الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


على اعتاب السنة السادسة

طلال احمد سعيد

2008 / 3 / 14
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


اعتصرت الشعوب تجاربها وهي تسعى بشوق نحو اقامة انظمة ديمقراطية تحقق لها السيادة والعدالة الاجتماعية والحرية وتؤمن لها الرخاء الاقتصادي , وقد توفرت للكثير من تلك الشعوب الفرصة لنيل هذا النوع من الحكم , الذي حقق لها المزيد من الرفاه والتقدم .
يقول جان جاك روسو عن الديمقراطية انها نظام من الحكم يمارس فيه المواطنون جميعا السلطة التنفيذية , مثلما يمارسون السلطة التشريعية , وهنا تجتمع السلطتان التنفيذية والتشريعية في يد الجميع . عند الكلام عن الديمقراطية يثار جدل واسع في العراق حول ما تحقق لمصلحة الشعب بعد هذه السنوات التي اعقبت السقوط وهو يرفع راية الديمقراطية .
قبل ايام كنت اشاهد احدى الفضائيات , وظهرت ناشطة سياسية عربية تساألت : -
هل تريدون منا ان نكون مثل باكستان وايران والعراق ؟ .. هذا التساؤل يعني بالضبط ان العراق صارمثالا يضرب به للتعبير عن التردي الذي الت اليه الامور , ولا شك ان هذا التردي هو حصاد السنوات الخمس المنصرمة من عمر الدولة , فضلا من ان بعضه كان من مخلفات الحكم السابق . بيد ان الوضع الجديد عكس اخفاقا مذهلا في صياغة عقد اجتماعي يخلق امكانية تعايش قائم على مباديء الحرية والسلام والتضامن لمختلف مكونات المجتمع العراقي الدينية والطائفية والعرقية , ويقيني ان من يتحمل المسؤولية هنا هي النخب الحاكمة , التي عجزت عن بلورة صيغة وطنية ديمقراطية جامعة توحد هذا الشعب وتضعه على الطريق الصحيح الذي ناضلت من اجله طلائعة من الرجال والنساء في فترة الثلاثينات والاربعينيات والخمسينيات وقدمت التضحيات عبر تلك السنين خلال كفاح سياسي متواصل ومرير .
تنقضي بعد اسابيع سنوات خمس على عملية التغيير , ونحن على اعتاب السنة السادسة , ولا يوجد ما يلوح في الافق بما يبشر بانفراج ازمات البلاد المتشابكة , وذلك في غياب ستراتيجية محددة للدولة العراقية الجديدة يمكن ان ترسم خطوطا عريضة لمساراتها وقوانينها , تمكن المواطن من التعرف على مستقبل البلاد السياسي والاقتصادي والاجتماعي والفكري . ان الحقائق لم تزكي السياسة المطبقة في البلاد , والتي ارتكزت في جوهرها على النهج الطائفي الذي هو من دون شك احدى مخاضات الاسلام السياسي .
العملية السياسية في العراق اختزلت القضية الوطنية , وحولتها الى مشروع خاص للسلطة الحاكمة , وبالنتيجة فقد تم ابتلاع الدولة من قبل الاحزاب التي سيطرت على الحكم ضمن مارثون سياسي قرره الامريكان , كي يعلنوا بانهم حققوا في العراق ماكانوا يهدفون اليه من حملتهم وهي اقامة نظام ديمقراطي , وكجزء من العملية تمت كتابة الدستور بنفس الطريقة , فكتب من قبل نفس الاحزاب وبنفس العقلية , وظهر على شكل صفقات لترضية كل الاطراف التي ساهمت او شاركت في كتابته , وعلى سبيل المثال فانه ينص بما يفيد ان دولة العراق هي دولة دينية , وبنفس الوقت ينص بما يفيد انها دولة ديمقراطية , من هنا بدأ التناقض واضفى على الدستور ضبابية .
العراق عندما انتقل من حكم ديكتاتوري الى حكم ديمقراطي اصبح الاعلان عن فلسفة الحكم وهويته من اهم مستلزمات التغيير , هذه الفلسفة والهوية تاهت وسط موجة عاتية من الاحتقانات الطائفية والمذهبية , التي وضعت البلاد على حافة الحرب الاهلية , وهي معرضه الان اكثر من اي وقت مضى الى التفتيت والتقسيم . لقد فقدت الدولة ومؤسساتها كل كياناتها في ظل الاستقطاب الطائفي , الذي صار البديل الواقعي عن الدولة كمؤسسة حديثة , وكأ ن البلاد اتجهت لتعيش في غيبوبة العقل , وتراجع الوعي الاجتماعي , واندحار الارادة الحرة , وتحول العراق اليوم الى احزمة فقر وخراب تطوق مدنه , وسط اكوام من الانقاض والخرائب والافواه الجائعة .وقد بات الرفض الشعبي لهذه السياسة واضحا ومتعاظما يوما بعد اخر وهو يتمثل بالدعوة للتمسك بالوحدة الوطنية , واقامة نظام الحكم المدني , والعمل بجد لابعاد الدين السياسة .
المتتبع للشأن العراقي لفترة ما بعد السقوط يخرج بحصيلة مخيبة للامال تبعث على الالم , فالبلاد تعيش في فوضى عارمة , هذه الفوضى تتمثل في عدم التجانس في عمل المسؤولين الحكوميين , فالحكومة تفتقد الى صفة الفريق الواحد , الذي يعمل وفق برنامج محدد ومعلوم ومعلن , وقد اصبح من المؤكد ان الكثيرمن المشاكل لم تجد طريقها الى الحل , انما تحولت الى عناوين دائمية يجري التداول بشأنها بين المواطنين وبلا انقطاع , وبامكاننا ان نتطرق هنا الى البعض منها :-
• المشكلة الاقتصادية المتمثلة في البطالة , وارتفاع الاسعار , وتوقف الانتاج المحلي والدمار الذي لحق بالقطاعين الصناعي والزراعي جراء غياب التخطيط , وكثرة العطل والتعطل التي شلت النشاط الاقتصادي , وقد اصبح العراق مضرب الامثال في كثرة العطل بسبب الانشغال في المواكب والمناسبات العديدة .

• الخدمات التي هي من اهم واجبات الدولة تجاه مواطنين نجدها في تراجع مستمر , ولا نعلم متى سينعم هذا الشعب بنعمة الكهرباء التي غابت منذ ما يقرب من عقدين من الزمن , هذا فضلا عن مشكلة الماء والمجاري , ومشكلة الخدمات الصحية , وتأهيل المستشفيات والمستوصفات والمراكز الطبية , ولعل الكلام يطول لو تطرقنا الى مشكلة الوقود المتفاقمة مثل النفط والغاز وزيت الغاز , وغيره .

• مشكلة المهاجرين دخلت القاموس السياسي العراقي كواحدة من اخطر المشاكل التي تهدد مستقبل الامة العراقية برمتها , والتي سيصعب حلها كلما مر المزيد من الوقت , والمعروف ان ملايين العراقيين كانوا قد تركوا البلاد اثناء الحكم الصدامي هربا من الاضطهاد السياسي والحروب والحصار والوضع الاقتصادي المتدهور , وكان المتوقع ان يعود الكثير من هؤلاء بعد سقوط النظام , الا ان المؤسف هو حصول العكس حيث اتسعت الهجرة بسبب اضطراب الاوضاع وانتشار الجريمة وتفشي الاحتراب الطائفي .

• مشكلة المرأة العراقية التي تعاني من طوق الاضطهاد ومعول العنف , يحيق بها بدأ من المنزل وامتدادا الى الشارع والمدرسة ومكان العمل , مع اتساع الحجاب بطريقة الاكراه وكانه تعبير رمزي للعودة الى الماضي , ولا شك ان ثقافة الدولة الحالية ماضية في هذا التوجه والا كيف نفسر سكوت السلطات عن جرائم القتل التي ترتكب بحق النساء . اننا لا نشك بان المشرع الذي كتب المادة (41 ) من الدستور ليس بعيدا عن مثل هذه المواقف المجافية لحقوق المرأة العراقية .

• اعادة اعمار البلاد , العملية التي تاخرت كثيرا وقيل في حينه ان السبب هو الارهاب , وقلنا ان هناك مناطق كثيرة في العراق امنة فلماذا لم تباشر عملية الاعمار فيها ,كي تكون رمزا للسلام والتآخي بين المواطنين , ولاشك ان المسألة المرتبطة بشكل وثيق مع عملية الاعمار هي مسألة الفساد المالي والاداري التي ازدادت هي الاخرى , ولم نسمع حتى الان ان مسؤولا قدم للقضاء ونال جزاؤه بسبب قضية تتعلق بالفساد , الامر الذي جعل انتشار الرشوة وسرقة المال العام شبه علنية تمارس في وضح النهار .

في الامكان المضي و التطرق الى كثير من المشاكل التي تبرز على السطح , والتي تؤكد بأن البلاد لم تحرز تقدما بعد انقضاء هذه المدة على سقوط حكم البعث الامر الذي يستدعي بالضرورة اعادة النظر في العملية السياسية , وايجاد السبل لوضع البلاد في المسار الصحيح , وهنا يأتي دور القوى الديمقراطية والتقدمية في الاستجابة لرغبات الشعب في احلال مبدا المواطنة وسيادة القانون وانتزاع السلاح من الميليشيات والافراد , والوقوف بحزم ضد مشاريع التجزئة والتقسيم تحت اية لافتة وكذلك ينبغي العمل على اشاعة التقاليد الحضارية وازالة مظاهر التخلف ونشر القيم الثقافية والعلمية الحديثة ورفض ثقافة العودة الى الماضي .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تحذير دولي من كارثة إنسانية في مدينة الفاشر في السودان


.. أوكرانيا تنفذ أكبر هجوم بالمسيرات على مناطق روسية مختلفة




.. -نحن ممتنون لكم-.. سيناتور أسترالي يعلن دعم احتجاج الطلاب نص


.. ما قواعد المعركة التي رسخها الناطق باسم القسام في خطابه الأخ




.. صور أقمار صناعية تظهر تمهيد طرق إمداد لوجستي إسرائيلية لمعبر