الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صفحات ناصعة من تاريخ الحزب الشيوعي الاسرائيلي

عمر سعدي حسين

2008 / 3 / 8
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم


حكاية من بلدي
يُحكى ان امرأة واما وصلها نبأ مصرع ابنها في صدام مع الشرطة والجنود فخارت قواها وانهارت ، ولم تعد تقوى على السير او النهوض . ابت عليها العاطفة ان تظل قعيدة ، فزحفت تارة ، وحبت اخرى للبحث عن فلذة كبدها ، تساءل الركب عن ولدها بعينين اعتصرهما الدمع وبقلب كسير محزن حتى وصلت مكان الصدام .
لم يملك ابو حسين في القرية الا بيتا قديما ، ورثه عن ابيه وجده، طوله عشرة امتار وعرضه خمسة ، وفيه قاع بيت خصص لبغلين كان ينقل عليهما الحجارة . فيه فوهات ، وكوات في الجدران ما يكفي لدخول القليل من الضوء والهواء . سقفه من خشب مغطى بالطين وعلى ارتفاع مترين اقيمت سدة بطول ثلاثة امتار وعرض مترين ، خصصت للزوجين ابو حسين وام حسين ، ولاستضافة الضيوف ولايوائهم عند الحاجة . كان في مهنته بنّاء وحجارا يشق الصخور ويقطعها ثم يجزئ القطع الى اجزاء صالحة للبناء . وكان دائما اذا تحدث يكشف امام الملأ وجلسائه عن امنياته وطموحاته ، واذا اقام الصلاة كان يرتجي الشفاعة من الله ان يحقق له طموحاته وآماله وسلامة الاولاد ، والرزق الحلال وقطعة ارض عسى ان يقيم له عليها بيتا يستقر به ليكون بديلا لذلك الغيهب الذي ورثه عن ابيه وجده. كد ابو حسين وجد واجتهد ، واصل الليل بالنهار بالكدح والعمل اخفى القرش الابيض لليوم الاسود، وكانت ام حسين بجانبه داهية بين قريناتها من النساء وكانت تكرر دائما وتقول الرجل جنا ، والمرأة بنا. اسعفه اجتهاده والحظ ومع الزمن حقق مبتغاه ، امتلك قطعة ارض واقام عليها بيتا على الطراز الحديث ، غمرته الفرحة فدعا الاهل والجيران والاقارب فأولم ، وغنت ام حسين وهاهت لتزيدنهم شهية كهاهات الاعرابي وهو يورد ابله . واطلقت الزغاريد ، فبح صوتها انتعش ابو حسين وانتعشت ام حسين وفرح له الاهل والاقارب والجيران . لم يدر بخلد ابو حسين الذي لم يجف عرقه بعد وصوت ام حسين لم يشف من البحة، ان الريح ستهب على عكس ما تشتهي سفينته. اقدم الحاكم العسكري ولجنة التنظيم ذات يوم باستصدار قرار بهدم امنية ابو حسين التي فرح في تحقيقها لينغّص عيشه ولتتبخر زغاريد ام حسين وليهدم القرار المجحف امانيه ويحولها الى سراب ، وفي غفلة من ليلة قمراء من ليالي حزيران في السادس والعشرين من سنة 1957 دهمت فرقة من الجيش وحرس الحدود ، مدججين بالسلاح والهراوات مزودين بآلات الهدم والدمار بلدوزرات وجرافات قامت بهدم البيت وجعلته ركاما وانقاضا ، فتحولت الافراح بين عشية او ضحاها الى اتراح والولائم الى مآتم والزغاريد الى نواح وصراخ وجؤار ، والهاهات الى ولولات وآهات ندم وحزن وسكبت ام حسين دموعها رقراقة حسرة وألما .
في صبيحة ذلك اليوم المشؤوم فاجأ عضو الكنيست الشيوعي اميل حبيبي بمجيئه مع وفد من الحزب الشيوعي من منطقة الناصرة، علموا بعملية الهدم من وسائل الاعلام الاسرائيلية ومن مصادر موثوقة من السلطات، هرعوا الى القرية يحملون منشورا يشجب الهدم ويدعو لعقد اجتماع احتجاجي تضامني. دخلوا بيت الرفيق ابراهيم شمشوم سكرتير فرع الحزب في القرية، فاتخذوا الخطوات اللازمة للرد على عملية الهدم وكانت الهمة قوية استطاع فرع الحزب ان يجند الى جانبه الاصدقاء . وزع المنشور انتشر الخبر في القرية كانتشار النار بالهشيم. عم الغضب والسخط والاستياء انتفضت الجماهير ،ـ لبت النداء وتقاطروا من كل الاطراف والاتجاهات من كل الحمائل والعائلات الى موقع الهدم الى الطرف الغربي من القرية، جاؤوا بحشودهم برمهم وثمهم الى مكان الجريمة. كانت الحمية كبيرة وكانت الحشود في هيجان . وقف عضو الكنسيت اميل حبيبي خطيبا شجب الجريمة واستنكرها فزاد نار النقمة اشتعالا ولهيب الغضب عنفوانا ثم تلاه عضو الحزب الشيوعي الرفيق سليم ابراهيم كناعنة ، فاقترح اقامة لجنة تعمل لاعادة بناء البيت مؤلفة من شيوخ وافاضل القرية من الشيوعيين وغيرهم ، تحديا لسياسة الهدم، تألفت اللجنة من الشيخ علي خليل موسى كناعنة (القاضي) والشيخ محمد محمود داوود عاصلة ( ابو دغش) والشيخ مصطفى حسين نعامنة ، والرفيق ابراهيم زيدان عاصلة ، والرفيق ابراهيم شمشوم والرفيق سليم ابراهيم كناعنة ، والرفيق محمد شاكر خطيب، كانت الهمة قوية والجاهزية في اوجها وروح التضحية ودفع التبرعات عالية، وفي غضون يومين عادت الجماهير ولبت النداء فاحتشدت لتشارك في اعادة البناء. وفي غضون ساعات اعيد بناء البيت وعند الانتهاء من اعادة البناء دهمت قوة عسكرية مؤلّلة وبعشرات الجنود وحرس الحدود مدججة بالسلاح والهراوات في مهمة للحؤول دون اعادة بناء البيت . اعترضت القوة الغازية حشود الجماهير. تفجر الغضب عندما انهالوا عليهم بالضرب بالهراوات لتفريقهم. فدار عراك بالايدي وبالعصي وقذف الشباب الحجارة فوقع جرحى من الطرفين . تحصن ابراهيم شمشوم على سطح البيت وبيده خشبة وبرباطة جأش متحديا فكل جندي حاول الصعود الى السطح نال نصيبه من الضرب، وعلى الارض امسكوا بعدد من الشباب والقوا على الارض الشاب مصطفى احمد صح وداسوا على بطنه وهددوا بقتله، وعندما اخفقت محاولات الجنود بانزال ابراهيم شمشوم عن السطح استل الضابط مسدسه واشهره نحو ابراهيم فاضطر الى النزول ومن معه . انتشر النبأ بين الناس عن مصرعه وصل النبأ الى والدته فخارت قواها وانهارت ولم تعد تقوى على السير، فزحفت حتى وصلت الى مكان الحادث. تسائل الركب عن ابنها وفلذة كبدها ابراهيم . انقض الجنود عليه انقضاض الوحش المفترس على فريسته اعتقلوه وحشروه في سيارة خصصت للاعتقال . ثم اعتقلوا السيد احمد الحبش من دير حنا ممن كانوا على ظهر السطح جاء "فزعة" يؤدي واجبه الانساني والوطني في اعادة بناء البيت، وغيره كثيرون من دير حنا . ثم قام الحاكم العسكري باعتقال صاحب البيت علي الحلو واخويه مصطفى الحلو ، وخليل الحلو فكبلوا ارجلهم بالسلاسل وايديهم بالاغلال، تحركت السيارة التي تقلهم تنهب الارض نهبا بسرعة جنونية وعند ميعار المهجرة عرّجت بهم الى معسكر للجيش في تلك المنطقة لمعالجة الجنود الجرحى، وهناك نسجوا الخيوط وحاكوا مؤامرة اشتم ابراهيم شمشوم رائحة المؤامرة بقتله . استأنفت السيارة سيرها وبعد ان قطعت مسافة وجيزة وعند المنحدر وفي الطريق الى شفاعمرو توقفت السيارة عن السير ، وهبط منها الضابط وفك قيودهم وطلب من الجميع مغادرة السيارة والرجوع الى القرية الا ابراهيم شمشوم ظل فيها وحيدا مقيدا . عندها ادرك ان حدسه وتوجسه كان مصيبا فأبلغ مرافقيه بالمؤا مرة عندها رفضوا العودة ورفضوا مغادرة السيارة واشترطوا وجود ابراهيم بينهم. بهذه الصحوة وهذه اليقظة افشلوا المؤامرة عادت السيارة واستأنفت سيرها حتى وصلت مركز شرطة شفاعمرو وهناك اشبعوهم ضربا واسبغوهم شتما، وفي المساء اطلق صراح جميع المعتقلين بضغط من وجهاء القرية الا ابراهيم شمشوم . وفي نفس المساء عادت يد الظلم وتطاولت على الشيوخ فجيء بكل اعضاء اللجنة من الشيوخ والشيوعيين الى مركز شرطة شفاعمرو، حيث استصدر الحاكم العسكري امرا بتوقيفهم اداريا شهرا كاملا . تضافرت جهود الكتلة الشيوعية في الكنسيت وجهود المحامين الدمقراطيين وعلى رأسهم محامي الارض الشيوعي حنا نقارة باطلاق سراح المعتقلين، وفي اليوم الرابع والعشرين من اعتقالهم وبعد تقديم التماس للمحكمة المركزية بالغاء قرار التوقيف الاداري التعسفي ، عقدت المحكمة المركزية جلسة لها في تل ابيب بحضور ثلاثة قضاة مركزيين. شارك في الدفاع عن المعتقلين عدد من المحامين الديمقراطيين اليهود الغت المحكمة المركزية التوقيف الاداري واكتفت بالسجن شهرا من يوم الاعتقال . لم يجرؤ الحاكم العسكري على هدم البيت وكان البيت الاول والاخير الذي هدم في القرية. انتصرت ارادة الشعب وشيدت ليس بيتا بل صرحا من التجربة، كانت وستظل مفخرة من مفاخر الحزب الشيوعي ومأثرة من مآثر وحدة الصف ونضال الجماهير .

(عرابة )










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اعتصامات الجامعات الأميركية وانعكاسها على الحملات الانتخابية


.. ترامب يكثف جهوده لتجاوز تحديات الانتخابات الرئاسية | #أميركا




.. دمار غزة بكاميرا موظفة في الا?ونروا


.. رئيس مجلس النواب الأمريكي يهدد بإسقاط التا?شيرة الا?مريكية ع




.. 9 شهداء بينهم 4 أطفال في قصف إسرائيلي على منزل في حي التنور