الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هذيان بطعم الصداع ! .

نجيب المغربي

2008 / 3 / 18
الادب والفن


دعوني أقطع وطنا مجبولا من الحزن مسافة منفى .. أفصل بقايا الوجع المتغلغل بدمي معركة .. أضعني في حقل شمس ميتة .. لأهيئ من الليل صراخ رصاص أو طقس اختناق ..

النهار يشبه أنفاقا من الجير تعج بالوحل ، تابعت خطوط الشمس الغاضبة بعيناي المتعبتان لأغسل في سقفها ظلمتي الخالصة ، عندما انتهيت اكتشفت لماذا لم أفكر أبدا بأن أصبح فراشة تحلم بأن تلتحم أجنحتها الرقيقة يوما ما بحمرة الغسق . ربما أشعر باضطهاد كاذب بعيدا عن الظل ، لذلك صرت أستعين ببيات مديد آناء كل الفصول ، أفضل ألا يجففني زخم ضوء الصباحات المنزلق من الأعلى ببطء ، فأختار أن أحرم نفسي من ملاحقة لوحات تفسخ بكارتها الأولى ، أن أتلوى من ارتعاشات الصقيع بلا اكتراث و أكتفي بـأن أغط بخرابات حواسي المتبلدة وسط رطوبة تغرق البيت .

المطر وحده لا يناصبني محاولات القتل ، هو لا يقف عند مستوى العزلة العارية ، و لأن شفتيه تبقيان مفتوحتان على وشوشة غامضة ، ينطق عبوره خرس هده الصحراء الضامرة ، يقدر دائما أن يروي بخصوبته أوردة رمالها اليابسة . انه صديقي الدي لا أراني مطرودا تحته أبدا ، هو أيضا من يحرضني على ايقاد حكايات دافئة كلما جاء موسمه ، هو من يملؤ جوف هده الجحور الاسمنتية المأهولة كلها حد استسلام رحم الأنهار المهجورة لجريان مائه المبهر .





البحر فوهة كبيرة تغري بالتخبط فيها ، تمد جسرا مشرعا للتأمل في اللانهائي . معه أستعيد صورة الفتنة القصوى ، يصيراحساسي مطلقا بلا متتاليات ، فأتخلص على الأقل من نواة داكرتي المتعفنة ، أغرب كل ذكرى في امتداده البارد ، ليس غير خذره من يرحلني من زيغ غواياتي العفوية ، إنه يشبه ألياف منديل يخبؤ بانحناءاته كل مجهول .



الليل يحتدم كموسيقى سلالات خرافية ، يبادلني هدنة اللاحركة ، لدلك ألصق به كل مرة نقابا معدنيا سميكا لكل تلك الوجوه والعلامات و الأسئلة التي تؤرقني . إنه طبشورة الإستعادة التي ترجعني الى الأعماق لأكتبها على الدوام ، معه أستحوذ ثانية على بقايا حريتي المستباحة ، لا تتنازعني فيه ارتجاجات مخيلة يروعها الرقص فوق حبال الضجة ، هو لا يثقلني لأن كل شيء من خلال عتمته يذوب بارتخاء فلا تستقر به الا تميمة الصمت الحي .





الريح حينما تهب بلا أفق ، أتخيلها قادمة من رئة عظيمة ، تخترق كل الأمكنة حاملة معها مزاجها الشوكي ، بأسرع ما يكون تشوه هيأة الأشياء و تسحلها بقسوة ، كلما اندلع ايقاعها المجنون تحمل إلي شعورا رهيبا بالحزن و الغربة ، يدس أنينها الاضطراب بي فترغمني أن اختبئ أو أن أتحول قبل أن تهدأ إلى شراع مرمي بلا ملاذ . لأنها تلاحق حتى حساسيتي فأنا لا أطيقها ، إن بيني و بينها بما تحمله من حر أو برد تاريخ مُناوَءَة و نبذ لا ينتهي .




كتب غير مرصوصة .. أظرفة مهملة .. أشياء الغرفة لم تتغير فوضاها .. وحشتها الكئيبة تنفذ إلي .. تبث بي إحساسا عميقا بالإستياء ..كوابيس اليقظة وحدها تنمو بداخلي .. تتفاقم حركتها لتتفكك بعد أن احتضنها صمت عويص كل هذا الوقت .. رائحة المطر تنتشر على أطراف النافذة .. الريح تجلد كل شيء تصله بالخارج .. تبدو كما لو أنها تمتص آخر ما علق بالأرض من بلل .. تثير كآبتي أكثر فأكثر .. من شرفة السماء تنتشر خيوط سحب قليلة .. تمتد كأنها نفايات بقيت من شتاء طائش .. استدرت نحو الأوراق المبعثرة على الطاولة .. وقفت أرقب وجهها المنهزم طويلا .. تشابكت مع بياضها عيناي .. جلست إلى الطاولة مرة أخرى .. همدت كقطرة إلتوت بعدما انسكبت أخيرا أسفل الجدران بلا حراك .. انصهرت بهدوء الغرفة أقدف بصري في كل ناحية .. كأني أحاول أن أصطاد تدكارات لم تمسح من سريرتي فوق هدا الكرسي .. لم أسمع غير فراغ مجوف يقطع علي كل الدروب اليها .. أشعر بفقدان الرغبة بأي شيئ يغشاني .. السأم يلهو برأسي مجددا حد التفتير .. صارت له النكهة الأعلى .. يمسد روحي المتعبة بثبات كلحن وحشي .. ربما هدا الضجر هو من يجمّد اضطرابا ينمو مفزعا بي .. يقيني إيقاظ عبث آخر يتردد بخنادقه متربصا بي .. يريد أن ينتحل أزمنة منكرة لا تلهمني دهاليزها الا النقمة .. أحسه يطلع منقوعا بلون ليل مرهق بالحرقة يحتجزني كل يوم .. لعله يحاول ان يضيعني بتقفي سرابه الغريني قبل نومي .. تمتمت .. عصاب الكتابة بدأ يضغطني بقوة .. يقبض ما هو أبعد من رقبة اعتقادي النفسي .. يدور حول عاصفة صاخبة أخدت تتقوض للتو .. الصمت المبهم ينزلق أحدنا في الآخر شيئا فشيئا .. حتى الآن نمنع كل هذر لقربانات حفلنا الطوطمي .. لم نجهر بخدائعنا السرية بعد .. توحّدت بحداد الأسماء و الألوان الوثنية .. و أخدت أقتلع حيرة قاتمة تدق دهني كمن يستعد بهلع لحرب بائسة تبدأ فور إطلاق أول صيحة .. لكم أنا متدمر من نفسي .. أهمس .. قبل أن يفترس الهذيان هدا السديم المغلق من شدة الاحتقان .. أحسست مخاضه يشرف على الانهيار في أي لحظة بلا تنبؤ .. اعترتني فجأة لعنات ألم خفي جلجلت بداخلي .. انغرزت بي كإبر سم مقوسة .. إنسل برد حديدها إلي مع تهيؤ أول الاقنعة الملقاة لتسلق الوجوه ..اولى الصور المستترة لافشاء تسميات ظلت ساكتة طوال هدا الوقت ..

يخرج فيض من الكلمات من رأسي .. يجوب قارعة الذاكرة الجذباء .. كائنات طينية بلا ملامح تتفتت فتخرج من أضلاعها عقارب وأفاعي شنيعة .. تنفث ألسنتها الترابية و تصرخ من شدة جوعها أو رعبها بأصوات لا مفهومة .. يدان مشعرتان تغزلان دمى صغيرة من الرمل .. قرص ناري يرسل ضوءا سافرا باتجاهي .. يخترق نزيفه الليل الناضج .. أزاهير متقيحة تتسلقها حشود ديدان ضخمة .. خيول تمر مسرعة باتجاه آخر الدغل .. تطارد نسورا فضية تموج بها السماء .. تمنعها من أن تحط على الأرض .. أسير مرهوبا بطريق يزدحم بالرماد و الأشلاء .. فجأة يجيئني صوت : أ قبرك هذا أيها العائد ؟.. أفزع هاربا نحو تلة عند مصب نهر .. تنتفض زوبعة رملية أمامي .. تخرج منها منارة شاهقة تفقأ سديم الظلام الدامس .. يجتاح المكان قيظ يصعد من الأسفل .. من بعيد يلوح كائن يبدر مواقد نار في طريقه .. يشعل ضفاف الحشائش و الأشجار .. يقترب مني شيئا فشيئا .. من أنفاسه ينبعث دخان لاهب يغطي سحنته .. كل الرموس التي تعبرها أقدامه الهائلة تتهدم .. قطط سوداء تسبقه و تعود لتلتف حول قدميه مرة أخرى .. أخدت أتلو تعاويذا من سور لا أدرك معناها بينما هو يسير وئيدا باتجاهي .. تراجعت لألتصق بشظايا فخارية كانت متكومة ورائي .. ارتجفت حينما رأيت بنات آوى ضارية تحوم حولي .. يسيل من جنبات أفواهها لعاب متخثر ممزوج بالدم .. صرخت مذعورا : هلا أغثتني .. كان يدرك أني وحيد .. رماها بحجارة مسننة قبل أن تفر و تتوقف لتتابعني بخبث .. حينما شخص أمامي كاملا كنت قد غيبت .. في المنام رأيت الله ضاحكا يرقد في جثتي ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز


.. لحظة تشييع جنازة الفنان صلاح السعدني بحضور نجوم الفن




.. هنا تم دفن الفنان الراحل صلاح السعدني


.. اللحظات الاولي لوصول جثمان الفنان صلاح السعدني




.. خروج جثمان الفنان صلاح السعدني من مسجد الشرطة بالشيخ زايد