الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شارع المتنبي ذاكرة الكتب والناس

فارس الكامل

2008 / 3 / 7
الادب والفن


(( في بلاد تحرق الكتب فيها سيتم حرق الإنسان لاحقاً ))
الشاعر الالماني هنريش هاينه

كنت قد توجهت بسنة 2005 إلى عمان وكانت اغلب أوقاتي اقضيها في مكتبة الشروق والمكتبة الأهلية وقد اشتريت مجموعة كبيرة من الكتب التي انوي قرصنتها بكل فخر من اجل كسر الحصار الثقافي الذي ساهمت فيه ، وأنا اصغر جندي في جيش الاستنساخ الذي تحدى الحصار وأبطال هذا الجيش الكل يعرفهم من سعدون هليل إلى مازن لطيف إلى علي خنجر وتوفيق التميمي إلى رياض وكاظم وحيدر والقائمة كبيرة بحجم حب العراق ومن بين الكتب التي نسختها حال عودتي كتاب بعنوان " المحيط الأسود " وهو كتاب للشاعر والمفكر أدونيس ونحن في شارع المتنبي نحب أدونيس المفكر والمنظر لا أدونيس الشاعر ونحب كتابه "الثابت والمتحول" لا دواوينه وكان " المحيط الأسود " من هذه الكتب الفكرية التي نحبها وقمت بتصوير مائة نسخة من الكتاب ولم تمر سوى أربعة أسابيع حتى نفد الكتاب وهي بمقاييس مبيعاتي تعتبر نسبة جيدة . وعند تصفحي للكتاب استوقفتني مقالة بعنوان "كتب إلى المحرقة" وكانت مقالة تعريفية لكتاب صادر بالغرب بعنوان " كتب إلى النار " للباحث لوسيان بولاسترون يستعرض الكتاب تاريخ حرق الكتب بمختلف العصور وقد استوقتني المقالة وحاولت البحث عن الكتاب ومحتواه في الانترنت وربطت ما حدث بالذي حدث للمكتبة الوطنية والمتحف العراقي وحمدت الله على الذي سرق ولم يحرق فالمسروق قد يعاد تدويره ويصل إلى السوق أما المحروق فلا ترجى أي فائدة منه وخصوصا إذا أخذنا في الاعتبار إن الثقافة هي المادة الوحيدة التي لا تستهلك بالكامل بل يعاد تدويرها بصورة من الصور عندما تتحول إلى الذهن ويعاد انتاجها بصورة من الصور . ومما يذكره ادونيس في محيطه الأسود إن السبب إلى اللجوء إلى إحراق الكتب هو النظرية الواحدية في الفكر والسياسة والدين فإذا انعدمت فكرة التسامح والتعددية انتشر الفكر ألظلامي الذي يصادر الآخر فكراً وجسداً وكان شارع المتنبي هذا النموذج الحي الحضاري لهذه التعددية المتسامحة.
مرت هذه الأيام بعد 2003 أروع ما يكون على الشارع ورواده حتى جاء حادث تفجير المرقدين في سامراء وبدأت موجة العنف الطائفي تتصاعد وكان أول المتضررين شارع المتنبي الذي تقام تظاهرته الكبرى يوم الجمعة من كل أسبوع ومنعا من تعرض المصلين للهجمات الطائفية تم فرض منع التجوال يوم الجمعة وتأثرت الأسواق الشعبية جميعها من سوق هرج إلى سوق الغزل إلى المتنبي وبدا باعة الكتب يفقدون مصدر رزقهم وحاولوا البحث عن بدائل ولكن دون جدوى فجميع أيام الأسبوع لا تعادل يوم الجمعة فهو يوم مقدس عند المثقفين والباعة على السواء ، فمتعة المثقف الأولى لقاء الأحبة والزملاء في مقهى الشاه بندر ومشاكسة الباعة والبحث عن كتاب مفقود ، وبعد أن فقدنا كل هذه المتع العقلية ذهبنا وبدعوة من مجموعة من المثقفين إلى حضور تظاهرة بسيطة يوم الجمعة لحرق الكتب طوعا وذلك إمام مكتبة عمنا أبو ربيع ( نعيم الشطري) صاحب مزاد الكتب الشهير وقمنا بحرق مجموعة من الكتب كما فعل من قبلنا ابن رشد وأبو حيان التوحيدي على أمل أن تضع الحكومة خطوات جادة لدحر الإرهاب والطائفية ورفع حضر التجوال يوم الجمعة ولكن للأسف استشرى كل شيء إلاّ الأمن والأمان واستمر الحال حتى تاريخ الخامس من آذار 2007 حين قام احد المتخلفين الذين هم خارج التاريخ والحياة بتفجير سيارة تحمل من المتفجرات ما يعادل في قوتها قوة كلمة أنارت للبشرية طريقها وهي كلمة حرية فهل هناك كلمة أقوى من الحرية ؟ كان بودي أن أتعرف على هذا الشخص قبل أن يفجر نفسة وأحاوره بالعقل قبل أن يقدم على فعلته ويغتال أصدقائي وكتبي وكنت انوي أن أقص له قصة الفلم الذي قرأت عنه يوماً تلخيص في كتاب الناقد السينمائي رؤوف توفيق عندما تحدث عن الفلم الذي يعرض في بدايته مجموعة من النازيين المكلفين بحرق الكتب التي تخالف هذا النظام ألعقيدي الشمولي الذي يرفض أي فكر معارض ويمنع التعددية وكيف إن احد هؤلاء انحنى بالصدفة إلى احد الكتب وتصفحه قبل أن تأكله النار وكيف استرسل في القراءة لدقائق قبل أن يتم مهمته وساهمت هذه الدقائق المعدودة في تغيير نظرة هذا الشخص الدوغمائي المؤدلج للحياة وبث نسمات التحرر في عقله المعبى بالفكر النازي الشوفيني ، فلو تخيلنا إن هذا الشخص الذي جاء بالسيارة المفخخة وركنها قرب القشلة قبل أن يفجرها وحاول أن يذهب إلى عدنان صاحب المكتبة التي انفجرت ببابها السيارة ويقول له أنا أخالفك الراي وانوي أن اسمع منك قبل أن الغي حياتك فيا ترى ما الذي سوف يفعله عدنان..؟ أنا متأكد انه سوف يحاوره بهدوء ويهديه بعض الكتب التنويرية التي تبث فيه روح التسامح والتعايش مع الآخر وتنزع من روحه التطرف والنظرة الواحدة للحياة.

..................انه مجرد حلم لا أكثر................


إنهم هواة تدمير الجمال والعقل والحرية، أرادوا هؤلاء الظلاميين أن يقتلوا حب الحرية في نفسونا فاغتالوا عدنان وواثق وعبد ومحمد وحسين وعامر وغانم وقتيبة وكاظم والعشرات من الفقراء والكسبة من أصحاب العربات والمارة الأبرياء واغتالوا آلاف الكتب التي هي أرواح أيضا وضعوها أصحابها بين دفتي كتاب، فاغتالوا كتب علي الوردي وطه حسين وهادي العلوي وحسين مروّه وفرج فودة وعلي حرب وسيد محمود القمني واحرقوا بحقدهم قصائد الجواهري ونزار قباني والسياب ومحمود درويش والنواب ولم ينجوا من الحادث إلاّ الحرية في نفوسنا نحن محبي الثقافة ، إن ما فات الجهلة والمتطرفين ذوي النظرة الواحدة ، إن الأفكار لها أجنحة ولا تموت وان قتل المفكرين وإحراق الكتب لا يغير شيئا من مسيرة الإبداع والثقافة في هذا العراق الحي وان السومريين الذين خلقوا الحرف مازال أحفادهم العراقيين سادته وسادة العالم بإبداعهم وإصرارهم على الحياة ، وسوف نتذكر هذا الحادث كل عام فهو وصمة عار جديدة في جبين المغول الجدد أعداء الحب والخير والجمال .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كلمة أخيرة -درس من نور الشريف لـ حسن الرداد.. وحكاية أول لقا


.. كلمة أخيرة -فادي ابن حسن الرداد غير حياته، ومطلع عين إيمي سم




.. إبراهيم السمان يخوض أولى بطولاته المطلقة بـ فيلم مخ فى التلا


.. VODCAST الميادين | أحمد قعبور - فنان لبناني | 2024-05-07




.. برنار بيفو أيقونة الأدب الفرنسي رحل تاركًا بصمة ثقافية في لب