الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العولمة الإعلامية والضرورات الاقتصادية

فارس خليل ابراهيم

2008 / 3 / 11
مواضيع وابحاث سياسية


لا يمكن إن تعتبر ظاهرة العولمة الإعلامية ظاهرة حديثة تنتمي الى العقد الأخير من القرن الماضي دون النظر الى جذور هذه الظاهرة الكونية وتحليل مكوناتها والكشف عن العلاقات السببية بين العولمة الإعلامية وعولمة الاقتصاديات الدولية .. ومن ثم كشف الدور الذي تلعبه العولمة الإعلامية في تحريك عجلة الاقتصاد العالمي ، وتخطي كل ذلك الى فهم دور تلك العولمة في تكوين الرغبات والميولات الاستهلاكية للمجتمعات المدنية.
وهنا في الحقيقة لايمكن فصل العولمة الاعلامية عن جملة مسبباتها والتي بدأت تبرز في أواخر الثمانينات من القرن المنصرم حين بدأت عواصف التغييرات الدولية تعصف بشدة وبوتيرة عالية على الخارطة السياسية الدولية بدءً من مشرق المعادلة الدولية مرورا بالعقدة الصعبة لتلك المعادلة في الشرق الاوسط وصولا الى اقصى غربها عند السواحل الشرقية للولايات المتحدة الامريكية والمملكة المتحدة البريطانية والتي سيستمر تأثيرها لقرن قادم على ما يبدوا .
وتبدأ القصة عندما بدأت معالم الشيخوخة السياسية والاقتصادية بالظهور على ملامح المجموعة الشرقية والدول الحليفة لها وخاصةً تلك الدول القابعة في تخوم العالم الثالث والنمو المضطرب للاقتصاديات الرأسمالية وحاجتها الماسة لأسواق اكبر ومصادر طاقة مؤمنة لأستيعاب نهمها المجنون والذي لايعرف حدودا رادعة ، مقابل ذلك ظهور بوادر نمو بعض الاقتصاديات الاقليمية لمجموعة من الدول والمصنفة بالدول المارقة حسب (التصنيف الامريكي) والساعية الى القيام بدور اقليمي فعال يعارض بمحصلته النهائية المشروع الكوني الامريكي .
وهنا بدأت ملامح ظاهرة العولمة الاعلامية – الاقتصادية بالظهور على الساحة الدولية والتي تزامنت مع توريط تلك الدول ذات الاقتصاديات النامية في سلسلة نزاعات اقليمية لغرض الاحتواء السياسي والإنهاك الاقتصادي وحسب توجهات المصلحة الامريكية في تلك المناطق وتحييد تلك الاقتصاديات النامية ومن ثم العمل على تمزيق النسيج الاجتماعي المنسجم رغم تنوعه من خلال دعم بعض التوجهات الشوفينية والعرقية تحت غطاء (الحرية للأقليات المضطهدة ) من جهة ، وسعي الرأسمالية العالمية بكانتوناتها الاقتصادية بزعامة الولايات المتحدة الامريكية بعملية اقصاء تلك البلدان النامية من خلال التفكيك والدمج القائم على اسس ترويج عملية الخصخصة الاقتصادية في اطار العمل والتأثير المؤسساتي وتفكيك السلوكيات الاقتصادية للفرد المرتبط ببيئته الاجتماعية ودمج المترشح من هذه العملية بالعجلة الاقتصادية الرأسمالية العالمية من جهة اخرى ، وذلك من خلال :
اولاً:- خلق الدافع الاستهلاكي الكاذب ، ففي السابق كانت الشركات المنتجة للسلع والخدمات تعتمد في ترويجها لسلعها وخدماتها على ابراز اهم خصائص ومميزات تلك المنتجات والخدمات وتسليط الضوء على الفوارق الكبيرة من جانب النوعية والجودة والسعر عن بقية السلع والخدمات للشركات المنافسة .. لكن في عصر العولمة سعت الشركات العابرة للقارات ومن خلال سيطرتها المباشرة والغير مباشرة على وسائل الإعلام بالاضافة الى ما تملكه من ادوات التأثير الاعلامي على خلق الدوافع الاستهلاكية الكاذبة جنبا الى جنب مع اظهار مميزات وخصائص تلك السلعة او الخدمة وذلك من خلال خلق قناعات جديدة عند المستهلك تفيد بأن الارتفاع بالمستوى الاجتماعي مقرونا بأستحواذ هذه السلعة او الخدمة والاحياء بأن عدم الاخذ بهذا الاسلوب الاستهلاكي الجديد قد يحط بدوره من المستوى الاجتماعي ويحد من نشاط وفعالية دور الفرد الاجتماعي ويعرضه للأقصاء البطيء ومثال ذلك( حظ الشركات الصانعة للموبايل المراهقين بأقتناء احدث الاصداراتها رغم توفر البدائل الرخيصة والتي قد تكون قديمة نوعا ما في الاسواق ) ويتم تحقيق هذه الغاية بأسلوبين :-
أ‌- الحملات الأعلامية الطويلة والتي تمتاز بطول فترة العمل على تغيير جملة من القناعات الاستهلاكية – الاجتماعية اعتمادا على مبدأ (نزع المسمار ) ومبدأ نزع المسمار يشير ببساطة الى انه لايمكن نزع مسمار ما من خشبة غليظة بسرعة كبيرة ، وانما يحتاج ذلك الى الكثير من التأني والوقت لنزعه عكس عملية دق المسمار والذي يعتمد على القوة والسرعة ، وكذلك هي القناعات الاستهلاكية – الاجتماعية المترسخة .. ويتأتى هذا الامر من خلال :-
1- خلق حالة من التشويش الذهني حول تلك العادات وارباك القناعات الراسخة حول تلك القيم .
2- تفكيك تلك القناعات الراسخة وادخال حالة من الرفض في السلوك الجماعي حول تلك العادات الاستهلاكية – الاجتماعية وربط تلك العادات نفسيا بجملة من مظاهر التخلف الاجتماعي .
3- تقديم البديل المستهدف والمراد (تسويق) والترويج له وبصورة دورية وحسب حاجة الجهة الموردة (المنشأ) لا الحاجة الفعلية للمستهلك التي تم تحييدها .
ب - الحملات الاقتصادية القصيرة والتي تستهدف شريحة اجتماعية محددة لترويج سلعة أو خدمة ما من خلال حملة اعلامية قصيرة ومكثفة تسلط الضوء على اهم وابرز خصائص المنتج الجديد وما يمتاز به عن بقية المنتجات المنافسة (طبعا بعد خلق الرغبات الاستهلاكية الكاذبة).
ثانياً:- تحييد السلع المحلية (المنافسة) من خلال ربط حالة التأخر الاجتماعي للفئات المستهدفة بسلعها المنتجة محلياً ، فما دام ان تلك المجتمعات متخلفة فبالضرورة ان سلعهم المنتجة هي متخلفة ايضاً! ولايمكن النهوض بتلك المجتمعات الا من خلال الاخذ بالسلع الحديثة ونبذ السلع الرديئة (المحلية).
ثالثاً:- ضرب السلعة المحلية المنافسة ، وكون إن السلع واغلب السلع في العالم الثالث محمية بقوانين اقتصادية صارمة وكون قوانين المنظمات المختصة بالسلامة والنوعية الاقتصادية تحرم الطعن بالسلع المنافسة بعد حصول تلك السلع على شهادات تثبت صلاحيتها وفعاليتها للمستهلك، لذلك سعت الشركات العابرة للقارات إلى أسلوب جديد لضرب الاقتصاديات المحلية الناشئة وسلعها الوليدة ويعتمد هذا الأسلوب على إظهار مكامن الضعف والرداءة الكامنة في بعض مفاصل العملية الإنتاجية في هذه البلدان النامية من خلال جملة من الدراسات الاقتصادية ذات التوجهات الدعائية بالإضافة الى الحملات الإعلامية ذات الطابع الأكاديمي والمدعومة من قبل مجموعة من مراكز البحوث العلمية والتي تعمل حسب الطلب وعلى ضوء المبدأ القائل (اظهر ما يمكن إظهاره) أي إن كان هناك حالة من الخلل في قطاع معين وسط جملة من حالات التقدم والامتياز فعلى مراكز البحوث تلك ابراز حالة الخلل وغض النظر عن بقية حالات التقدم والامتياز في تلك المفاصل الانتاجية وبناءً على ما تقدم لابد لتلك السلع ان مرت بهذه المفاصل قبل وصول المنتج بصورته الاخيرة الى المستهلك، بعد ان تمثلت حالة الخلل الكامنة في تلك المفاصل الإنتاجية.
ومما يسهل من العمل الدءوب لتلك الشركات العابرة للقارات في عملية التحييد الإعلامي للاقتصاديات النامية هو :-
• التفرد الكامل في صناعة وإنتاج أجهزة وتقنيات الاتصال .
• التدفق الإعلامي الأحادي من الدول المتقدمة صناعيا إلى الدول النامية وحسب قانون (الأواني المستطرقة) .
• الاحتكار الشبه الكامل لمصادر المعلومات .
• التدفق السريع للمعلومات ولصالح الدول المصنعة لتقنيات الاتصال .
وعلى ضوء ذلك كله تبرز تلك الرابطة الوثيقة بين عولمة الانشطة الاعلامية وتصدير رأس المال العابر للقارات عبر مراحل تطورها التأريخي وان تلك العلاقة هي التي تحكم التطورات الراهنة والمستقبلية لدور النشاط الاعلامي في المجتمع وطبعا دون اغفال دور العوامل الاخرى ، ويدعم هذا الاستنتاج العوامل الاتية:-
اولاً:- التزامن بين ظهور الأنشطة الإعلامية خارج النطاق الوطني للدول الرأسمالية مع تصدير الرأسمال الصناعي .
ثانياً:- خضوع اكبر نسبة من الأنشطة الإعلامية الدولية لعدد من الشركات العابرة للقارات ونمو الشركات الاعلامية الكبرى طرديا مع نمو وتضخم الشركات الصناعية العابر للقارات .
ثالثاً:- وحدة النشاط والمنشأ للشركات الصناعية والإعلامية الرأسمالية مما يدل على انسجامها على مختلف الأصعدة .
رابعاً:- تماثل مساحة توزيع التأثير للعولمة الاعلامية جغرافيا مع توزيع تأثير الاستثمارات الرأسمالية للشركات العابرة للقارات مما يدل على حقيقة واحدة .
ونستنتج من ذلك كله ان طابع عولمة الأنشطة الإعلامية ينفي عنها صفة الاستمرارية ، باعتبارها ظاهرة لمرحلة تاريخية مميزة ومرتبطة بالقوة الداعمة لهذا الطابعة من جهة ، وان عولمة الانشطة الاعلامية ستزول او ستتغير اذا ما تغيرت مجريات الانشطة الاقتصادية الدولية في المستقبل من جهة اخرى .
وفي الختام يمكن ان نفهم العولمة الاعلامية بأنها اصبحت سمة رئيسة لهذا العصر وهي توسع وامتداد للرسالة الاعلامية – جغرافيا مع تقديم مضمون متشابه رغم تباين المناطق الجغرافية المشمولة بهذا الامتداد وذلك لتطابق الدوافع والرغبات لهذا التوسع والتي جعلت من فصل المكان عن هويته الاجتماعية المحلية امرا ممكنا .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. في غزة المحاصرة والمدمّرة.. من لم يمت بالقصف مات جوعا أو يكا


.. إسرائيل تغلق -الجزيرة- والقناة القطرية تندد بـ-فعل إجرامي- •




.. حسابات حماس ونتنياهو.. عقبة في طريق المفاوضات | #ملف_اليوم


.. حرب غزة.. مفاوضاتُ التهدئة في القاهرة تتواصل




.. وزير الاتصالات الإسرائيلي: الحكومة قررت بالإجماع إغلاق بوق ا