الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفساد بمجموعه ..آفة بمجمله والرشوة أم الشرور...

كريم جاسم الشريفي

2008 / 3 / 13
مواضيع وابحاث سياسية


التحولات الاجتماعية ،والاقتصادية ، والسياسية، والمالية ، والعسكرية .. تخلق فجوات تتباين وتختلف بالحجوم بتأثيراتها، قد تتسع هنا وتضيق هناك . لكن هي ثغرات وفجوات تحتاج الى ملئ إداري صحيح لمنع الانهيار .. بطبيعة الحال تفرز هذه الفجوات ظواهر وحالات سلبية وايجابية حسب طبيعة التحول وشكله ، والمجال الذي تحدثه من تغيير .. الفساد الأداري الذي احدثه الأحتلال في الظاهرة العراقية أكثر بل أغلب أوجهه سلبي خصوصاً في مجال الفساد الإداري والرشوة . توسعت هذه المظاهر واخذت في الأتساع افقياً وهرمياً لدرجة اصبحت اشكال الفساد ظواهر مختلفة الأشكال.. والرشوة تعددت أوجهها هي الأخرى لدرجة أصبحت سلوك ، وكسب ،وجاه لمزيد من الفساد والرشوة . وللأنصاف ان الفساد المالي تحديداً هو ليس مرهون بدولة أو ادارة أو مؤسسة بعينها محلياً ، أو اقليمياً ، بل هذه الظاهرة باتت عالمية . أما البيئة التي تساعد على ترويج الفساد هي الفجوات التي تصاحب التغييرات الدراماتيكية حصراً .أما أسباب تعاظم الفساد والرشوة هي :1- التغيير السياسي في المجتمع ، والتحول اللأمدروس الذي يصحب التغيير( في الأغلب يحدث مثل هذا التغيير في الأنظمة السياسية والعسكرية،والتوليتارية،والدكتاتورية التي تعتمد السرية لتسيهل علميات النهب للثروات . 2- ركود العلاقة بين الحاكم والمحكوم خصوصاً في المجتمعات المتخلفة اجتماعياً .3- التحولات التكنولوجيا التي حصلت بمنظومات الأدارة في المؤسسات المالية في المجتمعات المفتوحة نتيجة الرفاه والوفرة والتعليم. 4- التقدم التقني والمعلوماتي الذي ساهم بظهور بيئة غنية تعتمد عمليات حسابية تدور حول العالم لتدويّر مبالغ طائلة وتوزيعها على مختلف البنوك، خصوصاً التدوير الحاصل للثروات الشخصية للأغنياء. ان ظاهرة الفساد عالمية ولم تعد محلية أو اقليمية ، ألا ان من الصعب رصد وتعقب ومعرفة تفاصيل هذه الظاهرة ، رغم نشاطات المنظمات الدولية لمراقبة هذه الظواهر ، ومحاولة الحد منها على انها آفة يتم فيها هدراً كبيراً للمال العام . وقد تبنت مجموعة من المنظمات الحكومية والغير حكومية مراقبة ورصد هذه الظواهر لما فيها من خطورة على التمنية في المجتمعات ، لاسيما مجتمعات العالم الثالث ، ومن أبرز هذه المنظمات الأمم المتحدة ، منظمة الشفافية الدولية ، المنتدى الأقتصادي العالمي، والأنتربول ، ومنظمة التعاون الأقتصادي والتنمية ، وغرفة التجارة الدولية ، ومنظمة الدول الأمريكية. بالرغم من هذا الكم من الرقابة إلا أن الفساد مستمر . والحقيقة لم تعد مشكلة الفساد محصورة في دولة ،أو امارة أو مملكة ،او مجتمع بعينه بعيداً عن عالمية الظاهرة ، ان مشكلة الفساد ادرجت على انها مشكلة عالمية على اجندة الأمم المتحدة ، مثلها مثل المشاكل الأخرى التي تحتاج الى علاج . رغم ان المجتمع الدولي يمكنه أن يعاقب هذه الحكومة أو تلك اذا ماتمادت في الفساد أو تسترت عليه. لكن هناك مافيات من اللصوص ،والسماسرة ،والمرابين متخصصة وعلى دراية علمية وفنية بهذا النشاط ، بسبب الكسب السهل والأمشروع ، وأغلب هذه المافيات تتعامل للترويج لإيداعات الأغنياء من الرؤساء الذين استمرأوا النهب والسرقة والأستئثار بالثروات الطبيعية للشعوب وإيداعها عبر وسطاء لحسابهم أمثال تلك الشرائح الطفيلية التي اشرنا إليها . تقوم هذه الطفيليات من الوسطاء بغسيل الأموال لإضافة شرعية باهتة بعمليات احتيال وتلاعب. أن التدوير المالي يتم عبر شبكة اليكترونية من نظم لا تُفصح عن مصادر ومنابع التدوير المالي في البنوك ، بسبب حرية الأيداع وحقوق السرية للمودع . هذه السرية تساعد على فرص الفساد وبالتالي يتعذر السيطرة على الاحتيال. أما الأهم من ترويج الفساد والتعاطي معه هي عمليات تقديم الرشى في المعاملات المالية والتجارية . والغريب ان بعض الشركات والبنوك التي تتعاطى مع المجال المالي في الدول المتقدمة تسمح في تقديم الرشوة في تعاملها ، وتعتبر تلك الشركات على ان الرشوة جزء من نفقات المشروعات ،وهذه الظاهرة ساعدت على ممارسة خطيرة لتشجيع الحكام في العالم الثالث ليسرقوا في شرعية اكثر وأكثر . بدليل ان منظمة التعاون والتنمية الأقتصادية أقرت توصية للدول الأعضاء تقول بها (يجب مكافحة تقديم الرشاوى للمسئولين في المواقع العامة). كذلك القانون الأمريكي يُحرم التعاطي بالرشى ، بينما شركات الأعمال الأمريكية التي تعمل بالخارج تفرط في استخدام الرشوة وتقديمها للزبائن لتسهيل أعمالهم . بسبب هذا القانون الذي يحرم التعاطي بالرشوة في الولايات المتحدة الأمريكية ادى الى خسارة في الشركات بين عام 1994-1995 الى 11 مليار دولار ، وتأثرت 60% من الشركات الأمريكية بهذا القرار، وتقلصت قدراتها التنافسية نتيجة تطبيق هذا القانون . والحقيقة الأخرى هي ان الشركات تفضل التعامل مع الأنظمة الشمولية بهذا المضمار ،لأنه في الغالب قادتها من الطغاة وفيها أنظمة غير ديمقراطية ، يبقى فيها الرؤساء مدد طويلة وبالتالي يسهل كتمان التدوير المالي معهم أمثال (ماركوس في الفلبين، وموبوتو في دولة زائير ، وصدام في العراق.. وعيدي أمين في اوغندا ، ومصر والقائمة طويلة ..) . اضافة الى كل ذلك توجد بعض الدول اصدرت تشريعات تساعد وتشجع على عمليات الفساد المالي مثل - جزر سيشيل- أصدرت الحكومة قانون عام 2000 يعطي الحصانةو للذين يستثمرون أكثر من عشرة ملايين دولار ضد أي مخالفات جنائية، وان هذا القانون لا يتغيّر إلا باستفتاء شعبي أو تعديل دستوري ، هذا القانون يعتبر غطاء ودعوة الى عمليات غسيل الأموال لزعماء وعصابات في جزر سيشيل والعالم. رغم احتجاج المجتمع الدولي على هذا التشريع إلا أن الدولة لم تلغي القانون . ان مستويات الرشى مهما كانت مختلفة إلا انها لاتتقاطع عند أي منعطف في عمليات ادارة الصفقات التجارية لانها الحاضنة الرئيسية التي تساعد على تشجيع منح الرشى لتضفي مشروعية . عندما يكون المسؤول في السلطة ،هو الوحيد الذي يستطيع توزيع المنفعة . عندها تكثر حوافز الرشوة . والشركات الخاصة دائماً على استعداد للدفع مقابل الحصول على العقود مع المسؤول . بعض الدراسات بهذا المجال تشير إلى ان مبالغ بقيمة 4,5 مليار دولار دُفعت سنوياً كرشاوى من قبل الشركات الى مسئولين في البلدان النامية. أما في بلدنا العراق توجد شهية بلا كابح ولا رادع للتعامل بالرشوة رغم النصوص الدينية والقرآنية التي تؤكد حرمة الرشوة . بالحقيقة الفساد انتشر بشكل مخيف بفوضى التغيير الذي حصل لنا . لدرجة تشكلت إخطبوطات وجحافل من المرابين وعلى مستويات مهمة في هرم الدولة ، خصوصاً هؤلاء المسئولين عن التعاقد التجاري ، والعسكري ،والاقتصادي مع الشركات المحلية والعالمية ، وإننا نسمع يومياً أرقاماً فلكية في هدر المال العام ، ومن لجنان متخصصة لرصد الهدر ، إضافة الى التصنيف العالمي لدرجات الفساد في الدول ، حيث كان العراق في آخر القائمة للدول التي تتعامل بالرشوة . أما على الأرض من كثرتها لا يمكن رصدها وتعقبها. الغريب ان بعض المؤسسات التي لا يمكن حدوث الفساد بها ولا الرشوة اصبحت مرتعاً لها مثل مجالس القضاة ، ولجان النزاهة ، والرقابة المالية وغيرها التي يفترض أن تكون بمنأى ومنعة عن هذه الأمراض. رأينا خروقات مسجلة من الفساد والرشوة في تلك المؤسسات . أما مؤسسات الشرطة ،والدوائر الخدمية ومؤسسات الصحة والتجارة فيها من العجائب بالفساد والرشوة والمحسوبية . أن هذه الظواهر تدلل على انهيار مجتمعي وأخلاقي نمر به .يبدوا ان حواضن الفساد منتشرة أفقيا في مفاصل المجتمع ،لذلك نحتاج الى جموع وطنية نزيهة حقاً لتجاوز هذه الظواهر ليتعافى مجتمعنا من تلك الأمراض. علينا ان نكون جديين بمعالجة هذه الآفة وإتباع ما يلي:1- ينبغي أن تخضع جميع النشاطات والأعمال الحكومية للمساءلة والشفافية والمراقبة الشعبية ، وشبه الرسمية .2 إجراءات رادعة بحق كل من يثبت تورطه وإدانته بالرشوة والفساد لغرض محاسبته ومقاضاته للحّد من هذه الظاهرة .3- المشاركة من قبل المواطنين بالإبلاغ عن أي حالة فساد وعدم التستر عليها.4- إعطاء دور مهم لمنظمات المجتمع المدني على إنها منظمات رقابية لفضح المفسدين وتضييق الخناق عليهم. رغم ان ظاهرة الفساد لم تكن وليدة اليوم ، حيث كانت لها حواضن ودوائر في زمن البعث البائد وهي من مخلفاته ، رغم ادعائه بمحاربة المفسدين ، لكنه كان يمارسها ويعرف الكثير من بطانته وحزبييه يمارسونها امثال رجال المخابرات ، والوزراء ،ورجال الأمن . ونشرت الصحف العالمية أبان نظام البعث فضائح كثيرة من ممارسات الرش وبالمليارات خصوصا أثناء الحصار على النظام وكانت تتم هذه الفضائح تحت برنامج (النفط مقابل الغذاء) الذي شرعنة الرشوة، واتُهم الكثير من شخصيات وأحزاب ،وحكومات بتورطهم بالمال الحرام الذي سرقوه من قوت الشعب العراقي.وابرز شخصية كان ابن الأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان المتورط بكوبونات النفط. كانت ولازالت العائلية والمحسوبية والو لاءات هي الأداة الفاسدة لمرتع الفساد والرشوة وانتشارها خصوصاً بعد ان تلاشت نظم السيطرة والمساءلة، مما ساعد ذلك على انكماش الاقتصاد الذي أدى الى تدهور مستويات المعيشة للمواطنين. ان الفساد إخطبوط مؤذي أدى الى انهيار حكومات وسقوطها في المجتمعات الديمقراطية ،حيث تضغط وسائل الأعلام ومنظمات المجتمع المدني على المرتشي اذا كان في مواقع المسؤولية الأولى للدولة بعد تسليط الأضواء من قبل الأعلام على هذه الفضائح من الفساد لتُسقط تلك الحكومات المرتشية مثلما حدث في دولة الأكوادور ، والبرازيل،ايطاليا، والهند ، وكذلك فُصل مسئولين كبار من وظائفهم في الصين ، والمكسيك ،واكراينا. المهم أن لا ندع ظاهر الفساد تتناسل وتتكاثر أكثر مما هي عليه في بلدنا، وعلينا محاربة الفساد الإداري والمالي الجديد الذي أفرزه التغيير السياسي بعد الاحتلال .إن أعداد كثيرة من المرضى استسهلت طريق الفساد والرشوة ومارسته سلوكاً للاستئثار بجمع الثروة عن طرق غير مشروعة . مسؤولية القضاء على الرشوة هي مسؤولية الجميع بلا استثناء وإلا الكارثة قادمة بشقيها المجتمعي والأخلاقي.
كريم جاسم الشريفي
4/3/2008








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. السودان الآن مع عماد حسن|فيديوهات مرعبة! هل انتقلت البلاد إل


.. مصابون في قصف من مسيّرة إسرائيلية غرب رفح




.. سحب لقاح أسترازينكا من جميع أنحاء العالم.. والشركة تبرر: الأ


.. اللجنة الدولية للصليب الأحمر: اجتياح رفح سيؤدي لنتائج كارثية




.. نائبة جمهورية تسعى للإطاحة برئيس -النواب الأميركي-.. وديمقرا