الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-مفاوضات الحرب- واختراق المفاهيم!

عصام مخول

2008 / 3 / 16
مواضيع وابحاث سياسية


* الرئيس بوش وليس الشعب الفلسطيني، هو الذي ستنتهي ولايته نهاية هذا العام! * المفاوضات، مثل المقاومة، ليست هدفا بذاته، بل وسائل لتحقيق هدف التحرر والاستقلال والسيادة، وانهاء الاحتلال، والتصدي للعدوان ومقاومته ومناهضة مشاريع الامبريالية الامريكية. مضمونها هو الذي يحدد شرعيتها وليس شكلها *
لا زالت القضية الفلسطينية تتعرض الى هجوم غير مسبوق، للانقلاب على المفاهيم وخلطها وتضييع الطاسة. ويبدو ان هذا الانقلاب الفكري لا يمكن حصره بعد الآن في مدبريه في واشنطن والقدس الغربية وحلفائهم المباشرين، بل أخشى انهم نجحوا في بلبلة قطاعات واسعة واحيانا متنفذة، في تنظيمات وحركات سياسية كانت تبدو حتى الآن، عصية على الاختراق، وفي خلق اصطفاف فكري وسياسي جديد، ليس افقيا فقط، تصطف على أساسه التنظيمات السياسية بعضها مقابل بعضها الآخر، بل اصطفاف عمودي ايضا في داخل القوى والمنظمات السياسية نفسها طال قيادات كانت هي الاخرى تبدو عصية على الاختراق وعلى اختلاط الامور والمفاهيم حتى الامس القريب. وهذا من دون شك تطور ملفت ليس من حق احد تجاهله او الاستهانة به والقفز عنه.
واذا كان هذا الانقلاب في المفاهيم قد تمحور في مؤتمر انابوليس في مطالبة الجانب الفلسطيني بالاعتراف بـ"يهودية الدولة"، فانه يتمحور الآن في مطالبة الجانب الفلسطيني باستئناف المفاوضات "الجارية" بين القيادة الاسرائيلية والقيادة الفلسطينية، والتي اعلن الرئيس محمود عباس، وبحق، عن وقفها تحت وطأة جرائم الحرب على قطاع غزة. وأخذ يبدو ان الامر الجوهري والعنصر "الاستراتيجي" الذي يجري الترويج لتثبيته وتسويقه وضمانه، ليصبح الثابت الاساس، في معادلة "الثابت والمتحول" في القضية الفلسطينية يتمثل في فرض استمرار عملية المفاوضات المثقوبة ومواصلتها، وليس في انهاء الاحتلال ولا في شرعية مقاومته، ولا في تحرر الشعب الفلسطيني واستقلاله وسيادته، ولا في وقف العدوان الدموي اليومي عليه. ومن العبث والبؤس ان يصبح المطلب بتجديد المفاوضات، وليس الموقف من مضمونها وسياقها، ولا الموقف من الحل العادل لقضية الشعب الفلسطيني، هو موضوع المواضيع ومقياس العقلانية والواقعية السياسية، ومبرر التعاطف والعداء، والاطراء والتقريع.



*رايس والمفاوضات وصغائر الامور!*وليس واضحا، اذا كانت زيارة وزيرة الخارجية الامريكية كونداليسا رايس مؤخرا الى القدس الغربية ورام الله، مباشرة بعد اعلان اسرائيل انهاء عدوانها الاجرامي على غزة، قد جاءت لقطف ثمار جرائم الحرب الاحتلالية وترجمتها سياسيا، ام ان حكومة أولمرت- براك قد علقت عدوانها الدموي المكثف على شرف زيارة رايس ريثما تغادر، وتسهيلا للمهام التي تحملها. لكن الامر الواضح ان أجندة الوزيرة لم تشمل ادانة جرائم الحرب التي ارتكبتها الآلة العسكرية الاسرائيلية في غزة، ولم تشمل مطالبة اسرائيل بالالتزام بالقانون الدولي والامتناع في المستقبل عن قصف الاحياء التي تعج بالمدنيين في مخيمات اللاجئين في غزة، او وقف سياسة الاغتيالات، ولم تشمل الاعتذار عن دور امريكا في افشال مشروع قرار في مجلس الامن، يدين جرائم الحرب التي ارتكبها الجيش الاسرائيلي في غزة، ولم تشمل حتى الدعوة الى "التهدئة" في وقت تشير فيه نتائج الاستطلاعات الى ان 64% من الاسرائيليين يؤيدون التفاوض مع "حماس". ان رايس لا تأتي لمعالجة هذه المسائل "التافهة" حتى ولو من باب الحفاظ الشكلي على الوهم الذي نشرته الادارة الامريكية في مؤتمر انابوليس.
ان رايس خصصت زيارتها "الخاطفة" للمطالبة بمواصلة عملية التفاوض، ردا على قرار الرئيس الفلسطيني بتعليق المشاركة الفلسطينية في المفاوضات. وتجاهلت الوزيرة الامريكية بالمقابل، قيام حكومة اولمرت- براك باغراق عملية التفاوض بالدماء والحصار المتواصل والتجويع وتوسيع الاستيطان، وفي تحويل المفاوضات الاسرائيلية- الفلسطينية بشكل منهجي الى مفاوضات عبثية تتحكم فيها عقلية الرفض والاملاء الاسرائيلي تحت عين الادارة الامريكية الساهرة، وفي خدمة مشاريعها الاسترايجية العدوانية في المنطقة، من غزة حتى لبنان، ومن العراق حتى افغانستان، ومن سوريا حتى ايران.
ان مطالبة رايس القيادة الفلسطينية بمواصلة المفاوضات، تأتي على مقاس حاجات المخططات الاستراتيجية الامريكية المتعثرة في المنطقة، وعلى مقاس استمرار السياسة العدوانية الاسرائيلية الدموية ومتطلباتها. ان عملية التفاوض الني تجري في دائرة رتيبة مفرغة منذ انابوليس بين ابو مازن واولمرت، تستغلها حكومة القدس الغربية التي من اجل التغطية على الممارسات العدوانية الاسرائيلية وليس من اجل حل الصراع والبحث عن فرصة سياسية. وقد جاء رئيس الحكومة الاسرائيلية اولمرت واضحا حد الفظاظة، باعلانه امام لجنة الخارجية والامن في الكنيست اثناء البحث حول العدوان الدموي على قطاع غزة انه "لولا العملية التفاوضية الجارية مع الجانب الفلسطيني، كان العالم سيدين دولة اسرائيل حتما ويندد بها.. حتى بعد ان "تمالكنا انفسنا".."! واضاف: "ان ما يجعلنا قادرين على استنفاذ حقنا الاساسي في الدفاع عن انفسنا (اقرأ/ي: في ارتكاب جرائم حرب- ع. م.) هو الافق السياسي التفاوضي". (هآرتس 4.3.2008).
ان مطالبة رايس واولمرت القيادة الفلسطينية بالعودة السريعة الى طاولة المفاوضات "المفرغة"، وتقريعها على هذه المشاكسة غير المبررة، وتزامن هذه "الدعوة" مع التهديدات التي يطلقها وزير الحرب الاسرائيلي ايهود براك بأن العدوان لم ينته، وتوعده بالمزيد من التوغل وسياسة الاغتيالات وسفك الدماء والعقوبات الجماعية، تفضح ان المفاوضات في المفهوم الاسرائيلي هي مفاوضات للتغطية على الحرب وخدمة سياسة العدوان (الامريكي والاسرائيلي في المنطقة) اكثر منها للوصول الى سلام وحل سياسي. وسيكون علينا ان نذكر ان براك انتخب رئيسا لحزب العمل لانه يجيد الحرب، وجرى تعيينه وزيرا للامن لانه يجيد الحرب. والمشكلة الاكبر انه لايجيد غيرها، وهو ما يجعله مصدر قلق وخطر على أي تفاوض وعلى امل الشعبين في السلام العادل..



*المرور عبر القضية الفلسطينية بعد فشل القفز من فوقها!*وعندما يصبح واضحا ان المفاوضات- هذه المفاوضات- باتت حاجة ملحة للاحتلال الاسرائيلي، للتغطية على جرائمه، وباتت حاجة استراتيجية امريكية للتغطية على مواصلة مشاريعها المتعثرة في المنطقة، وباتت استعمالا للقضية الفلسطينية ومرورا عبرها، بعد ان فشل القفز من فوقها في توفير احتياجات المصالح الامريكية في المنطقة، هل يكون على بعضنا ان يدعو الى عودة القيادة الفلسطينية الى طاولة المفاوضات فورا، من خلال استحضار التجربة الفيتنامية البطلة في التفاوض المتزامن مع المقاومة للامبريالية الامريكية؟!
لقد نجحت المقاومة الفيتنامية في اجبار المستعمر الامريكي على الجلوس الى طاولة المفاوضات، وانتزاع الفيتنام من بين براثنه، بعد ان اوصلت عدوانه وسياسته الى الباب الموصود، وفي ملحمة بطولية ضد الاستراتيجية الامريكية العالمية، لا تحت مظلتها بل في اعظم المواجهات معها، بقيادة حزب شيوعي فيتنامي مقاوم.
ويروج آخرون للمعادلة القائلة بأن "المقاومة من دون مفاوضات، هي مقاومة عبثية"؟ وللموازنة فان "المفاوضات من دون مقاومة هي مفاوضات عبثية"؟! فهل المفاوضات تصبح هي الهدف الذي يجب تحصيله بالمقاومة؟! ام ان المقاومة هي الهدف الذي يفترض تحقيقه بالمفاوضات؟! ان هذه المعادلات وتلك المقارنات التاريخية المنزوعة من السياق ما هي الا معادلات عبثية وتبريرية تعمل على الخلط بين الوسائل والاهداف. فالمفاوضات، مثل المقاومة، ليست هدفا بذاته، بل وسائل لتحقيق هدف التحرر والاستقلال والسيادة، وانهاء الاحتلال، والتصدي للعدوان ومقاومته ومناهضة مشاريع الامبريالية الامريكية. مضمونها هو الذي يحدد شرعيتها وليس شكلها. انها وسائل مشروعة قد تخدم احداها الاخرى، لكنها ليست مشروطة بها. ويجب ان يكون واضحا انه ليس الموقف من حماس مثلا، ورفض فكرها الاصولي هو الذي يحدد موقفنا من المشاريع الامبريالية، بل ان الموقف القاطع من المشاريع الامبريالية العدوانية هو الذي يفترض ان يحدد الموقف من ممارسة أي تنظيم واي فصيل محليا ومناطقيا وعالميا.
ان قرار المشاركة في المفاوضات- العينية في هذه المرحلة- او الامتناع عن المشاركة فيها، يشكل ورقة قوية في يد قيادة الشعب الفلسطيني، من حقها وواجبها ان تستعملها وان تطالب بدفع ثمنها بعملة الحقوق الفلسطينية الصعبة. فالولايات المتحدة بادارتها الحالية دفعت العملية التفاوضية وربما يصح القول انها اغتصبتها، ليس على مقاس مستحقات حل الصراع الاسرائيلي الفلسطيني، وانما على مقاس مستحقات المشاريع الاستراتيجية المتعثرة التي تعمل على تمريرها في المنطقة. لقد اخذ الرئيس بوش على نفسه في انابوليس التوصل الى الاتفاق على الحل النهائي للصراع حتى نهاية ولايته هذا العام، ولكن حتى لو افترضنا انه جاد وقادر على ذلك، (وهو ليس كذلك) فهل سيكون من مصلحة الحل العادل ان تفرضه ادارة بوش وسياستها الموغلة في العداء لحقوق الشعب الفلسطيني؟!
ان القرار الفلسطيني يجب ان ينطلق من انه سيكون من الصعب وصول ادارة امريكية اكثر سوءا وخطرا على الحقوق الفلسطينية من ادارة الرئيس بوش وعدوانيتها. وان الرئيس بوش وليس الشعب الفلسطيني، هو الذي ستنتهي ولايته نهاية هذا العام!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تركيا: السجن 42 عاما بحق الزعيم الكردي والمرشح السابق لانتخا


.. جنوب أفريقيا تقول لمحكمة العدل الدولية إن -الإبادة- الإسرائي




.. تكثيف العمليات البرية في رفح: هل هي بداية الهجوم الإسرائيلي


.. وول ستريت جورنال: عملية رفح تعرض حياة الجنود الإسرائيليين لل




.. كيف تدير فصائل المقاومة المعركة ضد قوات الاحتلال في جباليا؟