الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قيادة نقابية أم موظف في جمعية دفن الموتى؟

رمضان متولي

2008 / 3 / 10
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


لابد أولا أن نعترف أن نقابة الصحفيين المصريين ليست نقابة بالمعنى المتعارف عليه للنقابات كمنظمات أهلية ينتظم فيها طوعا العاملون بمهنة معينة للدفاع عن مصالحهم وتنظيم أشكال التضامن بينهم لحماية حقوقهم في مواجهة الإدارة، لأن الواقع يؤكد أن الانضمام لنقابة الصحفيين إلزامي لمن يعمل بمهنة الصحافة وإلا تعرض للحبس بتهمة انتحال صفة، كما يؤكد أن رؤساء تحرير الصحف أعضاء في نقابة الصحفيين وغالبا ما يكون منصب النقيب حكرا عليهم.

هذه السمات ترمي بها أكثر في اتجاه أن تكون جهة إدارية، مهمتها إصدار تراخيص مزاولة المهنة وتحديد من الذي يحق له الادعاء بأنه يمتهن الصحافة ومن لا يحق له هذا. غير أنها ليست كذلك تماما، لأن عددا كبيرا من أعضائها لا يعملون بمهنة الصحافة كما أن عددا كبيرا ممن يعملون فعلا بمهنة الصحافة لا يحملون بطاقات العضوية فيها، وهذا باعتراف أعضاء النقابة ومجلس إدارتها. كما تقدم النقابة لأعضائها جملة من المزايا والخدمات التي لا تقدم عادة من قبل الجهات الإدارية.

ربما يدفعنا ذلك إلى الاعتقاد بأن النقابة ليست إلا مؤسسة خدمية توفر شبكة ضمان اجتماعي – في صورة معاشات وبدلات وبرامج علاجية وغير ذلك. لكن هذا الاعتقاد يصطدم مع واقع أنها تدعي كونها التنظيم النقابي الوحيد الذي يمثل الصحفيين، وتحارب تشكيل أي تنظيم نقابي بديل، ويشكل الصحفيون فعلا أغلب عضويتها وينتخبون مجلس إدارتها بصورة دورية، كما أنها تتدخل في قضايا الصحافة والصحفيين بما يتجاوز الحدود الخاصة بالمفهوم الخدمي وإن لم يكن بفاعلية تستحق الذكر.

وحقيقة الأمر أن نقابة الصحفيين المصريين ليست هذه ولا تلك ولا الثالثة، وإنما هجين من الأشكال الثلاثة، الأمر الذي يعد واحدا من أسباب فشلها في جميع تلك المجالات بدرجات متفاوتة. فقد فشلت النقابة في عملها كجهة إدارية لأنها لم تستطع، وربما لا تستطيع، منع غير المقيدين بها من مزاولة المهنة، ولم تستطع أن تضمن نقاء جداولها ممن لا يعملون بمهنة الصحافة ويحملون بطاقات العضوية.

وفشلت أيضا كنقابة لأنها لم تستطع تنظيم إضراب واحد عن العمل ولو في مؤسسة واحدة ضد قوانين الحبس في قضايا النشر ولا ضد إغلاق الصحف إداريا وتشريد الصحفيين ولا من أجل زيادة رواتبهم ولا ضد تعسف أي إدارة في مواجهة الصحفيين. علاوة على أنها لا تستطيع أن تدعي أنها تمثل أجراء المهنة في مواجهة أصحاب العمل، لأن ممثلي أصحاب العمل – أي رؤساء التحرير – أعضاء فيها وغالبا ما يكونون في مراكز اتخاذ القرار فيها. أضف إلى ذلك أن أي نقابة تسعى إلى تعظيم عضويتها حتى تزداد قوتها ومواردها، ليس فقط الموارد المالية وإنما أيضا الموارد البشرية من ناشطين نقابيين وقيادات عضوية فاعلة، وهذا هو الركن الأساسي وحجر الزاوية في قوة أي نقابة وفي فاعلية واستمرارية النشاط النقابي الحقيقي. بل إن تعظيم الموارد البشرية ينبغي أن يكون الأساس في تنمية الموارد المالية وزيادة قدرة النقابة على تنظيم الأشكال التضامنية بين أعضائها وتوفير الخدمات الأساسية لهم عند الحاجة. ولكننا نجد في نقابة الصحفيين المصريين ظاهرة غريبة على العمل النقابي، حيث ترفض انضمام الصحفيين وترفض تعظيم مواردها البشرية جزئيا بسبب تعارض ذلك مع كفاية مواردها المالية لتغطية الخدمات وشبكة الضمان الاجتماعي. ولعل ما قاله الأستاذ سعد هجرس خلال الندوة التي عقدت بالنقابة يوم الاثنين الماضي بأن كل صحفي جديد يكلف النقابة ألف جنيه بمجرد انضمامه إليها يكفي دليلا على هذا التعارض وذلك الخوف من انضمام أعضاء جدد.

ومع ذلك فقد فشلت النقابة أيضا في دور المؤسسة الخدمية وشبكة الضمان الاجتماعي، لأن الموارد المالية التي تمكنها من لعب هذا الدور، على الأقل فيما يتعلق "بالبدل" عبارة عن منح مشروطة بانتخاب شخص معين لمنصب النقيب بما يعد تشويها للعملية الانتخابية وللنقابة وللصحفيين أنفسهم الذين لم يعودوا يعتبرونها نقابة بقدر ما ينظرون إليها كمؤسسة رعاية اجتماعية تمنحهم إعانة شهرية تعينهم على أعباء الحياة وتعوض لهم ضعف رواتبهم وفي نفس الوقت تجنبهم وتتجنب معهم أي مواجهة مع إدارات الصحف لزيادة الرواتب.

هذه التشوهات نفسها ألقت بظلها القاتم على مجلس النقابة المنتخب وعلى النشاط النقابي. ففي نقابة يزيد عدد أعضائها على خمسة آلاف عضو يصعب أن تجد خمسين منهم ينشطون في إحدى لجانها الهامة، مثل لجنة الحريات، في ظرف تتعرض فيه حرية الصحافة وحرية الإعلام عموما لهجوم شديد. وفي الأوقات العادية عندما تذهب إلى مبنى النقابة ستجد عدد الموظفين داخله أكبر بكثير من عدد الأعضاء.

أعضاء المجلس أنفسهم أصبحوا يتحركون بعقلية مزدوجة تتأرجح بين عقلية القيادة النقابية وبين عقلية الموظف البيروقراطي في مؤسسة خدمية أو هيئة إدارية. دليل ذلك أن الأستاذ عبد المحسن سلامة يقول أنه مع ضم الصحفيين غير المقيدين إلى عضوية النقابة لكن اللوائح هي التي تقيده، ناسيا أو متناسيا أن من يضع اللوائح أو يلغيها هو القيادي النقابي نفسه وفقا لاستراتيجية وبرامج محددة ينبغي أن يكون هدفها تنمية قدرات النقابة على أداء واجباتها وأن تسترشد بمبادئ وأسس العمل النقابي التي تقوم على وحدة العاملين بالمهنة وتعظيم قدرتهم على الدفاع عن مصالحهم وعن المهنة نفسها.

إن المأزق الذي وضعنا فيه مجلس نقابة الصحفيين يمكن أن نلخصه في غياب القيادة النقابية وتراجع الدور النقابي لأعضاء المجلس لصالح دور الموظف البيروقراطي سواء في مؤسسة خدمية أو في هيئة إدارية، ولكن ليس في نقابة مهنية خبا دورها وتراجع إلى حدود تشبه إدارة صندوق المعاشات أو جميعة دفن الموتى.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو يقدمان التعازي -للشعب الإيراني-


.. كيف ستنعكسُ جهودُ الجنائية الدولية على الحرب في غزة؟ وما تأث




.. حماس: قرار مدعي -الجنائية- مساواة بين الضحية والجلاد


.. 50 يوما طوارئ تنتظر إيران.. هل تتأثر علاقات إيران الخارجية ب




.. مقتل طبيب أمريكي في معتقلات الأسد