الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أبا الخيزران.. إنهم يطرقون الجدران فعلا (!)

عبد الإله بوحمالة

2008 / 3 / 11
القضية الفلسطينية


قد يبدو لمن يحزنه الواقع المتردي للقضية الفلسطينية أن هذه الأخيرة تراجعت عن إنتاج طاقة الصمود والمجابهة والرفض، وأن مخزونها من هذه الطاقة مال إلى الخفوت بفعل الفرقة والشنآن الداخلي بين الفصائل والزعماء. لكن نظرة ممعنة متأنية متفائلة في الواقع اليومي تثبت عكس ذلك، فلازالت هناك كثير من الأشياء الأصيلة تفعل فعلها في الناس البسطاء الذين يكتوون يوميا بنار العنف اليومي الذي يغرقهم فيه رصاص الاحتلال ودباباته وجرافاته، ولازال التشبث المستميت بالأرض يغذي أوردة المواجهة والكفاح رغم قوى الغزو والتقسيم.. ورغم طوابير الهرولة والاستسلام.. ورغم موجة التخذير والتمييع السياسي والإعلامي الكاسح.
صحيح أن بعض أسباب هذا النضوب والتراجع الملحوظ نابعة من كثير من العيوب الكامنة في أصحاب القضية وفي من اختاروا أن يكونوا إلى جانبهم في هذا الخندق الصعب.. وصحيح أيضا أن بعضها الآخر موجود في ثقافة الإنسان الفلسطيني، كفلسطيني وعربي، وفي ثقافة الإنسان العربي، كمسلم ومسيحي، يمنتمي لعالم ثالث متخلف مستكين لجهله واستضعافه يميل إلى الكسل والخنوع والدسائس والمؤامرات..
لكن الصورة لها ألوانها الأخرى ولها ظلالها الجانبية وبالتالي لها قراءتها الأخرى، فالسبب الأساسي، على العموم، يبقى دائما هو العدو، المعلن الصريح أو المستتر الخفي، الذي لم يتوقف يوما عن محاولات بسط هيمنته السياسية والاقتصادية والثقافية والعسكرية على المنطقة، ولم يتخل لحظة عن محاولة ترجمة هذه الهيمنة إلى إخضاع فعلي للإمكانات الجغرافية والثروات الطبيعية والبشرية التي تتوفر عليها وتعريضها للسلب والنهب والاستنزاف.
وفي تقديري أن ليس هناك في التاريخ الحديث للأمم أمة تعرضت لمثل ما يتعرض له العرب والمسلمون حاليا ومنذ قرن وأكثر، من تنكيل وتدمير وأطماع. ولو أردنا سرد ندوب هذا النهش المتواصل واستعراض أمثلته لوجدنا تحت كل بقعة أرض مسربا يؤدي إلى مخطط استعماري ولألفينا تحت كل طوبة تراب شُقا ينتهي إلى حلم توسعي، لكن يكفينا للتمثيل على ذلك هذه المؤامرة المحبوكة التي كان من نتائجها زرع كيان ناتئ عنوة في قلب الوطن العربي ومركز نبضه ليشتغل في الجسد بالإدماء والتنزيف والإيلام وليبث من خلاله الوهن والعلل إلى باقي الأطراف فقط بالاستناد إلى أساطير ومستحاثات منخورة غابرة في القدم.
إن استمرار القضية الفلسطينية على قيد نبضها الشعبي الخافق ودمها الطفولي البريء، هو الدليل الأكيد على أنها قضية عسيرة على الطمس عصية على التزوير والمساومة، وأنها قضية شعب يملك مخزونا ذاتيا من المناعة يستلهم منه مع مرور الوقت واشتداد الكرب كل أسباب القدرة المتجددة على النهوض ولملمة الجروح وكل أسباب السخاء في إنتاج قيم وأساليب البقاء.. بل وإبداع فنون غير مسبوقة في حب البقاء ومقارعة الانهيار.
قضية من هذا النوع، بهذا التاريخ الملحمي الحافل.. وبهذا العنفوان الفياض وهذه الولادات المتجددة.. وبهذا المعدن النفيس من الأطفال الرجال.. لن يخشى عليها مهما اشتدت وطأة المحن والخطوب والمؤامرات الخارجية إلا من طينة واحدة ووحيدة..
هي طينة زعماء القضية (!) من أصناف "أبي الخيزران"،
قائد تلك الشاحنة/ الخزان في رواية "رجال في الشمس" للراحل غسان كنفاني، الذي بعد أن جر الأبطال للهلاك في مغامرة للحل الفردي والهروب الجبان جردهم من ممتلكاتهم البسيطة ورماهم في مزبلة بالصحراء بكل وقاحة ثم رمى المسؤولية عليهم متباكيا: لماذا لم تدقوا جدران الخزان؟.









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نتنياهو يحل مجلس الحرب في إسرائيل.. ما الأسباب وما البدائل؟


.. مسؤولون أميركيون: إسرائيل عقبة أمام مستقبل المنطقة.. فهل تُغ




.. الردع النووي ضد روسيا والصين.. الناتو ينشر رؤوسا مدمرة | #مل


.. الحجاج يواصلون رمي الجمرات وسط حر شديد | #رادار




.. شبكات | 20 لصا.. شاهد عملية سطو هوليوودية على محل مجوهرات في