الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحمى و الخوخ الأخضر

أوزجان يشار

2008 / 3 / 18
الادب والفن



من مذكرات الكاتب التركي عزيز نيسين

في يومٍ من الأيام طرق أحدهم باب الدار، فقمت بفتح الباب لأجد رجل في حالة يرثى لها يقف أمامي, رجل بحواجب كثيفة وبقايا رموش وشعر محترق. فزعت عند رؤية شكل ذلك الرجل وصرخت " أمي" إلا أن الرجل الواقف عند الباب قال:" يا بني ألا تعرفني ؟" ثم امسكني وحملني بين ذراعيه.

كان هذا اليوم الذي فر فيه أبي من مسجدٍ يحترق وهو يعج بالمصلين . و في هذا اليوم الذي عاد فيه أبي على هذا الحال سقط طريحاً للفراش وظل راقداً في سريره لشهورعديدة. وثابرت أمي المنهمكة و المنهكة في خياطة ملابس جنود الجيش الداخلية في الأهتمام بحالة أبي الصحية.

أصبح أبي مريضاً للغاية و لم يستطع أن ينهض من سريره. تلقى العديد من الأدوية البلدية و الوصفات الشعبية بلا فائدة. كانت الحمى تداهمة بين الحين والآخر وكان يقول لأمي وهو يرتجف من الحمى :" غطيني يا مدام" كان دائماً يقول لأمي يا مدام حتى لو كان في أعلى درجات غضبه.

لا أستطيع أن أتذكر ما كانت تقوله أمي لأبي أو كيف كانت تخاطبه. إنها ببساطة لم تكن تقول شيئاً و لم أتذكر أن سمعت منها شيئاً مطلقاً. ولكن عندما كانت تتحدث إلى إمراءةٍ أخرى كانت تشير إليه بـ"بيزم أفندي" "سيدنا" أو "أفندي" ، أحياناً عندما تتحدث إلى شخصٍ قريب منا تشير إلى والدي بـ "حبيبنا" .. و صوت أبي ينادي : "غطيني يا مدام .. غطيني بسرعة" .

كانت أمي تغطي أبي بالبطانية والبدل وكل شي يمكن أن تغطيه به و كان أعلى السرير يتحول إلى تلٍ صغير. إلا أن أبي والذي كان يبدو وكأن سبب حرارته هو أمي، يقول لها غاضباً :" يا مدام قلت لك غطيني" .

في يومٍ من الأيام كان يرتعش كثيراً فوق ذلك السرير حتى بدا لي وكأن الأرض تنشق من تحته... "أسرعي أحضري لي بعض من ثمار الخوخ الخضراء ."

كان أبي رجل ذو طبعٍ حاد و عنيد للغاية فعندما كان يرغب في الحصول على شيء ما, لابد و أن تلبى رغباته بأي ثمن كان . فأحياناً يريد أن يحصل على بعض من ثمار الخوخ ليأكل و ذلك عندما كان يشعر بأن حواشيه تحترق من فرط الحمى المرتفعة وفي هذا الوقت كان يسود الأعتقاد بأن لثمار الخوخ الخضراء فائدة في الشفاء من الحمى. و كانت أمي تذهب إلى الحقل المجاور لكي تحضر له بعض من ثمار الخوخ. و ذات يوم نهض أبي من فراشه و وقف على قدميه و قد برأ و تعافى من المرض. كان يؤمن بأن التحسن في حالته الصحية مرده فقط إلى الخوخ الأخضر الذي أكله.

بعد سنوات لاحقة قال :" لقد أنقذني الخوخ الأخضر من المرض وإلا كنت قد هلكت". وكان أبي يعشق التفاخر و التماهي بما يستحق و لا يستحق فقد كان يقول :" في ذلك اليوم أكلت صندوقاً كاملاً من الخوخ الأخضر" ، رغم أن الحقيقة ما أكله أبي كان فقط حبتين من الخوخ الأخضر.
ترجمة : أوزجان يشار








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفلسطينيين بيستعملوا المياه خمس مرات ! فيلم حقيقي -إعادة تد


.. تفتح الشباك ترجع 100 سنة لورا?? فيلم قرابين من مشروع رشيد مش




.. 22 فيلم من داخل غزة?? بالفن رشيد مشهراوي وصل الصوت??


.. فيلم كارتون لأطفال غزة معجزة صنعت تحت القصف??




.. فنانة تشكيلية فلسطينية قصفولها المرسم??