الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحزب الشيوعي العراقي والمعاهدة - (2 من 2) المطالبة بإجماع وطني على بياض!

صائب خليل

2008 / 3 / 14
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


عبر عنوان افتتاحية طريق الشعب الموسومة: " نحو إجماع وطني لإستعادة السيادة الكاملة " عن الثيمة الأساسية في موقف الحزب الشيوعي العراقي من المعاهدة الجاري التفاوض بشأنها الآن. ويتلخص الموقف في الدعوة الى مساندة الحكومة بـ "إجماع وطني" لتقوية موقفها التفاوضي: " فإننا ندرك ان المصالح الوطنية التي يمكن تحقيقها من خلال هذا الاعلان، والمفاوضات اللاحقة مع الطرف الأمريكي، مرهونة إلى حد بعيد بقوة الموقف التفاوضي للطرف العراقي، وبمدى نجاح الحكومة العراقية في تهيئة مستلزمات تحقيق اجماع وطني تستند عليه في مفاوضاتها القادمة."
وتكررت نفس الكلمات تقريباً في طريق الشعب العدد 125الأحد 17/2/2008
"إننا ندرك ان المصالح الوطنية التي يمكن تحقيقها من خلال الاعلان المذكور، والمفاوضات التي ستبدأ قريبا مع الطرف الأمريكي، مرهونة إلى حد بعيد بقوة الموقف التفاوضي للطرف العراقي، وبمدى نجاح الحكومة العراقية في تهيئة مستلزمات تحقيق اجماع وطني تستند عليه في مفاوضاتها القادمة."

بدأً، إذا افترضنا ان "الإجماع الوطني" المطلوب لايقتصر على قادة الكتل السياسية دون الشعب، فدعوة الشعب الى السير بما تراه الحكومة دعوة مقلوبة، ففي العادة تطالب الحكومة الإمتثال لرأي الشعب الذي يفترض انها تمثله، إلا إذا اتبعنا مبدأ "نحن نعرف افضل منكم". الشيء الطبيعي ان تستفتي الحكومة رأي الشعب كأن تدعو الكتل الممثلة له لإبداء رأي ناخبيهم، ويتم التوصل بعد اخذ ورد، بين تلك الكتل وبعضها, وبين كل كتلة وناخبيها، الى الرأي الشعبي الذي يفترض بالحكومة الديمقراطية ان تسعى الى تنفيذه.

وثانياً، ان الحزب يدعو الى "إجماع وطني" دون تحديد اية اهداف واضحة لهذا الإجماع اكثر من انه لمساندة الحكومة ودعم موقفها التفاوضي، ناسياً ان الشعب ليست لديه فكرة عن "موقفها التفاوضي" هذا، والذي كونته الحكومة وناقشته في الغرف الخلفية. هل يعرف الناس، بل هل لدى الحزب الشيوعي نفسه، صورة واضحة عن الفرق بين "الموقف التفاوضي" للحكومة و "الموقف التفاوضي" للأمريكان؟ اخبرونا ان كنتم تعرفون، إلا إذا اردتم "إجماعاً وطنياً قطيعياً" يسير منسجماً دون ان يدري الى اين؟ تطالبون الحكومة بالشفافية ومصارحة الشعب والحوار معه، لكنكم تطلبون من الشعب الدعم المسبق، اليست هذه الدنيا معكوسة؟ الا يفترض ان تبدأ الشفافية لكي يرى الشعب ما يعرض عليه ثم يقرر ان يدعم ام يعارض؟
ولو ان الحزب، من خلال مناقشات حزبية وجماهيرية وإعلامية، وضع قائمة شروط وحدود للتفاوض وحصل من الحكومة على تعهدات بعدم تجاوزها و ونقاطاً حصل من الحكومة على تعهد بإشتراطها، لربما امكن دعوة الشعب والكتل الى "الإجماع" لغرض تحقيق هذه النقاط، رغم عدم وجود الآليات لضمان تنفيذ الأمريكان لها حتى إن وقعوا عليها. إنما "إجماع وطني" و "على بياض"؟ أمر غريب!

وثالثا الحزب يدعو هنا الى المستحيل، والسبب هو الموقف الشعبي المعارض الواضح من المعاهدة. لم يهتم احد بسؤال الشعب لنعرف رأيه بالأرقام، لكن هناك مؤشرات هامة. فقد اعترفت الحكومة ضمنياً بالموقف الشعبي المعادي للمعاهدة حين وقعت "إعلان" تلك المعاهدة وراء الكواليس، ثم اعترفت به تكراراً حين اكثرت الكلام عن كون الإعلان "غير ملزم" ولا حاجة بتمريره على البرلمان. وجاءت تصريحات عديدة عن توجس رد الفعل الشعبي من سياسيين امريكان وعراقيين ربما كان اطرفها دعوة النائب الكردي محمود عثمان الى اكمال الصفقة ثم عرضها على البرلمان خشية من استشراء "ثقافة الرد والرد المعاكس"، وهو التعبير الذي اخترعه عثمان للمشاركة الشعبية في النقاش حول قضاياه المصيرية.
يدل على لاشعبية مشروع المعاهدة ايضاً اسلوب اللف والدوران والمراوغات الكلامية واحياناً الكذب المباشر في الدفاع عنها، كما بينت في عدة مقالات سابقة (1 الى 8), والأسلوب الخجول المرتبك والكلمات الفارغة من المعنى السياسي، عند الحديث عن مزاياها وضرورتها من قبل الساسة العراقيين، ومحاولات ربطها بشكل إعتباطي بإستعادة السيادة وعدم التدخل وربطها بـ "تحرير" العراق من البند السابع. كل تلك مؤشرات واضحة على حيرة هؤلاء السياسيين في كيفية اقناع جمهور معارض، بل مشمئز من معاهدة الصداقة المفروضة عليه، فكيف إذن تطمح الى "إجماع وطني" على شيء يكاد يكون هناك "إجماع شعبي" على رفضه؟ أكاد اقول انها حيلة لإيهام الرافضين ان الأغلبية تقف في الجانب الموافق وان لاجدوى من المعارضة، فانظموا الينا لنحقق "الإجماع"!

أن الإصرار على الدفاع عن الخطأ يقود الى الإحراج والمغالطة، وهذه المعاهدة التي لم تجد سوى المغالطات المحرجة للدفاع عنها، غنية بالأمثلة المحرجة لأصحابها. فكما لم يجد وزير الخارجية مثالاً يبرهن لنا به على ضرورة تواجد القوات الأمريكية لحمايتنا من "الخطر الخارجي" سوى مثال التحشد العسكري التركي (6 )، الذي برهن في الواقع عدم فائدة، بل ضرر هؤلاء الحماة، حاول كاتب شيوعي اكن له الإحترام، الدفاع عن موقف حزبه وتبيان العلاقة الجدلية بين "الإجماع الوطني" والسيادة فلم يجد مثالاً سوى ثورة العشرين فكتب: "وهنا بوسع الجميع ان يقرأ صفحات التاريخ التي سجلها حول العوامل الاساسية ( لثورة العشرين ) المجيدة ، فيجد امامه سطورا كتبت بفخر وببسالة نادرة من قبل اجماعا وطنيا راقي المقام ، فهذا الاتحاد كان لم يحصل لولا ترابطه الوثيق مع الكفاح من اجل السيادة الوطنية."
فكأن "الإجماع" المعارض للإحتلال الذي يهدف الى ثورة هو نفس الإجماع الذي يهدف الى تأييد حكومة في تفاوضها مع المحتل، وما دام الأول ادى الى السيادة فلا بد ان يؤدي الثاني اليها ايضاً. فوفق هذا المنطق كل "الإجماعات" تؤدي الى نفس النتيجة، وكل من يسير يصل الى نفس المكان، بغض النظر عن الإتجاه!

المنطق السليم ان تحقيق الجماهير لمطاليبها يأتي من السير باتجاه تلك المطاليب سواء مع الحكومة او بالضد منها، وليس من "الإجماع" على دعم الحكومة قبل الإقتناع باتجاهها. لقد اوقفت إعتراضات الجماهير ومجابهتها لخطط هذه الحكومة، اقرار قانون النفط سيء الصيت، فهل كان هذا سيحدث لو ان الجماهير لجأت الى "الإجماع الوطني" لدعم الحكومة في إقرار القانون الذي كتبته الشركات ووافقت عليه الحكومة؟ هنا ايضاً في موضوع النفط لايعلم الشعب حتى اليوم ما هو الفرق بين موقف الحكومة وموقف الشركات، لكنه يعلم جيداً, وبفضل جهود بعض ابنائه المخلصين، الفرق بين شكل القانون الذي يناسبه من جهة وبين الشكل الذي تريده الحكومة والشركات من الجهة الأخرى، وعرف الفرق بين "عقود الخدمات" و "مشاركة الإنتاج"، وايهما يعتبر مكسباً والآخر هزيمة بالنسبة له.

ليس من الواضح كيف يمكن "للإجماع الوطني" المؤيد لتفاوض الحكومة، ان يزيد فرص الحصول على السيادة. فالإجماع الوطني دعم للمفاوض يساعده على تمشية ما يريد، سواء كانت ارادته معبرة عن مطامح الشعب او مطامحه الشخصية او حتى مخاوفه أو الضغوط المسلطة عليه حين لايكون هناك ضغط مقابل. لذا فأن هذا "الإجماع الوطني" على دعم مسبق لايعرف هدفه، يضع مصير البلاد في كف عفريت.
لكن بالمقابل، يمكن بسهولة تصور ان العكس قد يساعد في دفع تلك المفاوضات باتجاه السيادة او التقليل من الكارثة التي تهدد بها هذه "الصداقة"، اي ان يكون هناك ضغط وطني قوي ضد المعاهدة وان يعبر هذا الضغط عن نفسه بمختلف الطرق من كتابات ومواقف سياسية وتظاهرات. وعندها سيمكن للمفاوض الحكومي ان يقول للأمريكان: انظروا...لا استطيع ان اقدم اكثر من هذا...لو اني فعلت اكتسحتني المعارضة، وتخسرون انتم ايضاً.
والحقيقة فان هذا هو الدور الأساسي والطبيعي الذي تلعبه عادة المعارضة اليسارية في الدول الديمقراطية الرأسمالية فتحد من تنازلات حكوماتها لجشع الشركات, وخير من كان يمكن ان يقوم بهذا الدور الشعبي الضاغط في العراق هو الحزب الشيوعي في موقعه الطبيعي في المعارضة، ولو كان لحسبت له الحكومة والأمريكان الف حساب ليس في موضوع المعاهدة فقط وانما في قانون النفط وغيره من القوانين اللاشعبية، لأن الخشية من جماهيرية من يفترض انه خصمهم الكلاسيكي ستجبرهم على تقديم التنازلات لتجنبها. انه سيناريو يعرفه الجميع جيداً.

لكن الحزب الشيوعي العراقي قرر للأسف ان لايكون موجوداً في المكان الطبيعي المنتظر منه في احلك فترة للعراق، واختار طريق المجاملة وارضاء الجميع، ووقف في الصورة وراء احد اكثر السياسيين العراقيين فضائحية وشبهة، واتخذ تكراراً مواقف هلامية متهربة وانتظارية ولم يهتم إطلاقاً لصورته لدى من علق عليه الآمال والتي اختفت في الضباب المتزايد الذي خلقته قراراته وتبريراتها، حتى اختتمها بموقفه المثير للتساؤل من هذه المعاهدة واختلط مع الحائرين في الدفاع عنها متجاهلاً ً مشاعر العراقيين تجاهها واشمئزازهم من هذا "الصديق" الكريه الذي ينوي البقاء طويلاً فوق ظهورهم. أما الوعود بـ "السيادة الكاملة" و"عدم التدخل" و"حماية الديمقراطية" و"المصالح المشتركة" فستكون أحلام لا اجد معبراً عنها خير من ما كتب آرا خاجادور:
"هل سمعتم على مدى التاريخ البشري يوماً أن محتلاً خرج أو طـُرد بالمذكرات "البلاغية" بما فيها مذكرات الاحتجاج الصادقة النوايا (....) هل سمعتم أن محتلاً وفي ظل إحتلاله وقع معاهدة تضمن مصالح الطرف الأضعف في المعادلة؟" (*).

ما اراه قادماً،إن مرت هذه المعاهدة، ليس "إجماعاً وطنياً" وحكومة شعبية ديمقراطية وسيادة، بل انفصال حاد للحكومة عن ارادة الشعب وسيجد الحكام انفسهم في واد مع الإحتلال، والشعب في واد اخر، وستستعمل القوات الأميركية "صلاحياتها" التي تقدمها لها المعاهدة في الدفاع عن الديمقراطية في حماية الحكومة من الديمقراطية بدلاً من حماية الديمقراطية وستندفع الحكومة، رضيت ام لم ترض، خاصة بعد ان تتم تصفية وابعاد بعض العناصر المشاغبة منها، الى وضع كلاسيكي لحكومة عميلة. ما هو ضمانكم ان الأمور لن تسير بهذه الإتجاه؟


مقالات اخرى للكاتب عن المعاهدة:

(1) الحزب الشيوعي العراقي والمعاهدة - مفاهيم مشوشة (1 من 2)
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=128021

(2) كيف يمكن لمفاوضينا صياغة معاهدة تستعيد السيادة الكاملة؟
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=127670

(3) كيف دافع المؤيدين الخجولين عن معاهدة مخجلة؟
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=127163

(4) معاهدة لاتجد ما يدافع عنها سوى الكذب- تآمر لشلّ ديمقراطية البلدين
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=126518

(5) بوش والمالكي: معاهدة من وراء شعبيهما
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=125737

(6) الإتفاقية الأمريكية العراقية: وزير الخارجية وقضية لاتجد سوى الكذب للدفاع عنها
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=123378

(7) وثائق سرية:أميركا فكرت باحتلال حقول النفط عام 73، فكيف مع قواعد في العراق؟!
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=122838

(8) إعلان النوايا: العراق وقصة الفصل السابع
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=122520

(*) كلمة بصدد الدعوة الى وحدة اليسار، (ارا خاجادور )
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=127382










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. متداول.. أجزاء من الرصيف الأميركي العائم تصل شاطئا في تل أبي


.. قطاع الطاقة الأوكراني.. هدف بديل تسعى روسيا لتكثيف استهدافه




.. أجزاء من الرصيف الأمريكي الذي نُصب قبالة غزة تظهر على شاطئ ت


.. حاملة طائرات أمريكية تصل إلى كوريا الجنوبية للمشاركة في تدري




.. طلاب فرنسيون يحتجون من أجل غزة بمتحف اللوفر في فرنسا