الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رعاة وقطيع من نساء

سندس جليل العباسي

2008 / 3 / 7
ملف - الثامن من آذار 2008 يوم المرأة العالمي - لا للعنف ضد المرأة


تأملات في وضع المرأة العربية والعراقية في ذكرى يوم المرأة العالمي
لست أعلم سبب ميلي الى استهلال بعض مقالاتي بسرد حكاية أو أسطورة.. ربما لان الحكاية طريق قصير لإدراك مغزى معين أو بلوغ حكمة ما، أو لعلي أعشق سرد الحكايا أو لعلي أواجه في بعض الأحيان الارتباك والتشويش في كيفية بداية المقالة ... ومهما كانت الأسباب.. إليكم حكايتي ..
كان ياما كان في سالف العصر والأوان .. أن مملكة (س) تم محاصرتها من قبل مملكة (ص) الجارة لها، حيث اشترط ملك مملكة (ص) الذي يحاصر مملكة (س) لرفع الحصار عنها إن يتمكن الملك المغلوب على أمره الإجابة على السؤال آلاتي: "ماذا تريد النساء.".؟!!. وبعد هرج ومرج، اقترح مستشارو الملك المغلوب أن يذهب بهذا السؤال الى العرافة العجوز.. وبالفعل أرسل الملك أليها أحد نبلائه وكان فارس جميلا ... اشترطت العرافة للإجابة على هذا السؤال إن يقبل الفارس الزواج بها. .. وافق الفارس على هذا الشرط لإنقاذ مملكته.. حينها أجابت العرافة بكلمتين سحريتين هما (حرية الاختيار).. كان ذلك هو الجواب الصائب على سؤال ملك مملكة (ص).. وعلى أثر هذا الجواب تم رفع الحصار عن مملكة (س).. وتزوج الفارس الوسيم من العرافة العجوز القبيحة مرغما.. إلا انه فؤجى في ليلة الزفاف بفتاة جميلة جدا كانت هي العرافة نفسها.. وخيرت الفارس بين أمرين وهما إن كان يرغب بأن تبقى جميلة طوال النهار وتتحول الى قبيحة طوال الليل أو العكس... فكان جواب الفارس حكيما (سأمنحك أنت حق الاختيار..!!)، فردت العرافة بأنها ستبقى جميلة طوال الليل والنهار وفاءا لهذا الجواب البليغ والجميل..
انتهت حكايتي وأدركتم بلا شك من فحوى الحكاية إن مقالتي اليوم تتحدث عن الحرية وحرية الاختيار وبالتحديد حق المرأة في الاختيار.. وبوسعنا أن نستخلص من هذه الحكاية أن الإنسان في حال تم منحه حرية الاختيار فسيحصل في اغلب الأحيان على افضل النتائج، وان اخفق وتعثر في أحيان أخرى، فتلك تجربة تمنحه القوة وتعزز مكانته بصفته كائن بشري ميزه الله عز وجل عن سائر كائناته بالعقل والقدرة على الاختيار من خلال ممارسة حريته الفردية وليس الحرية ضمن قطيع يساق كيفما يرغب الرعاة..
فحرية الاختيار للمرأة في مجتمعنا تحديدا لا مكان لها من الإعراب وان تم إعرابها فلا مجال لان تبنى بالفتح لان مآلها الجر بالكسر .. فالطائر الذي يولد في قفص يجهل معنى الحرية، وان كتب له الخروج فسيجهل كيفية الطيران من أول خفقة بل سيحتاج الى محاولات عديدة للطيران وتدريب لابأس به.. ونلاحظ في الآونة الأخيرة أن الأمر يزداد سوءا بالنسبة للمرأة العربية والعراقية بشكل خاص في ظل تفشي وباء الإسلام السياسي وظاهرة الحجاب السياسي والحريم وكثرة الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر رغم جهلهم الديني.. والمنكر هنا يتجسد بالمرأة على الأعم الأغلب.. وبشيوع تلك المسميات، سيقت فتياتنا كالإماء والجواري.. وفي أحيان كثيرة، نراهن في الأماكن والمناطق المعروفة بسطوة المليشيات والارهاب السياسي الاسلامي والعرف القبلي، وضمن مشهد مأساوي يعود لعهد الرقيق والجواري، يصطفن في صف طويل انتظارا للقادم من كهوف الظلام ممن يرغب بالزواج الرسمي وربما العرفي أو المتعوي ليختار واحدة من تلك الجواري العصرية وبحضور رجل معمم اتخذ مهنة إضافة لمهنته كرجل دين بان يكون (خطبة) أو عرابا لهذه الطقوس ويجمع رأسين بالحلال كما يدعون.. وهكذا فقدت حواء احترامها لذاتها وارتضت أن تتبارى كسلعة في سوق النخاسين مع غيرها من الفتيات.. وتزينت بعضهن بالخجل والدلال أحيانا ولبسن الجبة الإسلامية والحجاب والنقاب لكسب الجائزة بأن تصبح الجارية والمحظية لدى سيدها الجديد القادم من عصور الانتكاسة والظلام.. وان صادف واحتج بعض الواعون والمثقفون على شيوع هذه الظاهرة (في بغداد ومناطق الجنوب عموما) على اعتبار إننا نعيش في القرن الواحد والعشرين لا في عصر الجواري والعبيد .. رد عليك رجال الدين بادلتهم العقلية والنقلية زاعمين " انهم لا يكرهوهن ولا يغصبوهن على فعل شيء، بل يأتين بملء إرادتهن واختيارهن وبمعرفة أولياء أمورهن.. ثم انهم لايفعلون الخطأ بل الصواب.." ... وهنا يبرز السؤال كيف حكموا بأنهن يدركن معنى حرية الاختيار الإرادي إن كن قد ولدن في قفص التقاليد والأعراف ومفاهيم القوامة ... وكيف لهن حق الاختيار وهن مخدرات ومنومات اجتماعيا ودينيا وقبليا.. ومن أين لهن حق الاختيار وهناك سحق متواصل لكيانهن وتحطيم لوجودهن ككائنات بشرية على يد من يعكس آية القوامة ويحيلها الى مطرقة من حديد يهشم بها رأس من تملك الجرأة للمطالبة بالمساواة والتحرر من الأغلال التي كبلتها منذ نعومة أظافرها ونسجت حولها خيوطا مطرزة بالعيب والحرام والعورة... ومع ذلك يريدون إفحامك بأن تلك الجارية سعيدة مع سيدها الجديد.. نعم أنا معك أيها القادم من جحور الجرذان، ربما هي تشعر ببعض السعادة .. لكنها سعادة مقنعة ليست بحقيقية... هل هي سعيدة كونها وافقت على شروط سيدها بترك الدراسة مثلا أو القناعة بارتداء الحجاب أو البقاء في البيت ..؟ ولو صادف واتخذت هي قرارا ينافي شروط سيدها بان تكمل دراستها، فهل ستبقى عندئذ سعيدة معه؟ بالطبع لا. فهي ستواجه الكوارث.. إذن هي سعيدة بشروطه لا باختيارها ...
يقول الأديب الفرنسي البير كامو إن اشد عدو نواجهه في هذه الحياة هو الوعي، فكلما زاد وعينا وإدراكنا للحقيقة كلما اثقلتنا الحياة بهمومها.. على غرار الاعمى الذي عاد له البصر..
واخيرا، علينا أن نعترف وبكل جرأة أن الإسلام لم يحرم الرق أو شراء الاماء ولكنه شجع على عتق الرقاب!! ومن يقرأ مصادر التاريخ الإسلامي على اختلاف أطيافها ومذاهبها يعرف جيدا أن جميع الشخصيات الإسلامية البارزة منذ عصر صدر الإسلام وحتى وقت ليس بالبعيد وبلا استثناء قد مارست شراء وبيع وإهداء الجواري والعبيد .. ومن الجدير بالذكر أن السعودية وموريتانيا لم تلغ نظام الرق بشكل رسمي ألا في ستينيات القرن المنصرم، وان الجمهورية الإسلامية في إيران تمارس الرق وبشكل واسع من خلال زواج المتعة وامتهان المرأة ...
وختاما، علي ان اعترف ان الذنب لا يتحمله الرجل بمفرده بل تتحمل نسائنا الجزء الاكبر.. بخضوعهن للاعراف والتقاليد البالية والافكار التي تحط من كرامتهن وانسانيتهن.. ودفاعهن غير المبرر عن قوانين وشرائع ليس لهن فيها نصيب.. على المرأة العربية بشكل عام والعراقية بشكل خاص ان تصنع لها عالما يرفع من قدرها وقيمتها.. وان لاتجعل من ذاتها مجرد سلعة تباع في سوق النخاسة لان فقيها جلفا من فقهاء عصور الرماد قد حكم عليها ان تبقى سجينة منزلها وحبيسة العرف والتقاليد البالية.. فهل من مجيب؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الضفة الغربية: مقتل 7 فلسطينيين بنيران القوات الإسرائيلية في


.. زيلينسكي يطمئن الأوكرانيين ويعيد التأكيد على الحاجة الماسة ل




.. الأطفال في لبنان يدفعون غاليا ثمن التصعيد في الجنوب بين -حزب


.. ردود فعل غاضبة في إسرائيل على طلب إصدار مذكرات توقيف بحق نتن




.. جيل شباب أكثر تشدداً قد يكون لهم دور في المرحلة المقبلة في إ