الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تضامناً مع وفاء سلطان:ماذا عن الرأي الآخر؟

عاصم بدرالدين

2008 / 3 / 10
مواضيع وابحاث سياسية


تفتخر قناة الجزيرة القطرية دوماً، بأنها قناة "الرأي" و"الرأي الأخر"، ولطالما تشدقت بإحترافية هذا التعبير، وأبعاده الديمقراطية. لكن الجزيرة وضمن برنامج الإتجاه المعاكس الذي يقدمه الأستاذ فيصل قاسم، كانت على عكس شعارها، فهي تبنت "الرأي" الموالي لأفكار مموليها. ونبذت ومنعت "الرأي الأخر" الذي تمثل بأفكار وأقوال الكاتبة السورية والباحثة وفاء سلطان. وطبعاً لا يخفى على أحد الإنتماء السلفي لقناة الجزيرة.
ربما لست مع ما قالته الدكتورة وفاء سلطان بالكامل، ولكنني قطعاً مع أن تقول ما تشاء، ضمن مفهوم إحترام "الرأي الأخر". ورفض قناة الجزيرة إعادة بث الحلقة في اليوم التالي والإعتذار المضحك من المشاهدين، هو دليل واضح على كذب الشعارات، وهي سمة عربية جامعة موحدة في بحر الخلافات الكثيرة.
والصدمة التي ألحقتها الدكتورة سلطان بالشارع الإسلامي كانت كبيرة ولكنها مفيدة، لأنها خرقت جدار الصمت والخوف وأسقطت بعضاً من الأقنعة الكثيرة التي يستتر خلفها الكثير من الإسلاميين.
قضية منع إعادة بث الحلقة، تطرح من جديد قضايا كبرى تتعلق بالإعلام العربي، الذي لم يستطع حتى الآن الخروج من شرنقة العادات والمسلمات. فلا يزال هذا الإعلام بوسائله المختلفة (مرئية، مسموعة، مكتوبة) يخضع لشروط عدة تفرضها عليه: السلطة السياسية من جهة، والسلطة الدينية من جهة ثانية المتحالفتين في أغلب الأحيان (كما في مصر أو السعودية).
القمع السياسي، يقوم على الديكتاتوريات المنتشرة في كل بقاع المعمورة العربية. أما القمع الديني فهو يقوم على شحن النفوس وإستولاد الغرائز "الحيوانية" في النفوس البشرية. وللأسف يرضخ الإعلام العربي لهذه الشروط المقيدة لحريته والمحطمة لدوره الأساسي، رغم الإدعاء المفضوح بإحترام "الرأي والرأي الآخر".
المسألة ليست في قناة الجزيرة تحديداً، بل هي تمتد لتطال كل وسائل الإعلام العربية.
والإشكالية المطروحة، دوماً على هذه الأجهزة الإعلامية: من الذي يقرر بث البرامج ونوعيتها وضيوفها، المنطق الإعلامي الحر ومبدأ التعددية؟ أم ممولي ومالكي هذه المؤسسات ومواقفهم؟
الخيار الأول مشكوك به بشكل قاطع.. والدليل الأبرز ما جرى مع الدكتور وفاء سلطان من على منبر الجزيرة القطرية ذات التمويل الإسلامي.
أما الثاني فهو الأصح والأسلم، والأقرب إلى الذهنية العربية، التي إستفاقت فجأة على النفط.. فإقتنعت (أو أقنعت نفسها) أن من يملك، هو نفسه من يحكم!
تحول الإنتماء الديني، من إنتماء شخصي يختار الفرد طريقة ممارسته، إلى إنتماء جماعي، يشكل عقبة حقيقة أمام إنتقال الدول العربية من مرحلة الدول المتخلفة (حتى لو ملكت إقتصاديات قوية وفاعلة) إلى الدول المتطورة.. أو تلك التي هي في طور النمو.
الحاجة لأمثال الباحثة وفاء سلطان ضروري جداً في أي مجتمع ساعي للتطور، فهذه الأصوات -وليس من باب المجاملة- تدفع الشعوب إلى التقدم المستمر، والبحث عن الذات.. فطالما أن المجتمع يقوم على الإنتماءات الجماعية، نافياً أهمية الفرد في الإختيار، سنبقى كما كنا منذ ألفيّ سنة: مجرد قبائل وعشائر متناحرة.
فالفردية هي أحد سمات التطور، وأحد أبرز مظاهر الدولة العلمانية، التي هي حاجة ماسة اليوم، لنخرج من حالة العقم التي نعيش فيها. فتصبح مجرد رسوم كاريكاتورية الشاغل الأعم الأهم لشعوبنا الفقيرة المعتلة والمقموعة.. رغم أننا نرفض الإعتداء على المعتقدات أو المساس بها (وهناك فرق بين الإعتداء والنقد البناء)، ولكننا نعلم تماماً بالمقابل أن هنالك إنسان عربي لا يزال في القرن الواحد والعشرين تحت خط الإنسانية ويستحق الإهتمام والتضامن معه والتظاهر لأجله.
ففلسطين ما تزال محتلة والعدو الإسرائيلي لم يكف حتى اللحظة عن الفتك بناسها. وفي سوريا هناك المئات من معتقلي الرأي وفي مصر الأمر نفسه، وفي السعودية لا تزال المرأة أقل مستوى من الناقة والجمال.. وفي السودان يموت الموت من الجوع فما هي حال الناس من أطفال وشيوخ ونساء ورجال؟ وفي لبنان تتناحر الطوائف وتأكل كل شيء، تأكل الأرواح والنفوس، الأجساد والعقول، وتثقب الأفكار، وتدمر الذهنيات العاقلة، وتبني على أنقاضها حالات شاذة طائفية عشائرية مذهبية وعصبية، تصير مع الوقت حالات طبيعية مسيطرة... أو صارت!!
دور الإعلام الحر في بناء مجتمع متحضر ومعاصر، قيل عنه الكثير. فهو الوعاء الأول لتبادل الأراء والحوار (من الشروط الأساسية لبناء دولة متعددة الأفكار والعقائد). فإذا كانت كل إذاعتنا ومحطاتنا التلفزيونية تدّعي إحترام "الرأي الأخر" وتحذو حذو قناة الجزيرة "العريقة" فنحن أمام طامة كبيرة وخطيرة.
حينها لن نلوم المواطن العربي العادي -الذي يعمل كل أيام حياته من أجل تأمين قوته وحاجات عائلته اللازمة والأولية- إذا ما قتل "أخراً"، إختلف معه "صدفةً" في الرأي.

للأسف، ربما تحول الكذب إلى شرط للإنتماء العربي، والإدعاء إلى ضرورة وجودية عربية. فنحن نعيش أبشع مستويات الإنحطاط في كل أرض من أراضي الأمة العربية.
وصوت وفاء سلطان، خرج من ثقب صغير جداً في الجدار العربي المتخلف.. فساهم في تداعيه أو تشققه على الأقل.
على أمل أن يسقط ما تبقى من هذه الجدران، لنبني لاحقاً وطناً -أوطاناً- عربياً حديثاً متقدماً ديمقراطياً علمانياً.. يقوم على ثقافة "الرأي والرأي الأخر" بالقول والفعل.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شاهد ما حدث لناطحات سحاب عندما ضربت عاصفة قوية ولاية تكساس


.. المسيرات الإسرائيلية تقصف فلسطينيين يحاولون العودة إلى منازل




.. ساري عرابي: الجيش الإسرائيلي فشل في تفكيك قدرات حماس


.. مصادر لـ-هيئة البث الإسرائيلية-: مفاوضات إطلاق سراح المحتجزي




.. حماس ترد على الرئيس عباس: جلب الدمار للفلسطينيين على مدى 30