الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الخطاب الديني والإرهاب

دياري صالح مجيد

2008 / 3 / 18
الارهاب, الحرب والسلام


لم يعد الإرهاب الذي لم يتفق على وضع تعريف محدد له حتى الوقت الحاضر ظاهرة محددة بحدود جغرافية واضحة تنحصر بدولة أو بإقليم من الدول بل أضحى ظاهرة ذات طابع عالمي.وكذلك لم يعد هذا الإرهاب خاصا بفئة أو بدين دون الآخر. لكن يبقى أمامنا تساءل مهم حيال أعمال العنف كل أعمال العنف التي تسيء إلى كرامة الإنسان ووجوده وتسيء إلى عالمه الخاص والعام وهو ما هي مسببات الإرهاب الذي بدا يوصف للأسف الشديد على انه إرهاب إسلامي؟.
في هذا المقال لا أود أن أخوض بطريقة تقليدية حيال تلك الأسباب التي يرددها العديد من الذين يطلون علينا في وسائل الإعلام ليقولوا لنا أول ما يقولوا إن الفقر والجوع والحرمان وان الاضطهاد السياسي والعيش في مدن الهوامش أو عند أطراف الحواضر والتفاوت في مستوى الدخل وان الافتقار إلى فرص العمل المناسبة أو الافتقار إلى الشعور بالأمان وبالقدرة على تحقيق الطموحات والأحلام خاصة بالنسبة للشباب الذين يرغبون في العمل وفي العيش والزواج , كلها أسباب للإرهاب,كلها أسباب تدفعهم إلى الانتقام والى الهروب من هذا الواقع والثورة عليه بطريقة انتحارية. وهنا لا أريد أن اقلل من أهمية هذه العوامل لكونها ذات تأثير في إشاعة روح ناقمة على الوضع الذي يعيش فيه الفرد في مثل هذه الظروف, لكن هل الفقر ظرف طارئ ؟ وهل الاضطهاد السياسي ظرف طارئ وهل كل هذه الأسباب طارئة في عالم اليوم؟. على الأقل في دولنا التي أصبحت وبامتياز مصدرة للإرهاب الذي لا يصب في خدمة الشعوب التي تولد هذا الإرهاب والعنف والقسوة. لذا ألا يحق لنا ونحن نحاول أن ندحض هذه الفرضية رغم إننا لا نقلل أبدا من شانها ,ألا يحق لنا أن نتذكر أن الداعية الأول للإرهاب والعمليات الانتحارية الشيخ السعيد أسامة بن لادن يعد من كبار المليارديرية في العالم وان الملا عمر قائد حركة طالبان هو الآخر من كبار الزعماء القبليين ومن كبار الأغنياء في أفغانستان! وان من قاموا بإعمال 11 أيلول الإرهابية لم يكونوا من الفقراء ولم يكونوا من المهمشين أو المضطهدين ولم يكونوا محرومين من متع الحياة خاصة وان اغلبهم قد انطلق في غزوته المعهودة من ألمانيا! وليس من ألأحياء الفقيرة في بغداد أو القاهرة!. إذا ما السبب الحقيقي الكامن وراء هذا التوجه الذي بدا يبرز بطرق عنيفة ودموية وبالذات مع نهاية الاتحاد السوفييتي السابق في القرن الماضي؟.
لعل مقالة بهذه البساطة لا يمكن لها أن تجيب عن تساءل خطير بمثل نوعية هذا التساؤل, لكن أملنا في أن نساهم ولو بشكل مبسط في تسليط الضوء على ناحية أخرى قد لا ترى بشكل متكامل أو واضح في تحليلنا للعنف في دولنا؟ لذا أعطينا لهذا المقال تسمية يستدل من خلالها القارئ الكريم الفرضية التي نحاول إثباتها هنا, وهي إن الخطاب الديني يلعب دورا فاعلا في خلق عقليات عنيفة ذات نوازع دموية. ويبدوا إن هذا الاتجاه قد تعزز في ظل توافق مصالح السلطة السياسية مع السلطة الدينية في دول المنطقة التي نعيش فيها, فاغلب النظم السياسية تقيم تحالفا جبارا مع من نصبوا أنفسهم قادة للسلطة الدينية , وقد جاء ذلك إدراكا من قبل هذه النظم السياسية إلى دور النخب الدينية في توجيه المجتمع الذي يتعامل في كل مفردات حياته وفقا للخطاب الديني من اجل استعباد الإنسان رغم ان ذلك لا ينفي مطلقا وجود قلة من هذه النخب الدينية التي خرجت عن عباءة النموذج الأول الذي تحدثنا عنه فهذا على سبيل المثال المفكر الإيراني علي شريعتي مثالا نموذجيا لذلك حين يقول (( ان موضوع الإنسان قضية مهمة جدا فالمدنية الحديثة أقامت بنائها الفكري على نظرية تقديس الإنسان والمشكلة هي ان المذاهب القديمة والأديان قد حطمت شخصية الإنسان وحملته على ان يقدم نفسه قربانا للإلهة فقد كانت تغري الإنسان بان يتخلى عن إرادته في مقابل إرادة الإله والظهور بمظهر العاجز)).
ان التحالف ما بين السلطة السياسية الدينية لاستعباد الإنسان في منطقتنا التي توصف بالإسلامية لم يكن تحالفا حديث العهد بل يعود إلى فترات بعيدة لا يتسع المجال للخوض فيها الآن. على أية حال فان الخطاب السياسي والديني تجده يشتد في حدته عندما يعكر صفو العلاقات التي تجمع النظم السياسية للمنطقة أي طارئ من تبدلات السياسة الدولية التي تقودها أمريكا في الوقت الحاضر بشكل خاص وكأن الأمر أصبح توظيف النظام السياسي ولو بصورة غير مباشرة للخطاب الديني للتلويح للخصم الذي نفترضه هنا أمريكا, بان هنالك قوة لا يقوى الأخير على مجابهتها مهما كانت قوة ترسانته العسكرية. في حين تخف حدة هذا الخطاب الديني المتزمت بعودة الدفء إلى النظم السياسية تلك حتى انه في بعض الحالات يتحول الخطاب الديني إلى مباركة هذا الدفء والتهليل والتبهيل له ولقادته. إذا أصبح لدينا تحالف بعض النظم السياسية مع السلطة الدينية ودعني اسميها السلطة الدينية المسيسة كشكل من أشكال التمييز, هو احد عناصر توليد الذهنية الإرهابية لتحويلها إلى قنابل موقوتة يمكن تفجيرها في أية لحظة يشاء فيها أصحاب هذا الحلف. من جهة ثانية نشهد في البعض من بلداننا توجه آخر نحو فصم عرى هذه العلاقة من خلال رغبة بعض القوى المحسوبة على السلطة الدينية في الوصول إلى السلطة وهي بذلك توظف خطابا دينيا مغايرا عن رغبة السلطة السياسية إلى الحد الذي يكفر هذه السلطة ورموزها, وهي تستغل لأجل ذلك المنبر كأداة إعلامية لنشر أفكارها و قيمها وتستغل دور العبادة لاستقطاب اكبر عدد ممكن من الجنود الذين ستستخدمهم في المعركة للوصول إلى السلطة. إذا تحول الخطاب الديني في كلتا الحالتين إلى عنصر مهم من عناصر دفع الأشخاص إلى العنف فهذا الخطاب يمتاز بشكله العام بالتحريض على قتل الآخر وعدم الاعتراف بإنسانيته أو بحقه في الحياة سواء أكان ذلك الآخر مختلف دينيا أو مذهبيا أو فكريا أو حتى قوميا على اعتبار انه كافر يحق قتله والتمثيل به, لذا نجد عندما نتصفح مواقع تلك الحركات المتشددة على شبكة الانترنيت ان هنالك عمليات قطع للرؤوس وقطع للألسن وتمثيل بالإنسان المختلف عن ذلك الآخر الذي يقف ماسكا سكينه ليحز رقبة هذا الكافر بحسب ما درجت عليه عقليته التي حولها الخطاب الديني المتشدد إلى عقلية نقلية لا يحق لها إلا إطاعة هذا الخطاب. وكدليل على ذلك نشير إلى ما حصل من اقتحام للقنصلية الأمريكية في جدة بتاريخ 7/12/2004 إذ وجه للرهائن سؤالا محددا وهو ما هي ديانتك؟ فمن أجاب مسلم طالبوه بقراءة الفاتحة فان فعل تركوه وتوجهوا لغيره وكان من سوء حظه ان قال لهم انه غير مسلم فإذا بهم يردوه قتيلا برصاصة وجهت إلى رأسه بدم بارد!.
نعم ان الفقر والجوع والمهانة والاضطهاد كلها أدوات مادية مشجعة على الإرهاب لكنها مشكلات صارعها الإنسان في بلداننا منذ أزمنة بعيدة لا بل ساعدته في كثير من الأحيان في ابتداع صور و أشكال إنسانية رائعة تجسدت في أعلام الفكر والإبداع في كافة مجالات الحياة العلمية والأدبية إلى الحد الذي دفع البعض إلى الافتخار إلى انه نتاج بيئة اجتماعية فقيرة فهذا المبدع ميخائيل نعيمة يقول (( اشكر الله لا نني ولدت فقيرا لا غنيا فالفقر ليس عارا وإنما العار في الذل والاستكانة للفقر, فالفقر دون الذل والاستكانة أعظم مدرسة في الأرض)). أما بالنسبة للخطاب الديني المتطرف فهو الأداة الفكرية الأكثر خطورة في اتساع رقعة الإرهاب عدديا ومكانيا, لذا علينا ان نفعل من الخطاب الديني الذي يركز على الإنسان كقيمة عليا مبتعدا عن التكفير ومبتعدا عن إباحة دماء الآخر المختلف معنا و إلا فان الإسلام سيستمر في غربته وفي تزايد أعداد الذين يسيئون إليه سواء أكان ذلك من داخل العالم الإسلامي أم من خارجه.
في ختام هذا المقال أود القول (( إن الحياة حلم قصير يجب أن لا نسمح للجهل ولا لرجال السياسة الفاسدين و لا لؤلئك المتاجرين باسم الدين , بان يسرقوه منا........... أبدا)).








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ميناء غزة العائم يثير بوجوده المزيد من التساؤلات | الأخبار


.. نتنياهو واليمين يرفضون عودة السلطة إلى القطاع خوفا من قيام د




.. حزب الله يدخل صواريخ جديدة ويزيد حدة التوتر في إسرائيل | #مر


.. دفن حيا وبقي 4 أيام في القبر.. شرطة #مولدوفا تنقذ رجلا مسنا




.. البنتاغون يعلن بدء تشغيل الرصيف البحري لنقل المساعدات إلى قط