الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أولمرت وباراك والحرب على غزة

برهوم جرايسي

2008 / 3 / 15
القضية الفلسطينية


كثيرة هي أبعاد الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، والبعد المركزي الأساسي لها، هو البعد الاستراتيجي العام، الذي يخدم أهداف المؤسسة الإسرائيلية، التي في صلبها مبدأ منع قيام كيان فلسطيني: دولة على مساحة جغرافية متواصلة قادرة على الحياة وإدارة مجتمعها.
ولكن إلى جانب هذا هناك بعدٌ آخر متعلق بالساحة الإسرائيلية الداخلية، من حيث كيفية استثمار هذه الحرب على المستوى الحزبي، وتعزيز مكانة الشخصيات السياسية التي تقود الحكومة في هذه المرحلة، وهذا هو موضوع المعالجة هنا.
هناك انطباع غير دقيق، يقول، إن الزعيم السياسي في إسرائيل، وحينما يشعر بأزمة داخلية، فإنه يدفع نحو تصعيد أو حتى تفجير للأوضاع الأمنية والعسكرية لإشغال الساحة الداخلية فيها، وعدم الدقة هنا، هو أن هذا يسري على المؤسسة الإسرائيلية ككل، وليس تلبية لمصلحة هذا القائد السياسي أو ذاك.
بمعنى أنه بالفعل حينما كانت تشعر إسرائيل بأزمة تواجهها ككيان وكدولة، تتجه فورا إلى التصعيد الأمني، وهذا ما لمسناه، بالذات، في السنوات الخمس عشرة الماضية، حين كانت إسرائيل تختار الابتعاد عن طاولة المفاوضات، وحينما كانت تشعر بضغوط دولية تدفعها نحو تقديم "تنازلات" جدية للجانب الفلسطيني.
ورغم هذا، فإن رئيس الحكومة الإسرائيلية الحالي، إيهود أولمرت، ووزير الأمن إيهود باراك، يسعيان هما أيضا لاستثمار الحرب على قطاع غزة، ومعهما أيضا، جيش الاحتلال الإسرائيلي، من أجل رفع مكانتهما، وإعادة ثقة الجمهور الإسرائيلي بجيشه.
فخيار الحرب على قطاع غزة كان واردا منذ زمن بعيد، فور إخلاء المستوطنات من القطاع، حينما فرضت إسرائيل عليه مباشرة حصارا خانقا، وفصلته عن العالم الخارجي، لأنها تخوفت من نجاح الفلسطينيين في إدارة مجتمعهم في القطاع، مما يثبت للعالم قدرتهم على إدارة دولتهم، لتكون إسرائيل، بالتالي، مطالبة بالانسحاب كليا من الضفة الغربية، من اجل إقامة الدولة الفلسطينية.
ولكن خيار الحرب أصبح ملحا أكثر، لسببين، الأول هو الأجواء الناشئة في العالم التي تدفع باتجاه تقدم المفاوضات مع قيادة منظمة التحرير الفلسطينية، وسعي إسرائيل لنسف هذه المفاوضات حتى قبل أن تبدأ تحت غطاء التصعيد الأمني، والثاني، هو استخدام حرب كهذه من أجل فحص جاهزية الجيش لحرب أكبر قد تشنها إسرائيل في المنطقة، وفي نفس الوقت توجيه ضربة للمقاومة الفلسطينية المسلحة، مستغلة الأجواء السياسية في أعقاب انقلاب حركة حماس.
والسبب الأول رأيناه من خلال بيانات تجميد المفاوضات، التي حتى في حال التراجع عنها، فإن المفاوضات لن تسير بشكل طبيعي، أما في ما يتعلق بالسبب الثاني، فإن من تابع الإعلام الإسرائيلي في الأسابيع الأخيرة، يرى ان تقرير لجنة فينوغراد، حول مجريات الحرب على لبنان، كان يخيم على كل تحرك عسكري وقرار سياسي بهذا الشأن تتخذه الحكومة الإسرائيلية.
وقرأنا الصحافة الإسرائيلية تسلط الأضواء على آلية اتخاذ القرارات في الطاقم الأمني المقلص في الحكومة، والتركيز على أن رئيس الحكومة أولمرت لا يسارع في اتخاذ القرارات، وهذا اعتمادا على "عبر واستنتاجات" الحرب على لبنان.
وقد رأى أولمرت بتقارير صحافية كهذه ورقة رابحة في جيبه، جمع الكثير منها في الأشهر الستة الماضية، بدءا من قصف شمال سورية، بزعم ضرب منشأة نووية ما تزال قيد الانشاء، مرورا بتوجيه ضربات للمقاومة الفلسطينية، وبموازاة ذلك الهدوء المستمر على الحدود اللبنانية، ثم اغتيال عماد مغنية، وصولا إلى الحرب على قطاع غزة، التي شهدنا جولتها الأولى في مجزرة جباليا.
ولربما ان ما قاله المحلل السياسي في القناة الثانية للتلفزيون الإسرائيلي، أوري سيغل، قبل أيام، يعكس الأجواء التي تسعى لها المؤسسة السياسية، عدا العسكرية، فقد قال، إن "هناك جوا من الارتياح" في الأوساط الحكومية، ونقل عن مسؤولين إسرائيليين من الدرجة الأولى قولهم، "لقد بلغت حصيلة القتال في اليومين الماضيين أكثر من مائة قتيل فلسطيني، مقابل قتيل مدني إسرائيلي واحد، إضافة إلى الجنديين، وفي حال بقي ميزان الدم على هذا الحال، فإن هذا ممتاز بالنسبة لإسرائيل".
وهذا "ممتاز" ليس فقط لإسرائيل ككل، بل أيضا لأولمرت نفسه، الذي سيأتي ذلك اليوم الذي يلوح فيه بنتائج الحرب على قطاع غزة، حينما يكون مصيره السياسي على المحك، مثل معركة انتخابية قادمة.
وبموازاة ذلك، فإن وزير الأمن، إيهود باراك، الذي لم يشارك في الحرب على لبنان، ولم ترتبط به أي من إخفاقاتها، لا بل إن هذه الإخفاقات هي التي سمحت له بالفوز برئاسة حزب "العمل"، فإنه يسعى إلى استعادة مكانته العسكرية في ذاكرة المجتمع الإسرائيلي، الذي كاد أن ينساه بعد غياب ست سنوات ونصف السنة عن الحكومة الإسرائيلية، التي غادرها فاشلا.
وقد كان واضحا منذ أن قرر باراك العودة إلى الحلبة السياسية، أنه يريد الدخول إليها من الزاوية التي اختارها له الإعلام الإسرائيلي حين "توّجه"، منذ أن خلع بزته العسكرية كرئيس للأركان، في منتصف التسعينيات، بلقب: "السيد العسكري".
وعلى أساس هذا فإنه اعتقد ان منافسته لزعيم حزب الليكود، بنيامين نتنياهو، ليس من الممكن ان يحقق فيها ثمارا إلا من خلال ضمان أوراق "نجاحات عسكرية"، ولهذا نرى ان باراك يقلل من الكلام، نسبيا، ويدعو زملاءه في الحكومة إلى عدم الإكثار في الحديث حول القضايا العسكرية، وهو تصرف يلائم رئيس أركان، ورؤساء الأجهزة الاستخباراتية، وليس شخصية سياسية.
ويحاول باراك بث رسالة مفادها أنه خلال بضعة اشهر نجح في إعادة الثقة بالجيش الإسرائيلي، وأن أي حرب سيخوضها ستحقق له النجاحات، وإذا اعتمدنا ما يقوله المحلل العسكري في صحيفة "يديعوت أحرنوت" أليكس فيشمان، فإن باراك، ضمنا، يريد لهجمات قصيرة في قطاع غزة، أن تكون أشبه بمناورات وتجارب حربية تمهيدا لحرب أوسع، محتملة حسب فيشمان، على لبنان وربما سورية.
حتى الآن لم تخمد النيران، ونتائج الاستطلاعات لا تشير إلى أي تحول جدي، سوى أن شعبية أولمرت تسير ببطء نحو الأعلى، ولكنها تنطلق من حضيض لم يشهده أي من رؤساء حكومات إسرائيل السابقين.
أما باراك، الذي يحاول المنافسة في حلبة اليمين المتشدد ويغازل المستوطنين، ويسعى إلى إنهاء قضية البؤر الاستيطانية من خلال نقلها إلى أراض فلسطينية بديلة في الضفة الغربية، فإنه لم يجن أي شيء في تلك الاستطلاعات وما يزال يراوح مكانه، بعيدا عن خصمه نتنياهو، لأن الحلبة السياسية الإسرائيلية أثبتت أنها حينما تختار اليمين المتشدد فإنها تفضل "النسخة الأصلية"، وإن كان باراك ليس بعيدا عنها، ولكن التخوف من بعض "النجوم السياسية" التي تدور في فلكه.









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. القضية الفلسطينية ليست منسية.. حركات طلابية في أمريكا وفرنسا


.. غزة: إسرائيل توافق على عبور شاحنات المساعدات من معبر إيريز




.. الشرطة الأمريكية تقتحم حرم جامعة كاليفورنيا لفض اعتصام مؤيد


.. الشرطة تقتحم.. وطلبة جامعة كاليفورنيا يرفضون فض الاعتصام الد




.. الملابس الذكية.. ماهي؟ وكيف تنقذ حياتنا؟| #الصباح