الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رأسمالية وطنية وأخرى تابعة!

رمضان متولي

2008 / 3 / 19
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


مازال قطاع كبير من اليسار المصري ينتقد الدولة المصرية ليس من منطلق كونها ممثلا لمصالح البرجوازية المصرية وأداة لهذه البرجوازية في قمع الطبقة العاملة والدفاع عن مصالحها الكلية وجزء لا يتجزأ من البرجوازية الحاكمة بكل شرائحها، وإنما من منطلق المصالح الوطنية باعتبارها دولة عميلة متحالفة مع برجوازية تابعة وطفيلية لا تهتم بالتنمية بقدر ما تهتم بالربح السريع على حساب الرأسمالية المنتجة التي تعاني بسبب تحالف الدولة مع الطبقة الكمبرادورية التابعة وتضيع فرصتها في تحقيق التراكم الضروري من أجل تحقيق التنمية.

ومع ذلك، لا يوجد شيء اسمه رأسمالية وطنية منتجة غير مستغلة وأخرى طفيلية كمبرادورية تابعة، ولا توجد دولة يمكن أن نسميها وطنية مستقلة خالصة وأخرى عميلة وتابعة تماما خاصة في البلدان الرأسمالية المتأخرة اقتصاديا. هذه المقارنة التي تتم غالبا على أسس تصورات أيديولوجية خاطئة في هذه البلدان تكشف تناقضاتها بمجرد التدقيق قليلا في واقع الأمور. فإذا كان البعض يحلو له أن يصف الرأسمالية المصرية مثلا بأنها طفيلية كمبرادورية تابعة سوف يكون عليه أن يجد تفسيرا لبروز شركات مثل "حديد عز"، وهي شركة صناعية منتجة لحديد التسليح ومملوكة بالكامل لرأسمال مصري، بل وتسيطر على ما يقرب من 70% من سوق حديد التسليح في مصر، أو شركة أخرى مثل "المصرية للأسمنت" التي تملك شركة أوراسكوم للإنشاء والصناعة أكثر من 50% من أسهمها، وشركات صناعية أخرى عديدة إما مملوكة تماما لمصريين أو ملكية مشتركة بين مصريين وأجانب أو مملوكة للدولة او ملكية مشتركة بين الدولة المصرية وشركات أجنبية.

تحت أي ظرف، لا يمكن وصف هذه الشركات بأنها طفيلية كمبرادورية تابعة، يقتصر عملها على مجال خدمات الوساطة والسمسرة والوكالة التجارية لشركات أجنبية، كما لا يمكن وصفها بأنها ليست منتجة بالمفهوم الرأسمالي لعملية الإنتاج حيث تمتلك مصانع في مصر يشتغل بها آلاف العمال ينتجون سلعا صناعية تباع في الأسواق المحلية والعالمية. أما عن فكرة أنها "وطنية أو غير وطنية" فإنني لا أستطيع بالضبط أن أحدد لماذا تكون هذه الشركات أكثر أو أقل وطنية من الشركات المماثلة لها في بلد رأسمالي متقدم، فسواء في مصر أو في فرنسا أو بريطانيا أو الولايات المتحدة، كل هذه النوعيات من الشركات تسعى دائما إلى تعظيم أرباحها وتقليل المخاطر التي تتعرض لها بكل الأساليب الممكنة. وعن مسألة كونها مستغلة من عدمه، فلا يمكن تصور وجود رأسمالية غير مستغلة بأي معنى لأن عملية الإنتاج الرأسمالية نفسها عملية قائمة على الاستغلال، وإلا ما تحققت الأرباح.

وبالنسبة لقطاع الخدمات المالية والوكالات التجارية والوساطة وغيرها، فهذه الأنشطة بطبيعتها طفيلية على عملية الإنتاج، ولكن الرأسماليين الذين يعملون في هذه المجالات لا ينفصلون تماما عن عملية الإنتاج إلا في التصورات الأيديولوجية الساذجة وغالبا ما يكون ممولو الشركات المنتجة هم أنفسهم الذين يتعاملون في قطاع الخدمات المالية والوكالة التجارية وغيرها، فرأس المال يبحث دائما عن فرص تعظيم العائد وأينما وجدت هذه الفرص يتوجه إليها الرأسماليون دون اعتبار لهذا الخط الوهمي الفاصل بين الرأسمالية الصناعية والرأسمالية المالية والتجارية. ذلك علاوة على أن نفس هذه الأنشطة الطفيلية (المالية وخلافه) تمثل قطاعا كبيرا من نشاط الرأسمالية في أكثر المراكز الرأسمالية تقدما في العالم سواء في الولايات المتحدة أو في أوروبا أو في اليابان أو الدول حديثة التصنيع في جنوب شرق آسيا. فهل يجوز لنا استنادا إلى ذلك أن نصف الرأسمالية الأمريكية مثلا بأنها رأسمالية طفيلية كمبرادورية تابعة غير منتجة؟!

ومع ذلك يظل هناك فرق بين الرأسمالية المصرية وبين الرأسمالية في المراكز المتقدمة في العالم، ولكن ذلك الفرق لا يتعلق بأنها منتجة أو غير منتجة، ولا كونها تابعة وطفيلية أو منتجة ووطنية، فهذه مصطلحات مجردة لا معنى لها بالنسبة لرأس المال الذي لا يعبأ إلا بالعائد الأفضل والمخاطر الأقل. إنما الفرق الحقيقي هو أن الرأسمالية المصرية أضعف تأثيرا وأصغر حجما من نظيرتها في المراكز المتقدمة، ولذلك فهي تحتاج إلى مساندة الدولة لها من جانب والتعاون والشراكة مع الرأسمالية المتقدمة من جانب آخر حتى تستطيع تحقيق أرباح وتتمكن من تحقيق مستوى من التراكم الرأسمالي يجعلها قادرة على الصمود في المنافسة سواء في أسواق الخارج أو أسواق الداخل. فهي تحتاج إلى دولة أكثر استبدادا وتسلطا تساندها وتقدم لها مختلف التسهيلات وتحميها من ضغوط الطبقة العاملة والمقهورين في المجتمع وتساعدها على تكثيف الاستغلال حتى تلحق بالمستويات العالمية في تحقيق التراكم المطلوب وتؤمنها من مخاطر الركود والإنهيار بفعل المنافسة أو الدمار بفعل ثورة وتمرد العمال. كما تحتاج أيضا إلى مشاركة الرأسمالية المتقدمة من أجل الحصول على التمويل والتكنولوجيا المتقدمة والأسواق، ولا تستطيع أن تفلت من شروط هذه الشراكة أو حدودها. ولا يمكن، ولم يحدث، أن تتطور رأسمالية في بلد متأخر اقتصاديا بدون هذه المحددات بدرجة أو بأخرى.

نستطيع أن نرى ذلك بوضوح في مصر الآن، كما نستطيع أن نراه أيضا قبل حركة الضباط الأحرار في بداية الخمسينيات، كما يمكن أن نتتبعه في كل الدول المتأخرة اقتصاديا، بل وفي تجربة الدول حديثة التصنيع في شرق آسيا وفي أمريكا اللاتينية.

أما عن مؤسسة الدولة المصرية، فلا نستطيع أن نصفها بأنها دولة عميلة وتابعة تتلقى أوامرها من الولايات المتحدة وأوروبا وإسرائيل التي غالبا ما تكون ضد المصالح "الوطنية" للشعب المصري، ولا نستطبع أيضا أن نصفها بأنها دولة "وطنية" مستقلة تماما. أولا لأن مفهوم "الوطنية" نفسه مفهوم مجرد وغامض يصعب تحديده في إطار معين يمكن القياس عليه. فإذا كانت المصالح "الوطنية" تعني تأمين الحدود الجغرافية ضد العدوان الأجنبي، فلا نستطيع أن نصف الدولة المصرية بأنها غير وطنية، لأنه لا يوجد عدوان أجنبي على أراضيها وتخاذلت عن ردعه أو التعامل معه بطريقة أو بأخرى. وإذا كانت المصالح "الوطنية" تعني حماية تراكم رأس المال داخل حدود مصر ومساعدة الرأسمالية المصرية على النهوض بأفضل السبل الممكنة في ظل ظروفها التاريخية وظروف نشأتها ودرجة تطورها، فلا يستطيع أحد أن يزعم أن الدولة المصرية لا تساعد هذه الرأسمالية بكل ما يتوافر لها من قدرة وطاقة على تحقيق ذلك. بل أن أهم انتقاد يوجه للدولة حاليا أنها تنحاز بكل ثقلها وراء الطبقة الرأسمالية لتعظيم أرباحها وتأمين ثروتها على حساب أي اعتبارات أخرى. وإذا كانت الدولة تقوم برعاية المصالح الأجنبية داخل مصر وحمايتها، فإنها تقوم بذلك على أساس حاجتها إلى الشراكة مع هذه المصالح الأجنبية في تحقيق ما تراه "مصالح وطنية"، وهي في ذلك لا تدخل في تناقض حاد مع المطالب والمصالح الكلية للرأسمالية المصرية، ومن ضمنها الرأسمالية الصناعية. زد على ذلك أن مفهوم الشعب نفسه مفهوم غامض حيث يضع في بوتقة واحدة طبقات اجتماعية متناقضة في مصالحها ومتصارعة فيما بينها بصورة لا يمكن التوفيق بينها مما يفرغ فكرة المصالح "الوطنية" للشعب من أي مضمون حقيقي مقارنة بمفهوم مصالح الطبقة الحاكمة التي تعممها الدولة وتسميها مصلحة "عامة" أو مصلحة "عليا" للوطن.

هناك بالطبع مساحات كبيرة من الفساد والمحاباة لأفراد وشركات بعينها كما يتضح من اتفاقيات الغاز والنفط التي تعقدها الحكومة سواء مع دول أو شركات أجنبية أو محلية، ولكن هذا الفساد دائما ملازم للرأسمالية أينما وجدت ويزداد أكثر عندما يسود الاستبداد في أي دولة، والذي يرجع عادة إلى توازن ضعف أو قوة الطبقات الرئيسية، مما يعطي لمؤسسة الدولة قوة أكبر في مواجهة الداخل رغم كونها ضعيفة أمام القوى والمؤثرات الخارجية. علاوة على أن الفساد يعد شكلا من أشكال إعادة توزيع الثروة على مختلف مراكز القوة في النظام الرأسمالي، ويحتاج إليه الرأسماليون مالكو رأس المال الاقتصادي ومالكو رأس المال السياسي، ولا يتحول إلى مشكلة إلا عند الأزمات والصراع بين مختلف شرائح الرأسمالية على اقتسام عائد محدود.

أما فكرة أن تكون الدولة مستقلة في مواقفها السياسية عن المؤثرات الخارجية – سياسية واقتصادية – وإلا كانت دولة عميلة وتابعة، فهي فكرة وهمية لا تتفق وواقع وتاريخ النظام الرأسمالي المنقسم إلى دول قومية تتشابك مصالحها أحيانا وتتعارض في أحيان أخرى، تلتقي في أمور وفي أمور أخرى تتناقض، وتفرض تنازلات في بعض القضايا ومناورات وصراعات في قضايا أخرى. وكل دولة تتخذ القرار الملائم لها وفقا لتوازن القوى والمصالح بين الأخوة الأعداء، وهم أخوة وأعداء ليسوا على نفس الدرجة من القوة ويتصارعون على مصالح وفي قضايا ليست في نفس الدرجة من الأهمية. فالدولة المصرية شريك أصغر للولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط، وعلى الشريك الأصغر أحيانا أن يقبل بعض الإملاءات والتنازلات وأحيانا أن يرفض بعضها الآخر، وأحيانا يشارك في خطط ومؤامرات مع الإمبريالية الكبرى وأحيانا يشارك في مناورات ومؤامرات ضد خطط هذه الإمبريالية، وفي كل حالة تخضع المسألة لحسابات المصالح والأهداف وتوازن القوى بين أطراف علاقة بطبيعتها غير متوازنة بسبب عدم تكافؤ أطرافها.

من هنا نستطيع أن نقرأ بهذا القدر أو ذاك من الوضوح سياسات الدولة المصرية ونتخذ موقفا منها إذا حددنا نقطة انطلاقنا في تفسير وفهم هذه السياسات، وبالنسبة لليسار، ينبغي أن تكون نقطة الانطلاق هي مصالح الطبقة العاملة وأهدافها في التحرر من الاستغلال والقهر، وسواء جرى استغلالها على أيدي رأسمالية مصرية أو أجنبية، أو تم نهب مواردها بواسطة شركة مصرية أو شركة أجنبية أو بشراكة بينهما، أو تم استغلالها بشكل مباشر من قبل رأسمالية إنتاجية أو بشكل غير مباشر من قبل رأسمالية تجارية أو مالية، أو من قبل رأس المال الخاص أو الدولة أوغير ذلك من اتفاقيات سيادية تقوم بها الدولة وتمثل إهدارا لموارد البلاد – فكل ذلك يتم على حساب الطبقة العاملة ولصالح البرجوازية اقتصاديا وسياسيا.










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وسام قطب يقلد المشاهير ويصف بعضهم بكلمة ????


.. إيرانيون يعلقون على موت رئيسي • فرانس 24 / FRANCE 24




.. آفة التنمر تنتشر في المدارس.. ما الوسائل والطرق للحماية منها


.. مصرع وزير خارجية إيران حسين أمير عبد اللهيان في تحطم مروحية




.. مصرع الرئيس الإيراني.. بيانات تضامن وتعازي ومواساة ومجالس عز