الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العولمة الاقتصادية والانظمة السياسية

فارس خليل ابراهيم

2008 / 3 / 12
العولمة وتطورات العالم المعاصر


مع بداية انهيار الشيوعية في اوربا الغربية في نهاية القرن الماضي وافول نجم الماركسية في اغلب بقاع العالم.
شهد هذا العالم ومنذ تلك اللحظة سلسلة من التفاعلات "السياسية والاقتصادية والاجتماعية "السريعة والمتواصلة التي افضت الى جملة من التحولات النوعية في الحياة البشرية.
ساهمت الولايات المتحدة والدول الرأسمالية الكبرى في تعجيل وانضاج هذه التحولات وعلى مدى خمسين عاما والتي اسفرت عن تفرد امريكا وتلك الدولة الصناعية الكبرى بهذا العالم وقطفت ثمار هذا التغير الكبير.
وفي خضم هذه التغيرات الشمولية التي سادت العالم منذ العقد التاسع من القرن الماضي وانعتاق الرأسمالية من أي قيد يحد من استثمارها اللامحدود .اصبح لزاما على هذا النظام الجديد ،ايجاد نظمه الفكرية والسياسية التي تبرر اسباب وجوده كنظام احادي مهيمن .والتي بدورها افرزت جملة من التحولات السياسية والاقتصادية التي انتجت مجموعة من المنظمات الدولية الساعية الى اعادة هيكلية اقتصاديات العالم وانظمتها السياسية ،وتفعيل دور آليات النظام العالمي الجديد وترسيخ افرازاته.
لذى اصبح من الواجب السؤال :هل هذا النظام الجديد قد ولد فجأة وبدون مقدمات منظورة ،ليعبر في ظهوره عن حقيقة انقطاع تاريخي للحقبة السالفة ،وولادة حقبة جديدة ،ام انها نتاج طبيعي لسلسلة من التطورات المتواصلة للرأسمالية ؟وماهي علاقة وطبيعة دور الانظمة السياسية بهذا النظام ؟
وهل لهذا النظام مقومات التطور والاستمرار ليصبح السمه المميزه للقرن الحادي والعشرين ؟
فمن المعروف ان الرأسمالية كنظام اقتصادي وكايدلوجية سياسية لم يكن في بداية نشأتة ذو صبغة قومية او قطرية .فالانتاج الراسمالي وفائض القيمة وشروط التراكم الراسمالي عند البرجوازية الناشئة في اوربا الغربية في القرن السادس عشر التي ازاحت النظام الاقطاعي اقتصاديا وسياسيا .من خلال استحواذهم على فائض القيمة المتولدة من رؤوس الاموال الصناعية والمدعم بالتجارة الخارجية الواسعة وانكماش دور رأس المال الريعي للاقطاع في الحياة الاقتصادية ودعم البرجوازية الناشئة لكل الحركات الداعية الى تحطيم اسوار الاقطاعيات وتوحيد الاسواق المبعثرة للاقطاعيات في البلد الواحد وانشاء مراكز ومحطات للتمركز الصناعي والتجاري والهيمنة على رؤوس الاموال المصرفية التجارية والصناعية ومن المفارقات التاريخية دعم البرجوازية الناشئة والبعيدة من الحواجز القومية والدينية الشعور القومي والدعوة الى تشكيل دول ذات انظمة مركزية قومية على انقاض الانظمة الاقطاعية كما حدث في فرنسا والمانيا وايطاليا في القرنين( 16،17 )وهذه كانت اول افتراق للراسمالية عن شعاراتها الليبرالية.
غير ان الانتاج والاستثمار العشوائي للراسمالية الفتية ادخل المجتمعات الصناعية الكبرى ازمات حادة كادت ان تطيح بهذه البلدان مما دفع بالكثير من الاصوات بالمطالبة باعطاءالدولة دورا مركزيا لاعادة ترتيب المجتمع الراسمالي مما يتيح للدولة مشاركة فاعلة في ادارة الاقتصاد جنبا الى جنب مع القطاع الخاص . وقد تبلور هذا السعي الى اعتماد مبادىء الاقتصاد الكنزي (مجموعة المبادىء الاقتصادية لمفكر الاقتصاد جون مانير كنز ) خاصة بعد الازمة الاقتصادية الكبرى في العشرينيات من القرن الماضي.
كنز الذي اكد على اهمية دور الدولة في ادارة الحياة الاقتصادية والتدخل لتصحيح الخلل في الاسواق وحركة رؤوس الاموال وبالتالي سيطرة الدولة على اسباب التضخم والانهيارات المالية في الاسواق . وقد نجحت هذه السياسة الجديدة في الدول الراسمالية منذ العقد الثالث للقرن الماضي وحتى العقد الثامن منه حيث بدأت الاصوات بالارتفاع داعية الى حرية رأس المال وحرية العمل والذي تزامن مع بداية ظهور معالم الشيخوخة على المجموعة الشرقية التي ظهرت بعد الحرب العالمية الثانية كعملاق عسكري وصناعي منافس للغرب .بالاضافة الى التطورات النوعية في مجال التكنولوجية والاتصالات .هذا كله دفع بالكثير الى اعادة النظر في دور الدولة في الحياة الاقتصادية وتحرير راس المال من كل قيد وشرط انسجاما مع روح الليبرالية الجديدة والتي هي في الاساس جوهر الراسمالية الداعية الى حرية الملكية والانتاج .وباختصار الدعوة الى وقف تدخل الدولة المباشر في الحياة الاقتصادية.
وفي هذا الاطار برزت مجموعة من المؤسسات الراسمالية الدولية العالمية كمنظمة التجارة العالمية وصندوق النقد الدولي ليحل محل الانظمة الاقتصادية الاقليمية وبنوك التسليف والاعتماد القومية ،من اجل الضغط على جميع البلدان للاخذ بالشروط الراسمالية الجديدة من اجل ((الاصلاحات الاقتصادية والسياسية واعادة هيكلة مؤسسات الدولة )) لغرض التسريع في حركة عجلة التحول في بنية انظمة تلك البلدان وبما يتناسب واحتياجات النظام الجديد.
ومن هنا برزت قوة الشركات العابرة للقارات والتي وجدت في الولايات المتحدة الامريكية الداعم الاكبر لها لما تمثله الولايات المتحدة من قوة اقتصادية وعسكرية هائلة التي من صالحها دعم هذه الشركات لما سيدر عليها من مكاسب اقتصادية وسياسية تساهم في خفض حالة التضخم الداخلي من خلال الفرص الاقتصادية الجديد في الاقتصاديات الناشئة للبلدان النامية وذلك من خلال اساليب عديدة منها تصدير الصناعات الراسمالية الخفيفة والصناعات القديمة الى هذه البلدان مقابل فرص استثمارية واسعة النطاق في هذه الاقتصاديات الناشئة والسهلة الانقياد.
((وهنا تبرز العولمة كنظام دولي جديد يسعى الى تنظيم الدول وتوجد اساليب انتاجهم واستهلاكهم من اجل اعادة صياغة النظم السياسية والاقتصادية في العالم وبما يناسب الاقتصاديات الراسمالية الكبرى من اجل اخضاع العالم لارادة واحدة تشرف على حركة رؤوس الاموال والسلع المنتجة)).وبناءا على ما تقدم تظهر العولمة من مجرد افكار ونظريات مبنية على شعارات راسمالية ليبرالية الى حالة من التجسد والتطبيق بعد ان توفرت كل الامكانيات الكفيلة للظهور وخاصة في ظل الثورة التكنولوجية في الاتصالات والمعلومات والتي تدفع باتجاه تحويل هذه المفاهيم الى انشطة مادية فاعلة وضمن الادوات الحضارة الصناعية الغربية للدول الراسمالية والتي من اهمها منظمة التجارة العالمية والتي تقوم على الاشراف على ادارة التجارة الدولية من اجل تحرير هذه التجارة وازالة كل العوائق الكمركية وتأمين حركة انتقال البضائع .وصندوق النقد الدوالي والذي يشرف على ادارة النقد الدولي ويرسم سياساتها وقواعده وذلك بالتنسيق مع البنك الدولي سوآء كان ذلك في تطبيق الخصخصة عالمياً او في ادارة القروض والفوائد وفتح اسواق العالم اما حركة رؤوس اموال البلدان الصناعية الكبرى.
لذى وبناءا على كل ما تقدم سعيت من خلال هذه السطور توضيح العلاقة الجدلية بين النظام الراسمالي وشعاراته ومدى انفتاحه وتقيده وقبوله بدور موجه من قبل الدولة من جهة وعلاقة العولمة بالدولة من جهة ثانية.
وعلى ضوء ما تقدم يتضح ان النظم السياسية في الدول الراسمالية هي احدى افرازات النظام الاقتصادي الراسمالي وادات من ادواتها الفاعلة .فاذا وجدت الراسمالية ان دور الدولة في الحياة الاقتصادية اصبح معيقاً لتوسعها وازدهارها فانها لا تتوانا بتحجيم هذا الدور.
وعندما تجد هذه الراسمالية ان حالة الفوضى قد سادت في مفاصلها نتيجة غياب الموجه العالم للانشطة الاقتصادية فانها سرعان ما تقحم الدولة في الحياة الاقتصادية لاعادة حالة التوازن والاستقرار في الاقتصاد.
لذى لا غرابة في ان نرى الراسمالية العالمية الكبرى وايضا المؤسسات الدوليةوالتي تعتبر احدى صور ارادة الدول الكبرى المنتصرة في الحرب العالمية الثانية, تسعى جاهدةً الى توحيد الاسواق العالمية ورفع القيود عن حركة رؤوس الاموال بين البلدان.
فالاقتصاد الراسمالي وانظمتها السياسية وجهان لعملة واحدة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الهدنة في غزة: ماذا بعد تعقّد المفاوضات؟ • فرانس 24


.. هل تكمل قطر دور الوساطة بين حماس وإسرائيل؟ • فرانس 24




.. 4 قتلى وعدة إصابات بغارة إسرائيلية استهدفت بلدة -ميس الجبل-


.. القوات الجوية الأوكرانية تعلن أنها دمرت 23 طائرة روسية موجّه




.. حماس وإسرائيل تتمسكان بشروطهما.. والضبابية تحيط بمصير محادثا