الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لفرنسا وجهة نظر!!!(عودة هادئة لقانون حظرالرموز الدينية بعد إنحسار الهوس)

أحمد عثمان

2008 / 3 / 8
مواضيع وابحاث سياسية


يذكر الجميع كيف أطلقت جماعات الهوس الديني حملــة ضد دولـة فرنسا حينما سنت قانونا لحظر الرموز الدينيـة في المدارس الحكوميــة، معتبرة أن ذلك القانون المقصود منه إستهداف الحجاب الإسلامي. وفي سبيل تمرير هذه الفرية، تم إخفاء حقائق هامـة عن طبيعــة القانون الذي حظر جميع الرموز الدينيـة بما فيها اليهوديـة والمسيحيـة، وقصر هذا الحظر على المدارس الحكوميــة فقط بإعتبارها مدارس لدولة علمانية أسست من أجل تقديم المعارف الدنيوية الزمنية لا الدينية المنوط تقديمها بالمؤسسات الدينيــة كالكنيســة. وفي تقديرنا أنه آن الأوان للنظر لهذا القانون بموضوعية في سياقــه الإجتماعي، بعيدا عن سطوة المؤسسات السلفيـــة وجماعــات الهوس الديني المسيطرة على أجهـزة الإعـــلام بالعالمين العربي والإسلامي. وفي هذا السياق نقول أن لفرنسا أسبابها ومنطقها في إصدار ذلك القانون، والتي من الممكن تلخيصها فيما يلي إذا صحت قراءتنا لها:-
1. السماح بوجود رموز دينية بمدارس الدولــة يعني عودة للخلط بين الدين والدولة بإعادة الاساس الفلسفي لهذا الخلط وهو دمج المدرســـة بالكنيســـة. وبما ان اساس علمانيـة الدولـة قائم سياسيا على فصل الدين عن السياسة وفلسفيا على فصل المعرفـة عن الإيمان المكرس بفصل مؤسســة المعرفـة (المدرسـة) عن مؤسسـة الإيمان (الكنيســة)، يصبح من الطبيعي رفض أي شكل أو رمز خاص بالمؤسســات الدينيـة والأديان بالمدارس خصوصا بتلك المملوكة للدولة. يلاحظ أن كل الحقوق والحريات يحميها هذا الفصل بين الدين والدولــة والذي بدونه يصح للديانــة المسيحيــة بوصفها دين الأغلبية أن تميز بين المسيحيين وغيرهم تمييز يستند على أساس ديني يقسم المواطنين إلى كفار ومؤمنين ويميز المؤمنين وهذا ديدن كل الأديان.
2. حظر الرموز الدينيــة في مدارس الدولة لايكرس التمييز بل على العكس يكرس سيادة المساواة بإعتبار أن الطلاب بغض النظر عن أديانهم متساوون أمام المعرفــة التي لاتفرق بين شخص وآخر على أسس دينيـــة. وهذه المساواة بين الطلاب على أســـاس علمي أو معرفي أو علماني – سمها ماشئت- هي جوهر الدولــة الليبراليــة التي بنتها فرنسا بعد صراع طويل مع دين العصور الوسطى والمظلمة الظلامي.
3. لايصح الإدعاء بأن الحجاب حريــة شخصيـة تم إنتهاكها، لأن الحريـة الشخصيـــة وفقا للدستور الفرنسي ودساتير الدول الديمقراطية الغربية، تستند إلى إرادة الفرد الحرة مع مراعاة ألا تتعارض مع حقوق وحريات الآخرين المتمثلة في بنود ونصوص دستوريــة تحميها. وبالقطع الحجاب ليس إرادة فرديــة بل هو تكليف ديني – حسب أنصاره- تجبر المرأة على الإلتزام به قســرا وبشـكل جماعي لافردي تحت التهـديد بالويل والثبور وعظـائم الأمور وبدخول جهنم مع الخلود فيها. أي أن المرأة المسلمــة لاتختار الحجاب بشكل شخصي أو فر دي حتى يصبح حريـة فردية، بل هي تلزم به إلزاما وليس هنالك حريــة مع الإلزام. وكذلك لايعتبر الحجــاب شخصــيا لأنه إلتزام طقسي جمــاعي يأخذ طابعـــا تشريعيـــا، وأهم سمات التشريع العمــوم ومفارقــة التشخص. فوق ذلك أن السماح بالحجاب في مدارس الدولـة، يعني تهديم المبدأ الأساس الذي يحافظ على الحقوق والحريات الأساسيـة، وهو فصل الدين عن الدولة، وبالتالي يهدم المعبد على الجميع ويتعارض مع حقوقهم وحرياتهم، والمعلوم هو أن حرية الفرد تقف حينما تبدأ حريات الآخرين.
4. منع الحجاب يتوافق مع مبدأ المساواة أمام القانون الذي يحظر التفريق بين المواطنين على أساس الجنس أو النوع، لأن الحجــاب موضوع كتشريع للمرأة بوصفهــا إمرأة ولايوجد تشــريع مطــابق له يخص الرجـل في الدين الإسـلامي. وبالتالي يرى الفرنسيون أن في هذا التشريع تمييز سلبي ضد المرأة يضع قيودا عليهـا في إختيـار ملابسها ويستهدفها بإعتبار أن جسدها عورة، ممايعني أنه يحط من قدرها.
5. لبس الحجاب أصبح طقسا لجماعات متشددة تتبع النصوص وتعتبرها صالحة لكل زمان ومكان طالما كانت قطعية الورود والدلالـة بغض النظر عن أسبابها أو إطارهـا التاريخي. وهذا بالطبع ليس رأي جمهور المسلمين –على الأقل من حيث الممارســـة- فإستطلاعات الرأي بفرنسـا تثبت أن أغلبيــة المسلمـات مع منع الحجاب بالمدارس الحكوميــة، وسلوك المسلمات بمصر وسوريا ولبنان والعراق وتونس والمغرب ومعظم البلدان المسلمــة، يؤكد أن الأغلبية لاترى أن الحجاب واجبا دينيا مستمرا في التاريخ بلانهايــة. أي أن السماح بالحجاب كرمز للجماعات السلفية المتشددة عالية الصوت، التي تفرضــه فرضا عبر الإرهاب النفسي والجسدي أحيانا، يعني السمـاح لسلطــة النص بالتحكم في حياة الفرد المسلم الفرنسي، ممايسمح بتمديد هذا التحكم إلى المستوى السياسي. فمن يسلم بمقولـة صلاحيـة كل –نكرر كل- النصوص لكل زمـان ومـكان، يجب أن ينـادي بإقامــة دولــة إسلاميــة تقيم الحدود وتنشر الإسلام السلفي بفرنسا!!!. وهذا بالطبع لايمنع ادماج المهاجرين المسلمين في المجتمع الفرنسي فقط، بل يهدد أسس دولـــة فرنسا نفسها ويعدها بالعودة إلى صراعات ماقبل عصر النهضة التي تجاوزتها عبر أنهار من الدماء وكثير تضحيات.
6. إلتزام القانون الفرنسي موضوع المقال بحظر الحجاب ضمن الرموز الدينية الأخرى في مدارس الدولة فقط، يعني أن القــانون لم يمنع المسلمـات من ممارســـة هذا الطقس الذي تراه بعضهن واجبا دينيــا، خارج مدارس الدولــة. فهن بالخيــار في لبس الحجاب في الشــوارع العامــة وفي منــاطق عبــادتهن ومنــاطق سكنهن وفي كل مـكان بمافي ذلك المدارس الخاصة، فيما عدا المدارس التي تمتلكهــا الدولــة. ولا نظن بأن المتشددين الدينيين من مسلمي فرنسا الذين يستطيعون الإستعانــة بالحركــة الأصوليـة العالميــة، في عجز يمنعهم من إنشاء مدارس دينية تصبح "غيتو" إسلامي يعزل المسلمــات عن مجتمعهن الفرنسي حتى يتمتعن فيها بلبس الحجـــاب. والواضـح هـو أن هـؤلاء يصرخون ليس لعجز، ولكن لإحســاسهم بأن هذا الإجــراء يمنع تعميم الحجــاب حتى على غير الراغبــات في إرتدائه من المسلمـات وفرضه كمظهر طقسي رئيسي على الجميع ليس إلا.
7. الإلتزام بالحجــاب إجراء تمييزي بين المسلمــات أنفسهن، حيث أن الملتزمــات به يقمن بإدانــة غــيرهن مـن غير الملتزمــات به وتتطرف بعضهن لتخرج الأخريــات من حظيرة الإيمـان. والموافقــة على إستخدام الحجاب بالمدارس الحكوميـة، يعني موافقـة ضمنيــة من الحكومة على هذا التمييز الذي يهدد حرية المرأة في إختيار ملابسها. ومن المهم التوضيح بأن المقارنة بين إختيار المرأة للحجاب المزعوم وإختيار أخرى للبس القصير والسفور خاطئة، وهي في لغة الشــرع قيــاس مع الفارق. وذلك لأن الحجــاب ليس إختيارا بل واجبا حسب تصـور من تلبسـه، وهو واجب جماعي وليس فردي، في حين أن إختيار القصير أو السفور إختيارا فرديا حرا لايتدخل فيه أي مشرع بأي صفة.
8. السمــاح بالحجـاب في المدارس الحكوميـــة، يعني قبول الدولة الفرنسية بتشريعات غير فرنسية تطبق على أراض فرنسيــة ،تنتهك سيادة الدولـة بدعاوى دينيــة وترمي إلى تهديم أسس دستورها. فإلزام المسلمة بالحجاب وفقا لتشريع ديني، يعني إلزام مواطنـة فرنسيـة بتشريع يحد من حريتها في إختيار ملابسها، لم يصدر عن الجهـة الوحيدة المخولـة بالتشريع في فرنسا وهي البرلمان الفرنسي.

ماتقدم يؤكد أن لفرنسا كل الحق في سن قانون يحظر الرموز الدينيــة بما فيها الحجاب بالمدارس الحكوميــة، حيث أن هذا الحظر لاينتهك مبدأ الحريــة الشخصيــة في إختيار الملابس بل يعززه، وهو يؤكد على علمانيـة الدولــة ومساواة مواطنيهــا أمام القانون، في تناغم تــام مع دستورها الديمقراطي الليبرالي، على عكس مايحــاول دعــاة الهـوس الديني تصويره، وعلى عكس إعتقاد بعض دعاة الحريات بحسن نية أن تصرفها يتعارض مع مبدأ الحرية الفردية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كيف تأخذ استراحة بشكل صحيح؟ | صحتك بين يديك


.. صياد بيدين عاريتين يواجه تمساحا طليقا.. شاهد لمن كانت الغلبة




.. أمام منزلها وداخل سيارتها.. مسلح يقتل بلوغر عراقية ويسرق هات


.. وقفة أمام جامعة لويولا بمدينة شيكاغو الأمريكية دعما لغزة ورف




.. طلاب جامعة تافتس في ولاية ماساتشوستس الأمريكية ينظمون مسيرة