الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


غسل عار أم وصمة عار في جبين الأنظمة السياسية المتخلفة؟

محمد مشير

2008 / 3 / 12
ملف مفتوح: مناهضة ومنع قتل النساء بذريعة جرائم الشرف


من البداهة ان يؤدي تطور المجتمعات البشرية في ميادين الاقتصاد و التصنيع و العلوم والتكنولوجيات الحديثة الى رفع مستوى الوعي و الثقافة الاجتماعيتين ولكن حركة التاريخ في الكثير من المجتمعات اثبتت انه ليس بالضرورة ان يؤدي التطور الحاصل الى رفع مستويات الوعي و الثقافة الاجتماعيتين وهذا ما يمكن تلمسه بشكل ملحوظ في واقع العديد من المجتمعات العربية والشرق الاوسطية التي تحكمها انظمة حكم شمولية متخلفة حيث ماتزال اعادة انتاج القيم البالية في المجتمعات المشار اليها اعلاه تشكل ظاهرة تعرقل بشكل او بآخر عملية رفع مستوى الوعي و الثقافة الاجتماعيتين.اي ان تطور تلك المجتمعات النسبي في الميادين المشار اليها آنفاً لم تؤد بسبب انغلاق انظمة حكمها و حكامها الدكتاتوريين ،كما هو متوقع في سياق مفهوم التطور، الى زيادة وعي نسبة كبيرة من افرادها و مكوناتها الاجتماعية بحقيقة اوضاعهم الاجتماعية و السياسية و الاقتصادية و على الرغم من الانتشار النسبي لثقافة حقوق الانسان ونبذ العنف و قبول الآخر خلال العقدين الاخيرين من تاريخ تلك المجتمعات نتيجة تفتحها الجزئي والاجباري على الموجة العالمية الداعية الى تعزيز و ترسيخ حقوق الانسان و الديمقراطية من جهة، و تفعيل دور المنظمات الدولية و الناشطين المدنيين و المنظمات غير الحكومية و المدنية المعنية بنشر ثقافة حقوق الانسان و التسامح وقبول الآخر من جهة ثانية، مازال العنف و إقصاء الآخر باشكالها المختلفة تشكل اسلوباً او منهجاً يُلجأ اليه في حل الكثير من المسائل وبالتالي نرى ان ظاهرة غسل العار( جريمة غسل العار) مازالت سائدة في تلك المجتمعات بدرجات متفاوتة هنا وهناك كأحدى القيم الاجتماعية البالية التي تتغذى و تنمو بخلاف حركة التطور على جذورها الممتدة الى عصر البداوة و القبلية، وهذا يعني ان تلك المجتمعات ظلت تراوح في مكانها من حيث توليد قيم و مفاهيم جديدة تواكب حركتها التطورية مما ادى الى تدني او وقف نمو مستويات وعي افرادها في الكثير من المجالات بحيث ان ظاهرة قتل النساء بحجة حماية الشرف كقيمة اخلاقية مقدسة بات امراً مازال متبعاً من منظور المفاهيم البدوية او القبلية عينها.
في المجتمعات المشار اليها اعلاه والمتمسكة بشدة بعاداتها و تقاليدها الذكورية الموروثة، حيث الاوضاع الاقتصادية المتخلفة و العادات الاجتماعية و الدينية الموروثة و حيث القوانين و الاعراف تتهادن و تتواطأ مع قتلة النساء و تتزاوج مع تلك العادات و التقاليد التي تستبيح القتل بدافع غسل العار أو ماشابه ذلك من امور تبرر قتل النساء، تقل الوعي أو تنعدم بطبيعتها لدى افراد المجتمع و بالحصيلة تزداد نسبة الجرائم المرتكبة بذريعة غسل العار.
ولكن هل ان قتل النساء غسل عار أم وصمة عار في جبين الانظمة السياسية المتخلفة؟ وهل الرجال اقل عاراً في تلك المجتمعات ؟
اذا سلمنا بان هناك عاراً(كما تروج له الانظمة والاوساط الرجعية في المجتمعات المذكورة) ترتكبه النساء في تلك المجتمعات فمن الجدير السؤال عن دور الرجال في ارتكاب هذا العار. فلا شك بأنه اينما وجدت الفقر و البطالة و الاوضاع الاقتصادية السيئة و الازدياد غير المحسوب لنسبة السكان و الانظمة السياسية الدكتاتورية و غياب الحريات الديموقراطية والسياسية والشخصية....الخ،وجدت معه تدني نسبة الوعي و الثقافة الاجتماعيين وبالتالي تفشي حالات و ظواهر الانحراف الاجتماعي والسلوكي وارتفاعاً ملحوظاً في نسبة الجرائم.
فعندما يغيب الوعي أو يتدنى عند البشر يتم تقديس القيم والمفاهيم( ومنها الشرف)ويتحول التعامل معه من تعامل منطقي و واع الى تعامل غير منطقي وغير واع و يهجر المفهوم العقول الى مثلث الاجساد، و بالتالي يلتصق هذا المفهوم الاخلاقي، أو هذه القيمة الاجتماعية، فقط بجسد المرأة و بالتحديد بمفاتن انوثتها، وهنا تبدأ المأساة المسماة (بغسل العار) بالتزايد، لكون المساس بالمقدس لايمكنه ان يمر من دون عقاب شديد يصل احياناً كثيرة الى عقوبة الموت،بينما نرى ان عقوبة اللواطة (العار الرجولي اذا جاز لنا قول ذلك) في المجتمعات الذكورية ذاتها لم تكن تتعدى في تاريخها القديم بل وحتى الان في اغلب حالاتها عقوبة الجلد أو الحبس الخفيف و توجد مجتمعات حتى يومنا هذا زواج الغلمان لديها عادة (في بعض مشايخ و امارات الخليج مثلاً). فلكون المرأة، وذلك حسب القيم الذكورية المتسلطة في المجتمعات المتخلفة، هي التي تحمل (بل يتركز) في جسدها كل مفهوم الشرف (بتفسيرها البدوي و القبلي) بحيث تغدو لوحدها المسؤولة الوحيدة على حمايته امام العائلة والمجتمع، وعليه تقع على عاتقها ليس حماية شرفها (المزعوم حسب المنطق المذكور) لوحدها بل عليها حماية شرف النصف الاخر ايضاً من المجتمع، وتتجسد وظيفة النصف الذكوري فقط في أنتاج و اعادة انتاج مفاهيم و قيم المجتمع (من المنظور السابق نفسه في اغلب المجتمعات العربية و الشرق الاوسطية) بما فيها مفهوم الشرف ومحاسبة أو معاقبة المخالفين و المعارضين لهذه أو تلك من القيم و المفاهيم.وتكيفت المجتمعات في المناطق السالفة الذكر اعلاه على اعادة انتاج قيم و مفاهيم ماضيها البدوي و القبلي وغدت عملية قتل النساء بحجة غسل العارحتى في ايامنا هذه جريمة يُغض النظر عنها و قابلة للمساومة عليها بل و مبررة مسبقاً بحكم العادات والقيم الذكورية والشرعية المعاد انتاجها لتسود بقوة حتى في حاضر مجتمعاتها.
فهل جريمة قتل النساء غسل عار أم هي وصمة عار في جبين الانظمة السياسية المصرة على التخلف؟ أو لم يحن الاوان ليضع المجتمع الدولي حداً للجرائم التي تُرتكب يومياً هنا وهناك بحجة غسل العار؟ أو لم يحن الوقت لتفعيل جميع القوانين و الاتفاقيات و المعاهدات الدولية التي تحرم و تناهض جميع اشكال التمييز ضد المرأة؟ فلنوحد جميعاً افراداً و نشطاء مدنيين و منظمات مجتمع مدني جهودنا لرفع مكانة المرأة في مجتمعاتنا الرجولية و نصر باللجوء الى اساليب النضال المدني واللاعنفي الجماهيري على المطالبة بكامل حقوقها السياسية و الاقتصادية و المدنية و لنستمر بالضغط على انظمة و حكام المنطقة و ارغامها على تعديل القوانين التي تقلل من شأنها و تحرمها من المساواة مع الرجل و تستبيح قتلها بحجة الدفاع عن هذا المفهوم المتخلف للشرف.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تفاعلكم | تفاصيل مفجعة عن شبكة لاغتصاب الأطفال عبر تيك توك ف


.. دور قوى وجوهرى للمرأة في الكنيسة الإنجيلية.. تعرف عليه




.. اغنية بيروت


.. -الذهنية الذكورية تقصي النساء من التمثيل السياسي-




.. الحصار سياسة مدروسة هدفها الاستسلام وعدم الدفاع عن قضيتنا ال