الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كيف يمكن لمفاوضينا صياغة معاهدة تستعيد السيادة الكاملة؟

صائب خليل

2008 / 3 / 10
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


نحن مقبلون على توقيع المعاهدة التي "ستعيد لنا كامل سيادتنا" وتحويل الأمريكان من محتلين الى "اصدقاء" يتكفلون حمايتنا من اعداءنا الخارجيين والداخليين وحماية الديمقراطية. هكذا تقول لنا الحكومة وفريقها الذي يحد سكاكينه للمفاوضات. لكن هناك من يشكك بإمكانيتهم على تحقيق هذه الغاية السامية، خاصة على ضوء ظروفنا وتصرفات من سيصبحون "اصدقاءنا" وردود فعل الحكومة على هذه التصرفات. لكن"لايوجد مستحيل" كما يقول نابليون، لذا دعونا نفكر كيف نساعد المفاوضين في "إجماع وطني" ونبحث عن طريقة نكتب بها بنود معاهدة الصداقة الإجبارية هذه، بشكل يحقق امنيتنا في استعادة "السيادة الكاملة".

لنفكر: بما ان فريقنا قد وعدنا بمفاوضات "شاقة" فلنثق بهم ونفترض انهم سيجدون صيغة مناسبة لنا لبنود المعاهدة. كل المشكلة التي تبقى لدينا هي كيفية اقناع اصدقاءنا الجدد باحترام بنود تلك المعاهدة والقوانين العراقية!

صعوبة هذه المشكلة تأتي بالدرجة الأولى من السمعة السيئة جداً لهؤلاء الأصدقاء في موضوع احترا م القوانين والمعاهدات والمنظمات الدولية ولهم باع طويل في ذلك. ومن ناحية ثانية، لو اختلفنا معهم فلن نجد من نشكو اليه ويعيد لنا حقنا لأن هؤلاء الأصدقاء "يحترمهم" الجميع في العالم ولا يريد اغضابهم. ومن ناحية ثالثة لن يجدينا ان نشكوهم لمجلس الأمن فلديهم الفيتو على قراراته. وحتى ان شكونا وحصلنا على حكم من المحكمة الدولية – حيث لايعمل الفيتو- فقد لانحصل على شيء. ولنا في نيكاراغوا التي شكت قبل عقود الى هذه المحكمة وتمكنت من اثبات ضلوع اميركا بعمل ارهابي على اراضيها، ولم تجد المحكمة بداً فحكمت هذه على الولايات المتحدة، ليس بعقوبة من يقوم بالإرهاب في دولة اخرى، بل فقط بتعويض نيكاراغوا عن خسائرها المادية. قالوا هم "إقبض من دبش".

يقال ان الخطوة الأولى للتحضير للمفاوضات هي ان تدرس خصمك فيها. وهناك قضيتان يمكن ان تلقي الضوء على مستقبل "صداقتنا" الجديدة. الأولى هي مشكلة المحكومين الذين ترفض اميركا تسليمهم للحكومة لتنفيذ حكم القضاء بهم، حيث يشترط الأمريكان الإنسجام بين اطراف الحكومة لتسليمهم. انه شرط عجيب ومثير للإنتباه. فمن الطبيعي ان تختلف اجزاء الحكومة لكن هذا لايمنعها من العمل عادة فلكل جزء صلاحياته. الطبيعي ان الأمريكان لديهم نقطة إتصال واحدة مخولة تتعامل معهم كحكومة عراقية. لكننا دللنا الأمريكان بكرمنا، و"سمحنا" لهم دائماً بالتعامل مع كل نقطة من الشعب والحكومة بحرية. هل تذكرون الحكومات الأولى؟ عندما اجلسوا علاوي المفضل في منصب رئيس الوزراء كان هو الذي يزور واشنطن و"يفاوض"، بينما اقتصرت مهمة الرئيس على زيارة الموتى وعقود الهاتف والزواج. وعندما تبدل الحال وصار الجعفري رئيساً للوزراء، كانت الدعوات تصل الى الرئيس طالباني، بينما كان الجعفري يركض وراءه الى واشنطن بلا دعوة ولا اهتمام. لقد كانوا يتمرنون على حرية اختيارهم نقطة اتصالهم بالعراق ولم يكن في العراق من يعترض، لذا يضعون انفسهم الآن حكماً بين الرئاسة والحكومة. إنهم يتظاهرون بالحياد بين الطرفين لكنهم في الحقيقة يعملون وينسقون مع احدهما الذي يرفض تنفيذ الإعدام، دون الطرف الآخر.

بعد فيكة "المصالحة" الإجبارية هي الأخرى على الحكومة، والتي حرصت فيها اميركا ان يدخل الجميع في الحكومة فصارت تتكون من "جبهات" متناقضة، سيكون هناك دائماً طرف "عراقي" يتفق مع الموقف الأمريكي، وما على الأمريكان إلا الوقوف بجانبه لتسير الأمور كما يريدون ودون ان يبدو عليهم انهم يسيرون الحكومة. تخيلوا مثلاً اختلاف حول الطلب مستقبلاً من القوات الأمريكية تنفيذ الإتفاق وخروج قواتها، بينما يلح طرف آخر ان الديمقراطية مهددة ويجب تمديد الإتفاق..الخ، وما الضغط الذي يمارسه الهاشمي وشلته ويؤيده الطالباني بحماس، إلا لزيادة شلل الحكومة من خلال زيادة عدد الجهات التي يمكنها وضع الفيتو على قراراتها بحيل سياسية مثل خطة 3+1 وغيرها، وهو ما يعني فيتوات امريكية اضافية على الحكومة.

وصلت مسرحية المحكومين ذروتها الكوميدية حين وافق "مجلس الرئاسة" على اعدام محكوم واحد دون الآخرين، ودون اعطاء سبب على حد علمي، وطبعاً وافق الأمريكان فوراً على تسليمه. اما سبب الإحجام عن تقديم مبرر للموافقة فلأن اي سبب يعطى هو تدخل صريح بحكم القضاء وكأن الرئاسة محكمة تمييز على محكمة ليس لها اي صلاحية لمعارضتها كما يعترف الطالباني الآن دون خجل.

لاحظوا ان الرئاسة كانت حتى وقت قصير متفقة بالإجماع على عدم تسليم المدانين، والآن اتفق هذا الثلاثي المرح فجأة وبالإجماع ايضاً على تسليم واحد من الثلاثة بعينه دون الآخرين، وهي صدفة تثير الإسئلة. صدفة مثيرة على الأقل لأنه تمييز عجيب لقرارات صادر من محكمة واحدة ولتهم متشابهة ومن المنتظر على الأقل ان يعترض واحد منهم على هذه النقطة، والتي اثارت المالكي الذي تصعب اثارته. وإذا اضفنا الى هذا معرفتنا ان هذا المجلس متكون من جهات لايجمعها جامع، اصحبت الأسئلة مؤشراً لاشك فيه بان مصدر القرار واحد، ومن خارج المجموعة.

هناك قضية اخرى يمكن لدلالتها ان تساعدنا لتفهم علاقتنا مع اميركا: قبل فترة اشتكى التيار الصدري من ان الألاف من اعضائه يقبعون في سجون الدولة دون محاكمة، وانهم حين يحاكمون وتتم تبرئتهم تقوم الحكومة بتسليمهم الى الأمريكان ليغرقوا في ثقب قانوني اسود. اي ان الحكومة حين يزعجها القانون في حبس معتقلين لاتستطيع إثبات شيء عليهم، فأنها نتقلهم الى المنطقة التي لايصلها القانون في العراق: الأمريكان. توقعت وقتها ان الصدريين يبالغون في الأمر فلا يعقل ان يكره الأمريكان القانون الى الدرجة التي يهينون بها الحكومة التي تجهد لتسير على مشورتهم في الإقتصاد والمصالحة والجيش، وصعب علي ان اصدق ايضاً ان الحكومة تقدم بنفسها على مثل هذه الخطوة المهينة لها بتسليم المبرئين الى سجون الأمريكان. ومن ناحية اخرى يشكل الصدريون 11% من البرلمان العراقي ولهم شعبية هائلة، فلا بد انهم قادرين على التسبب للحكومة بفضيحة بجلاجل، فهل معقول ان يحدث كل هذا؟

حيرتي لم تطل، فما ان اطلق سراح وكيل وزير الصحة الصدري بعد احتجاز دام سنة دون تهمة ثم محاكمته وتبرئته من محكمة عراقية، حتى القى الأمريكان القبض عليه, ورفضوا اعطاء اي سبب!

كما تلاحظون ان المشكلة ليست في القانون او الإتفاق، فلا يوجد قانون يسمح للامريكان ان يختاروا التعاون مع الرئاسة بدلاً من الحكومة، ولا قانون يتيح لهم اعتقال شخص برأته المحكمة للتو ورغم ذلك فعلوا هذه وتلك. إذن فالمسألة في قدرة الأمريكان العملية على نقض القوانين والإتفاقات وليس نص القانون او الإتفاق.

عندما يخشى رجال القانون ان يتضارب قانون جديد يضعونه مع الدستور الأقوى منه فيتسبب في احراج، فأنهم يذيلونه احتياطاً بالعبارة: "ما لم يتعارض مع احكام الدستور". والمحكمة التي برأت الزاملي قالت في قرار الحكم، كإحتياط روتيني: "يطلق سراحه ما لم يكن محجوزاً على ذمة قضية اخرى"، ولم يكن للرجل قضية اخرى ومع ذلك اعيد الى السجن لأن الأمريكان قرروا ذلك، وهو ما سبب احراجاً للقضاء العراقي. أقول: لماذا نحرج قضاتنا وانفسنا امام العالم في كل مرة؟ ما رأيكم لو كنا مبدعين في نصوصنا، واتخذنا احتياطاً يجنبنا الحرج مستقبلاً، واستبدلنا "مالم يكن محتجزاً بذمة قضية اخرى" بعبارة "ما لم يقرر الأمريكان غير ذلك"؟ اللي ما يجي وياك تعال وياه كما يقول المثل العراقي! وبنفس الطريقة يمكننا ان نجبرهم على احترام بنود المعاهدة القادمة بل واحترام القانون العراقي ونحقق "السيادة الكاملة" بأن نذيل كل بند وقانون بالعبارة السحرية:"مالم يقرر الأمريكان غير ذلك"!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. السنوار ونتنياهو يعيقان سياسات بايدن الخارجية قبيل مناظرة ان


.. خامنئي يضع قيودا على تصريحات مرشحي الرئاسة




.. يقودها سموتريتش.. خطط إسرائيلية للسيطرة الدائمة على الضفة ال


.. قوات الاحتلال تنسحب من حي الجابريات في جنين بعد مواجهات مسلح




.. المدير العام للصحة في محافظة غزة يعلن توقف محطة الأوكسجين ال