الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحملة المطلبية المستمرة للاشخاص المعوقين في لبنان 4 - 6

عماد الدين رائف

2008 / 3 / 12
حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة


"نحو بيئة دامجة لا تهمّش أحداً" .. منذ الاجتماعات الأولى على كورنيش المنارة عام 1981 شعر الاشخاص المعوقون بحاجة ماسة إلى التجهيز الهندسي، فالبيئة غير المجهزة كانت عائقاً كبيراً يحد من حركة الأشخاص المعوقين ويمنع كثيرين منهم من الخروج من منزله، لكنهم كانوا تحت رحمة حرب أهلية مدمرة لم ترحم أحداً، بل كانت تزيد أعداد الأشخاص المعوقين بشكل يومي. لم يستطع الاتحاديون التحرك ضمن أطر الضغط المطلبي إبان الحرب، بل تركز سعيهم أثناءها إلى إيجاد السبل البسيطة من أجل تحركهم اليومي بما يضمن لهم التوجه إلى أماكن عملهم واجتماعاتهم الأسبوعية، ومع انتهاء الحرب الأهلية بدأ العمل المطلبي أثناء فترة إعادة الإعمار من دون ان يغفل الاتحاد التجهيز النموذجي لكثير من الأماكن العامة والمدارس والبيوت.
عام 1990، ومع توقف المدافع في حرب قذرة، كان لا بد للحكومة اللبنانية من القيام بإعادة إعمار ما تهدم خلالها، ومن العمل على تحديث القوانين. باشر اتحاد المقعدين اللبنانيين العمل على دمج الإعاقة بإعادة الإعمار من خلال مطالبة وزارة الأشغال ووزارة الشؤون الاجتماعية ورئاسة الحكومة بإيجاد معايير هندسية تتناسب وحاجات الأشخاص المعوقين، والمطالبة بقوانين دامجة في المجتمع. لم تلق هذه المطالبة إلا وعوداً بقيت حبراً على ورق، رغم الإتصالات والمقابلات التي استمرت حوالي ثلاث سنوات.

المنحدر.. المنعطف

قرر الاتحاديون انتزاع حق من حقوقهم بأيديهم، وتقديم نموذج لأول منحدر يستعمله الأشخاص المعوقون، ليعبروا من خلاله إلى معابر أخرى ترفع وتيرة مطالبتهم. اتخذوا الاجراءات القانونية المناسبة من بلدية بيروت ومن القوى الأمنية، فكان قرار تجهيز رصيف عين المريسة عام 1992. وهدف هذا التحرك إلى لفت الأنظار تجاه قضايا الإعاقة، فرصيف عين المريسة يشكل مقصداً للناس من كل حدب وصوب، لممارسة الرياضة الصباحية أو المسائية المجانية، ورمي همومهم اليومية على صفحة المياه.
تحرك كل من الزملاء عدنان أوزا، عبدالله بحلق، حسين جبر، فؤاد بدران، محمد علي حرب، إبراهيم حريبي، أمين ابراهيم، أسد حنون، حسن بحلق، علي الزين، وقاسم بحلق؛ شباب من عائلة الاتحاد قرروا كسر الرصيف بأيديهم من دون استخدام أي مساعدة خارجية، ليتساوى مع الأرض؛ وبذلك تتمكن كراسيهم وعكاكيزهم من العبور والوصول إلى الناحية الأخرى من الرصيف، كانت فرحتهم لا توصف وهم ينتزعون حقهم بالوصول إلى جميع الأماكن. وبحلول الساعة الرابعة من بعد الظهر، كانت المهمة قد أنجزت وأخذوا يجربون المنحدر بالكراسي المدولبة صعوداً ونزولاً واحداً تلو الآخر، يأخذون الصور الفوتوغرافيه ويحتفلون بـ "نصرهم العظيم". ومن دون سابق إنذار حضر إلى المكان عسكري بثياب مدنية أوقف سيارته أمام المنحدر ليفسد عليهم فرحتهم، طلب الشباب منه إبعاد السيارة بلطف بعد أن رأى أوراق الترخيص الذي ينص على منع وقوف السيارات أمام المنحدر، لم يبق هذا العسكري ساكناً فانهال عليهم بالضرب بقسوة حتى تناثرت الدماء في كل الأنحاء ومعها نظارات الزميل عبدالله بحلق، الذي كان يتطاير في الجو أثناء ضربه، حتى وصول عسكري آخر اقتاد الشباب إلى مخفر حبيش، حيث احتجزوا لتسع ساعات تحت التحقيق رغم نزف الدماء، وحاجتهم إلى عناية طبية. تسع ساعات قضوها بين محقق وآخر حتى وصول مسؤول المخفر الذي كان على علم بمهمة الشباب كونه أعطاهم الترخيص فاعتذر منهم وأفرج عنهم.
في صبيحة اليوم التالي، ورغم الأحداث التي مر بها الاتحاديون، أتى الافتتاح الرسمي للمنحدر برعاية وزيرالأشغال صبحي فاخوري، وبحضور حشد إعلامي كبير، وبحضور الوزير السابق بشارة مرهج. بعد ذلك الافتتاح، قامت الحكومة بتجهيز اثني عشر منحدر مطابق لمواصفات "منحدر الاتحاديين الملطخين بالدماء" على طول الرصيف نفسه، فكان ذلك المنحدر منعطفاً نحو بداية التغيير.

إيدي بإيدك

مع استمرار سياسة التهميش بحق الأشخاص المعوقين والتي ساهمت بشكل مباشر بإطلاق الأنشطة والحملات المطلبية بوتيرة صاخبة من قبل الجمعيات الحقوقية، وبالرغم من تقديم عدة دراسات إلى المعنيين، حول أوضاع المعوقين المأساوية نتيجة سياسة العزل التي تساهم في إفقارهم وبالتالي تساهم في زيادة ارتفاع مستوى الفقر والبطالة في لبنان، وبالرغم من التشاور مع الوزارات والنواب حول إيجاد قوانين دامجة للفئات المهمشة بالمجتمع في كافة القطاعات (التربية والتعليم، العمل، النقل العام، الاستشفاء،...) إلاّ أن كل تلك الجهود لم تلق أذاناً صاغية، فقررالاتحاد إطلاق حملة "إيدي بإيدك" المطلبية عام 1998 وذلك من خلال مؤتمر صحفي عقد في نقابة الصحافة. تهدف الحملة إلى تكريس وإقرار قانون خاص بأصحاب الحاجات الإضافية، وقد شارك بالحملة عدد كبير من الجمعيات المحلية والجمعيات العربية كاتحاد المعوقين الفلسطنيين، اتحاد المعوقين اليمنيين واتحاد المعوقين السوريين؛ كما شاركت بعض من الجمعيات الدولية من كوسوفو وكرواتيا، بالإضافة إلى المشاركة الإعلامية الجيدة في تغطية أنشطة الحملة من قبل كافة وسائل الإعلام المتنوعة، حيث ساهمت بنشر ثقافة الدمج.
استمرت الحملة 10 أيام تخللها عدة أنشطة وفي مناطق لبنانية وسورية مختلفة، ومن الأنشطة التي تختلف من منطقة إلى منطقة أخرى ندوات ثقافية، ورش عمل، إطلالات إعلامية، توزيع مناشير حقوقية وتعليقها على جدران بيروت والجنوب والبقاع، وبعض الأنشطة السياحية للوفود الأجنبية كما تخلل الحملة اعتصام في منطقة عين المريسة في ظل قانون يمنع التجمهر، رفعت خلاله العبارات المنددة بالسياسة المؤذية بحق الأشخاص المعوقين، وصدحت الحناجر بالأناشيد والاغاني السلمية المعبرة عن واقع الحال. كانت هذه الحملة مدخلاً إلى الحوار الجاد الذي نتج عنه بعد عامين إقرار قانون 220/2000 الخاص بالأشخاص المعوقين.

أوراق رسمت المسير

كان الاتحاديون قد تقدموا في حملة "إيدي بإيدك" عامي 1989 و1999، بأوراق لخصت واقع الأشخاص المعوقين من جهة وسعت نحو وضع القواعد القانونية الأولى لبيئة دامجة في لبنان. وقد أفاد القانون الذي صدر عام 2000 حاملاً الرقم 220، من هذه الأوراق بشكل رئيسي. الورقة الأولى تقدم بها الزميل الراحل محمد علي حرب تحت عنوان "دمج المعوق في المجتمع" وجاءت وفق محاور ثلاثة: نظرة المجتمع إلى الإعاقة، تأهيل المعوق للاندماج في المجتمع، وتأهيل المجتمع لتقبل الشخص المعوق وتشغيله وتوظيفه. وقد تضمنت هذه الورقة مقدمة في القوانين والتشريعات، نظرة الدين إلى الإعاقة، التربية، تطوير التقنيات وتخلف المفهوم، الهيئات السياسية وموضوع الإعاقة، المفهوم الفلسفي والإيديولوجي للإعاقة، أساليب بث المفهوم، نظرة الصناعيين للإعاقة، الهندسة والأشغال، الصحة، والمالية والجمارك. الورقة الثانية قدمها الزميل الراحل إبراهيم حريبي تحت عنوان "القطاع الأهلي: الهيئات المنبثقة عن الأشخاص المعوقين، والهيئات الأهلية غير الحكومية والقطاع الأهلي"، في دراسته الموجزة عرض حريبي لواقع المجتمع المدني، دوره، مشاكله، علاقته مع القطاع العام، ثم أفرد باباً لاقتراحات مستقبلية تنظم تفاعل هذا القطاع، واقتراحات عملية مباشرة لتنظيم التنسيق بين المنظمات المتخصصة. ثالث الأوراق تقدمت بها الزميلة سيلفانا اللقيس تحت عنوان: "الإعاقة: المشاكل والحاجات"، بعد تقديمها للدراسة الموجزة، عرضت اللقيس من خلال تجربتها الميدانية لمدة 11 عاماً لعدد من الإعاقات بغية التفريق بين حاجاتها ومشاكلها، تحت عناوين، شلل الأطفال، مرحلة الطفولة بعد الإصابة بالشلل، مرحلة الشباب، إصابات الحرب والحوادثن الطفل المصاب حديثاً، مرحلة الشباب، إصابات البتر، أمراض وراثية وعوارض مرضية. ثم تناولت التحليل الجغرافي لواقع الإعاقة الجسدية، الخدمات الصحية، والحلول المباشرة على مستوى القضايا المشتركة في المنطقة الواحدة، وكيفية تحققها تشريعياً وعملانياً. ثم انتقلت إلى عملية برمجة الخدمات على عدد من المستويات هي: التأمين الطبي، التأهيل الاجتماعي، التأهيل الثقافي التربوي، التأهيل المهني، التأهيل الرياضي، وختمت بالتخطيط المستقبلي.

إعمارٌ .. ليس للجميع

استمرت الحكومة في عملية الإعمار متجاهلة ملاحظة المعايير الهندسية الخاصة بالأشخاص المعوقين، رغم التواصل المستمر بين الاتحاد وبين الهيئات الرسمية والهيئات النقابية المعنية بالموضوع، وبقي كل شيء على حاله، فأصحاب الاحتياجات الإضافية عليهم دفع فاتورة الحرب بأجسادهم التي منعت حركتها القذائف، كما عليهم دفع فاتورة السلم بمنع اندماجهم في المجتمع نتيجة القرارات السياسية الـ "غير مسؤولة". كان الإعمار قد وصل إلى المدينة الرياضية، فقرر الاتحاديون إيقاف جريمة ترتكب بحق حوالي 10% من الشعب اللبناني، وتعيق وصولهم إلى كافة الأماكن الرسمية والغير رسمية، كونها غير مجهزة هندسياً لاستقبالهم، فأتى اختيار المدينة الرياضية مناسبة للاعتراض على رسم السياسات المعيقة لاندماجهم ولمشاركتهم الفعالة في بناء المجتمع.
كان عام 1993 زمن سياسة كبت الحريات والتعبير عن الرأي ومنع أي شكل من أشكال التجمع الشعبي، وكان القرارالاتحادي بكسرهذا الكبت وتحدي القرارالسياسي والنزول إلى الشارع للتجمهر أمام المدينة الرياضية وقطع الطريق بالكراسي المدولبة والأجساد المناضلة. حوالي 150 شخص قطعوا الطريق، وزعوا المناشير المطالبة بالحق في حياة كريمة تحميها القوانين، لم يسلم هذا التجمع من تهجم القوى الأمنية.. والأجهزة. إنقض رجال الأمن على رئيس الاتحاد المناضل الراحل محمد علي حرب، أرادوا زجه في إحدى آلياتهم العسكرية بطريقة غير أخلاقية، غير مبالين بجسده المتكي على عكازين، ثم أخذوا يدفعون بالناس أرضاً.
الصورة لا تغيب من أذهان كل من شارك في الاعتصام كان أمراً غريباً وفريداً من نوعه، رؤية أجساد غير قادرة على الحراك ممددة على الأرض، قابعة في مكانها إلى جانب كراس مدولبة اعترضت طريق الآليات العسكرية، مانعة بذلك اعتقال أي فرد من أفراد المجموعة المتضامنة. ارتفعت الأصوات المحقة الغاضبة، رافضة إخلاء المكان حتى يحضر وزير الداخلية ويستمع إلى كافة المطالب ببيئة مجهزة تحترم حاجات هذه الفئة المهمشة، وتسليمه ورقة بالمطالب المحقة المستندة إلى شرعة حقوق الإنسان. وقد عالجت ورقتهم حينذاك كيفية تجهيز الأماكن العامة لتكون متاحة للجميع.
انصاعت القوى الأمنية إلى المطالب ولم تستطع توقيف أحد من المتظاهرين، الذين أدهشوا مارة لم تعتد عيونهم رؤية أشخاص لديهم احتياجات إضافية معتصمين في الشارع، فتجمهروا بشكل كبير في المكان متعاطفين معهم. استمر الاعتصام حتى وصول مندوب وزير الداخلية الذي تسلم الوثيقة من المتظاهرين وتكلم معهم مطولاً، ووعدهم بمعالجة المشاكل المحقة في "القريب العاجل". وما يزال هذا "القريب العاجل" يتأرجح من وزير إلى آخر، ومن قرار سياسي إلى آخر، وما يزال أصحاب الحاجات الإضافية متأهبين للدفاع عن حقوقهم في أية لحظة ممكنة.

تجهيز وتجارب

إلى جانب السياسة المطلبية التي يتبعها الاتحاد، اتبع كذلك سياسة التجهيز الهندسي بهدف تقديمها كنماذج، تسهيلاً لإيجاد المعايير الهندسية الملائمة والدامجة لجميع الناس لدى تشريع القوانين. كما أنه كان السبّاق في تجهيز بعض الأماكن العامة من أرصفة، حدائق، بلديات، مدارس، جامعات، مدارس خاصة، مصارف، إن كان من ناحية تقديم الاستشارات أو من ناحية التنفيذ. وأماكن خاصة كمنازل أشخاص لديهم إعاقة من خلال تجهيزه لمصاعد خارجية، منحدرات، توسيع وحدات صحية. ومن الأماكن التي أشرف الاتحاد على تجهيزها نذكر ثانوية مشغرة، وذلك بالتعاون مع أهل البلدة من حيث الكلفة المادية واليد العاملة؛ المدرسة الرسمية في مشغرة، المدرسة الابتدائية الأولى في برالياس، المدرسة الرسمية في عرسال، ومدارس رسمية أخرى في بيروت. كذلك مبنى بلدية الحدت، منحدرات في حديقتها العامة، بالإضافة إلى تجهيز الأماكن التي تقام فيها الأنشطة الخاصة بالاتحاد، كالمخيمات الصيفية والندوات والاجتماعات. في نفس الإطار تم تجهيز مسرحي إسترال وبيريت في الجامعة اليسوعية مجمع العلوم السمعية والبصرية، والإشراف على تجهيز مجلس النواب أثناء انعقاد الندوة البرلمانية العربية الثانية لتشريعات الإعاقة، وتقديم الاستشارة أثناء تجهيز أرصفة سوليدير، وتجهيز أماكن عمل الأشخاص المعوقين بالتعاون مع أرباب العمل، كتجهيز جريدة الأخبار. كذلك من البديهي كان تجهيز جميع مكاتب الاتحاد ومشغل المجسمات الهندسية التابع له، وقد تمت هذه التجهيزات بدعم من جمعات دولية ومحلية، وقد أشرف على هذه التجهيزات فريق عمل متطوع من الاتحاد، نذكر منهم المهندس بشار عبد الصمد، المهندس رامي القيسي، والمهندسة بدرية جمعة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -اقطعوا العلاقات مع إسرائيل-.. طلاب يتظاهرون بجامعة غرناطة د


.. اليوم الجمعة.. دعم منتظر من الأمم المتحدة لمساعي فلسطين إلى




.. مشاهد لآلاف النازحين الغزّيين يتكدسون في دير البلح


.. طوابير ممتدة من النازحين في خان يونس




.. معاناة النازحين في رفح تستمر وسط معاناة إنسانية كبيرة