقين في مبدأهم الداعم لشعب العراقي.. وليس إرسال الانتحاريين الجهلة الذين لا يميزون بين طفل أو امرأة أو عسكري.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نتنياهو لجنود الاحتياط على الحدود مع لبنان: نقدر خدمتكم ونعم


.. مؤسس موقع ويكيلكس يقر بالتهم الموجهة إليه بعد اتفاق مع الحكو




.. مسيرة حاشدة في كوريا الشمالية لإحياء الذكرى الرابعة والسبعين


.. الشرطة البريطانية توقف 4 أشخاص لاقتحامهم حديقة منزل رئيس الو




.. أخبار الصباح | زوجة نتنياهو تتهم الجيش بمحاولة الانقلاب عليه