الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نهايات مغلقة

جواد الحسون

2008 / 3 / 20
الادب والفن


شعر انه بدأ يستفيق من كابوس زمن موته البطيء وانه على استعداد لان يتقايض على ما تبقى من عمره مقابل تلك اللحظات التي وضع بها اقدامه على ارض مدينته التي غادرها قبل اثنين وعشرين عاماً ... عمارات شاهقة حجبت خلفها اطناناً من الركام واعداد هائلة من البيوت المتداعية والملتصقة ببعضها بشكل يصعب تميزها واختراق ازقتها الملتوية المغلقة .
استدرجته ممراتها الضيقة المظلمة وشعر انه يسبح في فضاء لا حدود له حيث بدأ سمعه يتطهر من صخب وضجيج الطرق المعبدة برؤوس الماره والمرصوفة بالوجوه الكاحلة التي استمدت سمرتها من اسفلت الشارع الاسود .
تابع سير متأملاً كل ما يقع عليه نظره .. كل شيء على ما كان عليه البيوت بجدرانها المتصدعة وابوابها الخشبية القديمة وسقفها المرصوفة بجذوع النخيل وقد تقوست كظهر رجل مسّن فلن تعد امينة دون متكأ يسند ثقل ما رماه عليها الزمان .
اصوات واحاديث كانت تتسرب الى سمعه عبر نوافذه الصغيرة المطلة على الزقاق فيما راحت عيونه تسترق النظر من خلال شقوق الابواب المتداعية عله يلمح وجهاً من وجوه ذلك الماضي البعيد .
تسارعت ضربات قلبه الطافح بسقم البعد ... انها لحظات الاقتراب حيث لم يعد يفصله عن تحقيق حلمه الذي راوده طويلاً سوى خطوات قليلة الا انها بدت له بعيدة جداً كما لو انها كانت خارج محيط الارض .
واصل مسيره باتجاه نهاية الزقاق المغلقة ليتوقف فجأة اما شرفة تآكلت اركانها واستقر على سورها الغبار بشكل كثيف .. لف بنظره حول الشرفة الموحشة وهو يهز رأسه بحزن .. ربما لم يتمكن الزمن من ان ينتزع من جوف قلبه ذلك الحب الذي زرعته فيه تلك الشرفة ايام صباه .
تزاحمت في رأسه الافكار وتواردت امام عينيه صور كانت مخبأة تحت ركام صبره الطويل . لم يعد رأسه يحتمل سيل ذكريات وهموم زمن موته البطيء فـي دهاليز الاسر .
قرر ان ينتزع من مخيلته كل ذلك الماضي الممتد حتى بداية ايام شبابه التي تركها مقبورة تحت تلك الارض الشاسعة التي لم يرى منها سوى زنزانته التي ضاجعها اكثر من نصف عمره .
عيوناً كثيرة صارت تتجه نحوه، وتجمع حوله اطفال الحي ليرشقوه بكلمات السخرية ظناً منهم انه اضل طريق المرور شأنه شأن الكثيرين من الغرباء الذين يقعون فريسة للأزقة المغلقة النهايات .
ضمرت علامات الفرح على صفحة وجهه ودارت في رأسه الظنون .
أي شيء وينتظره خلف الباب التي تقطر شقوقها الحزن وتطفح اركانها بالمجهول الذي طالما غرق في بحوره وتقاذفته عاتيات امواجه وهو مغروس بين ثنايا الاسر يستبق الاحداث ويسابق الزمن بتأملاته واحلامه بعد ان يعتقه الاسر ويرمي به على اطراف مدينته ، لحظاتها ستشم امه رائحته قبل ان يدخل الزقاق ، وستخرج حافية القدمين حاسرة الرأس وعيونها تمطر فرحاً ممزوجاً بحزن سني الفراق الطويل وهي تشم نحره كأنها فاقت من مخاض ولادته للتو ، وستدمع عيون ابيه بصمت او ربما سيبكي كطفل ويتجاهل ما يتحصن به من جلد وكبرياء .
قرر ان يحسم الامر قبل ان تنهار قواه ويخسر متعة لحظات اللقاء التي طالما حلم بها ، تقدم نحو الباب التي لا يعرف ماذا يخبئ له القدر خلفها من شقاء وراح يضرب عليها بطرف سبابته بضربات لا تكاد تسمع ، انطلقت خلفها ضحكات الاطفال فيما مدت النسوة رؤوسهن من الشرفات وهن يرمقنه بنظرات تفحص واستغراب .. تمالكه الحياء وهو يتطلع في الوجوه المتسائلة التي احاطت به بحثاً عن ملامح وجه صديق قديم ... لكن لا شيء . اعاد الكره مرة اخرى واخذ يضرب بباطن كفه بقوة على الباب التي لم يسمع من خلفها أي رد او همس يطفئ بعض ما كان يدور في رأسه من ظنون. .
احد الاطفال وهو يكركر ... لا احد سيرد عليك .. تجاهل ما قاله الطفل رغم انه مهد الطريق للظنون لان تبدأ دوراتها داخل رأسه المشحون بأفكار التيه التي زرعتها رحلة حياته المعقدة الطويلة .
عاود الطرق على الباب بضربات متواصلة ينساب منها مزيج من الحياء والحرج والتوتر ولم يستوقفه من حالته سوى صوت امرأة كانت تقف على الشرفة المجاورة وهي تخاطبه .. لا احد ينتظر قدومك هنا . وان كنت مصراً على لقائهم فليصحبك احدهم الى المقبرة .. تعالى ضحك الاطفال وتسرب الى سمعه لغط الناس الذي احتشدوا وهم يريددون ... انه مجنون ... انه مجنون ... لم يوّلد ما سمعه أي ردت فعل لديه ... فقط رفع يده وراح يعظ على سبابته بعنف حتى تهاوى جسده على الارض ولم يعد يحلم .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفنانة غادة عبد الرازق العيدية وكحك العيد وحشونى وبحن لذكري


.. خلال مشهد من -نيللى وشريهان-.. ظهور خاص للفنانة هند صبرى واب




.. حزن على مواقع التواصل بعد رحيل الأمير الشاعر بدر بن عبدالمحس


.. بحضور شيوخ الأزهر والفنانين.. احتفال الكنيسة الإنجيليّة بعيد




.. مهندس الكلمة.. محطات في حياة الأمير الشاعر الراحل بدر بن عبد