الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشعوب العربية تريد الديمقراطية لنفسها والدكتاتورية للعراقيين!

باتر محمد علي وردم

2003 / 12 / 21
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


الأحداث المثيرة التي شغلت العالم العربي الأسبوع الماضي كانت مفيدة جدا في كشف الكثير من أنماط التفكير في الشارع العربي، والتي كانت تختبئ وراء بعض الأساطير والأفكار الوهمية التي كان البعض يعتبرها من المسلمات. ولا بد من فهم أنماط التفكير الحقيقية في الشارع العربي وهي أنماط سلبية بحاجة إلى الكثير من الجهد من قبل المثقفين والقادة السياسيين لتغييرها، هذا إذا كان هؤلاء المثقفين والقادة السياسيين لا يملكون الأفكار نفسها!
وإذا كنا طوال سنوات كثيرة قد وضعنا اللوم على الحكومات والأنظمة بأنها تعيق عمليات التحول الديمقراطي في العالم العربي فإن الشارع العربي أيضا يحمل الكثير من الأفكار المضادة للديمقراطية وحتى للوحدة العربية نفسها، وتسيطر عليه هواجس العداء للولايات المتحدة وإسرائيل أكثر من الدفاع عن حقوقه وتنمية دوله.
وبالرغم من كل الشعارات التي قرأناها وكررناها عن الوحدة بين الشعوب العربية والمصير المشترك، فإن الشارع العربي خارج العراق، وأخص بالذكر الشارع الأردني أثبت عدم حساسية مطلقة مع معاناة الشعب العراقي تحت حكم حزب البعث، وأكدت ردود الأفعال على اعتقال صدام حسين  وكل هذا الذهول واابكاء والغضب بأن الشارع العربي لم يهتم أبدا بمعاناة الأخوة العراقيين، ولم يهتم بالمقابر الجماعية والمجازر التعذيب والاعتقالات والتشريد وانتهاك الأعراض التي تعرض لها العراقيون طوال ثلاثين سنة، وكأن العرب وبخاصة الأردنيين يريدون أن يبقى صدام حاكما على العراق للأبد ليذيق الشعب العراقي العذاب مقابل أن يستمتع العرب بسماع خطاباته حول تحرير فلسطين "من النهر إلى البحر" وتحديه للولايات المتحدة. ولكن لو كان هؤلاء مواطنين عراقيين، وكان صدام لا سمح الله حاكما عليهم لكانوا أول من خرج في الشوارع فرحا باعتقاله وانهيار نظامه لأنهم سيكونوا قد ذاقوا بأنفسهم مرارة فقدان الأب والأخ والعم والإبن في المقابر الجماعية والحروب العبثية.
وهذا يقودنا إلى قضية أخرى في منتهى الأهمية، وهي الديمقراطية. فقد بقي الشارع العربي طوال عقود يطالب بتحقيق الديمقراطية والحريات العامة، وخرجت المظاهرات في الشوارع وتشكلت الأحزاب والنقابات العلنية والسرية وكتب المثقفون في وسائل الإعلام بأن العرب جميعا يريدون الديمقراطية، ولكن المذهل أن نفس هذه الأحزاب والنقابات والمثقفين الذين يطالبون بالديمقراطية في الأردن وسوريا ولبنان ومصر والمغرب وتونس والجزائر وفلسطين يؤيدون حكم البعث العراقي الذي يعتبر أكبر حكم دكتاتوري وطاغ في العالم العربي.
كيف يمكن أن نوفق إذا ما بين المطالبة بالديمقراطية في البلاد العربية ودعم أكبر نظام دكتاتوري، بحجة مقاومة الاحتلال والصمود والتصدي؟ إذا كان هذا هو المطلوب حقا، فإن الشارع العربي يجب أن يؤيد جميع الأنظمة القمعية والتي تنادي ليل نهار بالتحرير والصمود، ولا داعي بأن يبذل اي جهد في المطالبة بحقوقه في الديمقراطية والمشاركة السياسية والتي ناضل من أجلها طوال هذه السنين. الديمقراطية ليست كلمة انتقائية، ولا يمكن أن نطالب بالديمقراطية كحق خاص للبعض وبنفس الوقت المطالبة باستمرار الدكتاتورية لدى الشعب العراقي مثلا لأن هذا ليس إلا نفاقا وأنانية لا يمكن قبولهما.
وتبقى أيضا مشكلة التعلق العربي بالرموز المزيفين وبالأبطال الوهميين الذين يملكون قدرة مخاطبة الغرائز والتحدث عن التحرير ومقاومة التسلط الأميركي وهي خطابات من السهل جدا إعدادها وقد استمرت طوال خمسين سنة في خداع العالم العربي وحرمان الشعوب من حقوقها الديمقراطية.
المنطق الذي يسود أنماط تفكير غالبية الشعب العربي يشكل أيضا عائقا كبيرا نحو التقدم والديمقراطية والنهوض في العالم العربي، ويضاف ذلك إلى الجمود السياسي وغياب الديمقراطية في الأنظمة مما  يشكل بالفعل صورة سلبية جدا  لإمكانية تحقيق نهضة سياسية وثقافية عربية خلال العقد القادم على الأقل، ولكن هذا يجب أن يضع مزيدا من المسؤولية على المثقفين العرب أن يكونوا فقط مع الديمقراطية والحريات، ولا يؤيدوا اي شكل من اشكال الدكتاتورية والإرهاب والاحتلال، تحت اية حجة كانت وإلا أصبحوا شركاء في الكارثة، بل أسبابا مباشرة لها، بالإضافة إلى الصهيونية والاحتلال الأميركي طبعا!!

**************

المقالة تنشر بالتزامن مع صحيفة الدستور الأردنية السبت 20-12-2003








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نتنياهو: غانتس اختار أن يهدد رئيس الوزراء بدلا من حماس


.. انقسامات داخلية حادة تعصف بحكومة نتنياهو وتهدد بانهيار مجلس




.. بن غفير يرد بقوة على غانتس.. ويصفه بأنه بهلوان كبير


.. -اقطعوا العلاقات الآن-.. اعتصام الطلاب في جامعة ملبورن الأست




.. فلسطينيون يشيعون جثمان قائد بكتيبة جنين الشهيد إسلام خمايسة