الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الوطن الشهيد إلى سيدتي الشهيدة

أحمد الماجد

2008 / 3 / 12
الادب والفن



كانت حروفي مشلولة عن كتابة الرثاء، منهكة بكتابة الغزل، لكن طارق الأحزان أصر أن يستحثني إلى واعيته. أكثر من شخص طلبوا مني أن أكتب، و لكني أخذت طلباتهم بسوء حالي و جمود حروفي، لكن ومن بعد تلك الصورة، تدفقتُ كسيل عارم، أبلل كل شيء بالدموع...

فلسطين سيدة الأحزان، بالأمس حيفا و يافا و دير ياسين، و اليوم غزة، فاسمحي لي أن أؤبن بالحروف و بالدموع، ذلك الطفل الذي من فوق دراجته شق الطريق، يعد حواتيت جدته، و محاذير أمه "عد سالما"، و لكن ما أخطأ الصاروخ شر المعركة، قد صرت يا ولدي تهِمُّ بلا قدم، "عد سالما" "عد سالما"، ما ظل ينفعك الندم!

الطيرُ قد شَقَّ الفضاءَ مغردا
فأتى الغرابُ مزمجراً و مهددا

والطفلُ أشرق بالبراءة يحتمي
خلفَ الطفولةِ باسماً يطأ الندى

قد راح يمرح لاهياً يا ليته ُ
سَمِعَ العَدُوَّ مغاضباً متوعِّدا

يرمو صباهُ و يرتميهِ صواعقاً
و يَشُلُّ طلعَتَهُ البهيةَ إذ بدى

فتقطعتْ قدمُ النشاطِ و حَرَّمَتْ
أن يمتطي نجماً و يركبَ فرقدا

حُلُمٌ هوى عند السقوط و إنه
قد كان من قبل السقوط مشيدا

فتعرقل اللعب الوديع ببغتة
و نعى زغاريد الصغار و ألحدا

و القتلُ جاء و عاث في طلقاتهِ
و اصطاد أحلام الصغار و سددا

قَتَلَ الدُمى ، قَتَلَ البكاءَ توحُّشاً
و بنى لألعاب الطفولة مشهدا

الشمسُ في كبد الظلام حبيسة ٌ
و الجمرُ أُشعلَ بالقلوب و أُوقدا

قد أُزهق الفجرُ السعيدُ بأُفْقِهِمْ
ما كان من بعد الظلام ليَسعدا

طرقوا الحنان فما رأوا إلا يداً
حَكَمَتْ عليه بأن يُسدَّ و يُوْصَدا

لعبتْ بغزة ذي الوحوش، أما اكتفت!
من أن ترىْ الجوعَ المخيفَ مُعَرْبدا

لعبت بغزة َ ذي العروبة وحدها
صمتت على ذبح الحمام مقيدا

جرحٌ بقارعة الطريقِ مكدسٌ
و دمٌ على مَرِّ السنين ِ تبددا

قد كُفِّنَ المجدُ العتيدُ بخيبرٍ
و اليومَ غالَ الكافرونَ محمدا

بحرٌ من الآلام ماجَ تأوُّهاً
يغلي بغزة، لن يخف و يركـُدا

تلك المشاهدُ و القنابلُ تمتطي
أحلامَ عيني و الظلامُ تمددا

رفقا بعينيَ يا قنابل إنها
ما عُوِّدتْ سحقَ الزهور لتعتدا

إني دفنتُ سعادتي معَ ميـِّتٍ
جعل التعاسةَ و الشقاءَ مؤبدا

حُبـِستْ أمانينا و في تابوتها
ماتت فأقفلتِ الشُجونُ لها الغدا

إني نذرتـُكِ قدسَنا في مقلتيْ
حتى أرى ثغر الصغار مُعَيـِّدا

ضاقتْ بنا الأعياد تشكو همها
فهِلالـُنا جُرْمٌ تـَولـَّد أسودا

من أوثقوا قلبي الحنون و أطلقوا
ألَمي فراح يَعِيثُ فيَّ مسدِّدا

لله ما أقسى ضميركِ أمة َ
الإسلام كيف نوى الرقادَ ليرقدا

هذي فلسطينُ الصغيرة تشتكي
و الظلم قدّ قميصها و توحَّدا

و بكتْ يطول الاحتضار بموتها
و صدى الأنينِ بأُفْقها يتلو الصدى

عرِّجْ معي يا قلبُ عند سنيـّهم
فسنينـُهُمْ جرحٌ أبى أن يبردا

عرج معي في رحلة طالت فما
جعل الزمان مع النهاية موعدا

عرج معي و اكسر جليد مشاعري
فهو الذي رغم الجراح تجمَّدا

أمٌ يموت وليدها في حضنها
تنعى و تندب حِسَّنا المتبلدا

سَكَنَ التناقضُ حالها فلسانُه
مُرٌ تَغَنَّىْ بالجراحِ و زغردا

و أبٌ يئن لدفن غُرَّة عُمْره
أتـُرى تغشـَّى قلبـُهُ و تصلـَّدا؟

ماذا عسى يُروى بقصتها التي
أمستْ روايتها تجافي المرقدا

الليلُ حاصرها و أطبق بالمدى
و النحسُ طوقها و صار مخلـَّدا

وطنٌ تربّى أن يعيشَ مشرداً
وسعى بأن يقضي الحياة مشرّدا

فإذا صَدَفـْتَ اليوم جُثة ميـِّتٍ
سترى غداً ذاكَ المَمَاتَ مجددا

هذي عوائدنا الجديدة سيدي
حَكَمَ المنونُ بنا فأصبحَ سيدا

و الأمهاتُ وضعننا بمِهادنا
و مَضَيْنَ يَحضُنَّ القنابلَ و الرَّدى

زرنا ستلقانا نـُعـِدّ صغيرنا
حتى يناغي البندقيةَ و الفدى

زرنا ستلقانا بغير وسادة ٍ
كُلٌ على أثرِ الرمادِ توسّدا

ما تصنعُ الأيام في متورد ٍ
ينمو بأشواك الحياة مصفـَّدا

أهديكَ من جسدي المقطع بضعة ً
عربية، تحكي الزمانَ الأسودا

أهديك من شفتي العروبة كلها
لتقومَ في زيف الحقيقة مُنشدا

لتزين الذوق الرفيع بغدرهم
ذاك الذي ابتاعَ السلاحَ و أغمدا

كَفِّيْ الصغيرةُ و الحجارةُ في يدي
مُتـنا فكنا فضة ً و زُمُردا

إن مُتُّ كفنِّي و دَعْ ما في يديْ
لأكونَ رمزاً للصمود و مَقصدا

إنْ مُتُّ أحيا و الحياة بجُبـَّتيْ
تنعى كرامتكم و تـَرفعُ لي يدا

بحرٌ و مدِّي في الشواطئ دائمٌ
و غدا ستشرق جثتي فوق المدى

أعطيك من لغتي شعار مناضل ٍ
لـِتـُقـرَّ أنَّ عطاءنا لن ينفدا

وطني الشهيد و مولدٌ متألقٌ
مَنْ مثله جعل الشهادة مولدا

إنَّ الحياة تشبعت بمماته
لغزٌ غريبٌ بالحياة تفردا

من مثله قـُطعتْ ظفائر أمهِ
كي يرعوي، لكنْ عصى و تمردا

من مثله خَسَفَ العدى بدُروبه
فمضى و أقبل لعنة فوق العدى

شعبٌ به قـِرَبُ الوَقودِ خزائنٌ
شعَّتْ بعين العالمين توقـُّدا

حرفي سلاحي لم يزل متجهزاً
أن يفتدي لغتي و أن يستشهدا

فمتى أردْتَ العنفوانَ فها هنا
غصن الجهاد من العطاء تورَّدا

فقطفْنَهُ نُجُمُ الدُنا و وَضَعْنَهُ
عقداُ على شَرَفِ السنينِ تَقلـَّدا

كل المكان على المكان مُقدَّسٌ
فأقم به في كل حي ٍ مسجدا

فهناك قِدِّيسٌ هوى بدمائه ِ
و ملائكٌ هبطوا و خروا سجدا

و هنا الكتاب تفرَّعَتْ آياتـُهُ
و هنا مُقامُ الصالحينَ تشهَّدا

فأناخَ جبريلُ الأمينُ جناحَهُ
ليَضُمَّ جثمانَ الشهيدِ و يصعدا

سيظلُ قربانُ البطولةِ شاهقاً
ما دامَ في وحي السماء مجسدا

أقدم اعتذاري إلى كل قلب آذيته بإيرادي تلك الصورة

السيد أحمد الماجد
26/02/1429هـ








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لقاء خاص مع الفنان حسن الرداد عن الفن والحياة في كلمة أخيرة


.. كلمة أخيرة -درس من نور الشريف لـ حسن الرداد.. وحكاية أول لقا




.. كلمة أخيرة -فادي ابن حسن الرداد غير حياته، ومطلع عين إيمي سم


.. إبراهيم السمان يخوض أولى بطولاته المطلقة بـ فيلم مخ فى التلا




.. VODCAST الميادين | أحمد قعبور - فنان لبناني | 2024-05-07