الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ضرورة الإضراب الوطني بين الحق والمزايدة السياسية

و. السرغيني

2008 / 3 / 11
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي


تخلفت الكنفدرالية الديمقراطية للشغل كمركزية نقابية عن الحركة الإضرابية الأخيرة والتي كادت أن تتحول إلى إضراب وطني بمقدرته استرجاع من كرامة الغالبية الساحقة من المواطنين، وبشكل خاص العمال والعاملات وصغار الموظفين والحرفيين وبسطاء التجار والمياومين والعاطلين والمعطلين وبؤساء الفلاحين..الخ
وقد دخلت الإضراب المركزيات الثلاثة إ م ش ـ ف د ش ـ إ و ش وبغض النظر عن جميع الحسابات السياسية التي أطرت وأثرت في قرار ومسار الإضراب الوطني، حسابات طبيعية بل وأن غير الطبيعي هو ألا تتضمن هذه الإضرابات أي حمولات سياسية، ليبقى المطلوب وفقط هو الوضوح السياسي لتتضح حقيقة المواقع والمصالح التي تخدمها هذه السياسة أو تلك في مستوياتها القريبة المتوسطة والبعيدة.
فإذا كانت مطالب المركزيات النقابية التي وقفت وراء الدعوة إلى هذا الإضراب تتمثل في:
- المطالبة بالرفع من الأجور.
- تمتيع الفئات الدنيا من موظفي ومستخدمي الوظيفة العمومية من الحد الأدنى للأجور.
- تجميد العمل بمرسومي الترقية والتنقيط الحاليين.
- فتح حوار حول سبل الترقية.
- تفعيل السلم المتحرك للأجور.
- تسوية الملفات العالقة للمتصرفين والتقنيين والمهندسين والمجازين.
وهي مطالب عادية لا يمكن لأي يساري ديمقراطي إلا أن ينخرط في النضال من أجلها، فما سبب تخلف الكنفدراليين؟ وما حقيقة دوافعهم؟ وهل ما قدٌم من تبريرات كاف لإعفائهم من النقد والانتقاد؟
لم يكن هناك من سبيل للاطلاع على ما يكفي من المعطيات حول اللبس الذي تركه موقف الكنفدرالية الممتنع عن المشاركة في الإضراب وسنكتفي هنا بتصريحات زعيم الكنفدرالية الأبدي نوبير الأموي الذي بِشٌر خلال سنة 79 بالبديل النقابي الديمقراطي ضدا على وحدة النضال النقابي المدافعين عنه آنذاك. فلأول مرة نسمع عن زعيم نقابي في مثل هذه الظروف الذي تعترف فيه الأوساط النقابية بالتراجعات الخطيرة التي عرفتها مكتسبات الطبقة العاملة وصغار الموظفين والمستخدمين، ظروف أقل ما يقال عنها أنها مزرية وناشرة للبؤس وجميع أنواع الحرمانات في الأوساط الشعبية الكادحة حيث التهديد بالحرمان من الحق في التعليم والتطبيب والسكن والماء والكهرباء بصفة نهائية، ظروف تتميز بالهجوم الخطير على القدرة الشرائية عبر الزيادات المهولة في أسعار المواد الغذائية الأساسية وعبر خوصصة الغالبية من قطاعات الخدمات وما ترتب عنها من تسريحات وبطالة..الخ فهل يعقل أن تتخلف الكنفدرالية والكنفدراليين عن الإضراب بدعوى "أننا لا نريد أن نبتز الحكومة.."!!؟
فالكنفدرالية وحسب تصريحات الزعيم الذي "لا يخطئ" والذي لا يناقش له قرار بـ"أنهم راعوا الوضع الوطني الداخلي وأن تقديرهم للمرحلة الحالية بالنظر إلى المعيقات التي تعرفها لا يحتمل أن تتم الدعوة إلى إضراب خاص أو عام" مضيفا بـ"أن هناك أشكال نضالية أكثر حضارية يمكن عبرها التعبير عن الاحتجاج الذي لا يجب بالضرورة أن يكون عبر الدعوة إلى إضرابات"
فالكنفدرالية أو "الأموي ومن معه" فضٌلوا الحوار مع الحكومة عوض الإضراب والحوار في نظرهم أو حسب "تأويلنا" أكثر حضارية من الإضراب والبلاد التي يجب أن يخاف عنها الكادحون والمحرومون والمهددون بالتسريحات والطرد والعاطلون والمعطٌلون وسائر البؤساء والمهمشين بالمدن والأرياف تفرض وتفترض التخلي عن هذه الوسيلة التي ستفتح الباب لا محالة للاحتجاجات والانتفاضات ضد الغلاء وضد الحرمانات وضد التهميش وضد البطالة وضد الخوصصة وضد التراجع عن المكتسبات الديمقراطية التي تمس بشكل يومي وخطير حرية التظاهر والتنظيم والاحتجاج والتعبير والإضراب والفكر والعقيدة..الخ هراء واستبلاد لا أقل ولا أكثر.
لا نريد من خلال مقالنا البسيط هذا أن نقدم الفتاوي فيما يخص النقابة أو ما على النقابة أن تفعله، و لا نريد أن نعطي دروسا لمن يهمهم الأمر خصوصا العناصر اليسارية التقدمية التي لها مواقع القرار والمسؤولية داخل أجهزة الكنفدرالية بأن الظرف هو ظرف إضرابات خاصة وعامة، ظرف الاحتجاجات والانتفاضات للضغط على الدولة وحكومتها وأرباب المعامل والمصانع من أجل استرجاع المكتسبات ومن أجل تثبيت حقوق بدونها لن يكون أي معنى لوجود النقابة أصلا.
فخلال السنتين الأخيرتين عرفت الساحة النضالية احتجاجات قوية ضد موجة الغلاء المتكررة والمتواترة وقد لوحظ وبجلاء تخلف النقابات والمركزيات النقابية عن تفعيل هذه الدينامية بعدم تسجيل أي انخراط جدي في تنسيقيات مناهضة الغلاء، سواء في ما يخص تحمل مسؤولية التنظيم والتأطير لنضالات المواطنين المتضررين من الغلاء ومضاعفاته أو في ما يخص تدعيم النضالات بإضرابات قطاعية، محلية أو وطنية.
فباستثناء تجربة مدينة بوعرفة التي أسست لنفسها تجربة متميزة ونوعية لعبت فيها الكنفدرالية الديمقراطية للشغل دورا أساسيا ورئيسيا استطاعت من خلاله الحفاظ على دينامية الحركة التي عرفت أشكالا نضالية متقدمة ـ غير حضارية حسب تأويل وتقدير الأموي ـ انطلقت بالاحتجاجات والاعتصامات والامتناع عن أداء الفواتير والقيام بحملة جماهيرية تضامنية للدفاع عن العدادات الخاصة بالماء والكهرباء إلى خوض إضرابات محلية..
فالسؤال المطروح الآن، هو ما هو موقع ودور النقابة الديمقراطية والتقدمية في نضالات شعبية وجماهيرية من هذا الحجم؟ نضالات لها مصداقيتها التي تؤهلها للانفتاح على آفاق أكثر رحابة، لها القدرة لإعادة كرامة المواطنين المغاربة وتحفيزهم على التطلع لتحقيق مجتمع أكثر عدالة وأوفر ديمقراطية.
ثم هل تستحق المركزيات الحالية ـ ا م ش و ك د ش لا غير ـ كل الرهانات الموضوعة عليها؟ من حيث المبدأ لا يمكن ليساري عاقل إلا أن يعترف بالدور النضالي القوي والحاسم أحيانا في نضالات من هذا النوع، نضالات تدافع عن القدرة الشرائية وتبتغي حماية بسطاء الكادحين من عمال وعاطلين ومعطلين وموظفين صغار وحرفيين وفلاحين صغار أو معدمين بدون أرض..الخ لكن ألا يمكن اعتبار أن الوقت قد حان بالنسبة لليساريين التقدميين للتفكير في التأسيس لعمل نقابي وحدوي يتخلص من هيمنة البيروقراطية في شكل لجن للعمل النقابي الوحدوي تتوج بتأسيس نقابة عمالية حقيقية نقابة لكل الديمقراطيين اليساريين لها من المبادئ ما يؤهلها لقيادة جميع النضالات النقابية التي تنخرط فيها الفئات الدنيا من المستخدمين والموظفين في جميع القطاعات، نقابة تقدمية، ديمقراطية، جماهيرية ومستقلة.
فالدرس الذي قدمته تجربة التنسيقيات المحلية لمناهضة الغلاء، درس بليغ وجب الوقوف بجدية على خلاصاته، فلا يمكن الخروج من أزمة الابتعاد عن الجماهير الكادحة في نضالاتها ومواقعها، دون الوقوف عن المعيقات والمثبطات التي تساهم بها ثقافة الرهان على تحالفات وأحزاب وقيادات لم تعد مؤهلة للنضال اليساري التقدمي الحقيقي.
صحيح أن الفكرة هنا ما زالت جنينية في طرحها للعموم، لكن لا يمكن الإدعاء بأن الفكرة اكتشاف جديد بل لقد تم طرحها منذ سنوات ومن زوايا مختلفة حيث كانت الغالبية الساحقة ـ و كاتب المقال ضمنها بالطبع ـ ترفض المزيد من الانشقاقات والتدرير حفاظا على وحدة الطبقة العاملة ونضالها النقابي، لكن الظروف والمعطيات تغيرت بشكل جذري حيث تغير المنظور اليساري للطبقة العاملة ولرسالتها التاريخية، تغيرت كذلك مفاهيم النضال النقابي واستبدل بالنضال الاقتصادي، أطلق العنان لتجربة التأسيس للنقابات الحزبية، تقلص دور التيارات العمالية الماركسية في قيادة النضال النقابي..الخ
لكن رغم هذا كله ورغم التزاماتنا بمنطلقاتنا الفكرية والنظرية الماركسية التي تحدد للنقابة أدوارها الواضحة بارتباط مع وجود وتواجد حزب الطبقة العاملة المستقل نظريا وسياسيا وتنظيميا نرى أن الخطوة التنظيمية الوحدوية ذات موضوع خلال هذه الظرفية وقد استفدنا كما ذكرت من تجارب نضالية محلية ملموسة أجبرتنا على التفكير بجدية في هذا المنحى.
لم يعد هناك ما يفرض على مناضلي الحركة العمالية الارتهان بقرارات المركزيتين اللتين أثبتا بيروقراطيتهما المقيتة في أكثر من مرة ومن مناسبة، فالتخلص من هاته العبادة وذلك التقديس الأعمى لقيادات بيروقراطية لم تعد لها القدرة على قتل ذبابة يفرض علينا البحث بجدية والتفكير في آليات وحدوية تفتح الباب لتجاوز هذا الوضع النقابي المحجوز والذي لا يمكن تفسيره إلا بالتواطئ الدنيء مع اختيارات الدولة والباطرونا البرجوازيتين.
وللحديث بقية سنتداركها في مقالات مقبلة نتوخى منها أن تكون الآراء قد استكملت صياغتها النهائية وحتى يكون الانسجام أكثر مع تطلعاتنا كتيارات عمالية اشتراكية لهدم مجتمع الاستبداد والدخول في التشييد والبناء لمجتمعنا الاشتراكي البديل.









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. جامعة كولومبيا الأميركية تهدّد ب«طرد» الطلاب الذين يحتلّون أ


.. دونالد ترامب يحمل نتنياهو مسؤولية هجمات 7 أكتوبر 2023| #مراس




.. ما تداعيات ومآلات تدخل شرطة نيويورك لفض اعتصام الطلاب داخل ج


.. مظاهرة لأهالي المحتجزين أمام مقر وزارة الدفاع بتل أبيب للمطا




.. الرئيس الأمريكي جو بايدن: سنعمل مع مصر وقطر لضمان التنفيذ ال