الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


روسيا بين قيصرين

محمد بن سعيد الفطيسي

2008 / 3 / 19
مواضيع وابحاث سياسية


ديمتري ميدفيديف القيصر الجديد القادم لاعتلاء كرسي الرئاسة بالإمبراطورية الروسية , هذا ما قررته نتيجة الانتخابات الرئاسية الروسية , والتي أقيمت بتاريخ 2 / 3 / 2008 م , وبالطبع فكما سبق واشرنا في عدد من المقالات السابقة , الى أن هذا النجاح المحسوم سلفا , والذي لم يمثل مفاجأة لأحد ما , قد كان متوقعا للكثير من المحللين والمراقبين للشأن الروسي , " انظر مقالنا : قراءة في آفاق الانتخابات الروسية القادمة " , وبما أننا تناولنا الفترة التي سبقت تلك الانتخابات , فإننا ومن خلال هذا الطرح سنحاول التطرق الى استقراء آفاق ما بعد الانتخابات الروسية , وذلك بتناول عدد من النقاط التي نتصور– من وجهة نظرنا - أنها ستشكل الصورة القادمة لكيان وشخصية هذه الإمبراطورية العائدة بقوة الى الواجهة الدولية , وخصوصا في علاقتها مع الغرب بوجه عام , والولايات المتحدة الاميركية على وجه التحديد , وهي العلاقة التي طالما شكلت صورة هذه الإمبراطورية في أعين العالم0
ولكن وقبل الدخول الى تفاصيل تلك النقاط , كان من الضروري التطرق الى فهم أبعاد الشراكة الفكرية والسياسية والنفسية التاريخية بين الرئيسين فلاديمير بوتين و ديمتري ميدفيديف , والتي سنقدر من خلالها على استقراء إطار السياسة الخارجية الروسية في الفترة الرئاسية القادمة , ومنها على صورة روسيا الاتحادية خلال فترة رئاسة ديمتري ميدفيديف , فكما هو معروف بان الرئيس الروسي السابق فلاديمير بوتين كان ولازال من وجهة نظر الكثيرين , المعلم الروحي والصديق الشريك للرئيس الروسي المنتخب ديمتري ميدفيديف , هذا بالإضافة الى كون هذا الأخير يحمل في عنقه الفضل الأكبر لوجوده تحت قباب الكرملين للرئيس فلاديمير بوتين , فقد كان مرشح حزب روسيا الموحدة الحاكم " صاحب الأغلبية البرلمانية ", والذي يمثل تيار وفكر الرئيس الروسي السابق فلاديمير بوتين بشكل رئيسي, وبالتالي فإنه مدعوم سلفا من قبل الرئيس بوتين ومؤيديه , ونحن نعلم ما يمثله ذلك الدعم الشخصي للرئيس بوتين للمرشح الجديد , من الناحيتين الشعبية والسياسية 0
هذا بالإضافة الى كون ديمتري ميدفيديف يحمل الكثير من أفكار وأطروحات بوتين السياسية والاقتصادية التي تشاركا فيها معا على مدى سنوات مسيرتهم الأكاديمية والسياسية , وهو ما أكدته تصريحاته الشخصية بعيد انتخابه خليفة لبوتين , ورئيسا لثاني أقوى الدول النووية في العالم , والتي أشار فيها الى أن سياسته بشكل عام لن تختلف كثيرا عن سياسة سلفه الرئيس السابق فلاديمير بوتين , حيث تعهد ميدفيديف في أول كلمة يلقيها بعد فوزه بالانتخابات بالسير على خطى الرئيس المنتهية ولايته , قائلا :- ( لدينا كل الفرص للمحافظة على سياسة بوتين , سنمضي قدما و معا سننتصر ) , مؤكدا انه سيواصل انتهاج ذات السياسة الخارجية التي رسخها بوتين على مدى ثماني سنوات في الحكم ، منوهاً الى أن جوهر تلك السياسية : هو حماية المصالح الروسية حول العالم 0
وبالرغم من أن الأغلبية السياسية الروسية ترى في ميدفيديف مجرد امتداد لظل شخصية معلمه , وربما رئيس وزراءه القادم إن صحت بعض التوقعات , إلا أن ذلك لا يعني أن الرئيس الروسي المنتخب ديمتري ميدفيديف فاقد للشخصية , او مركزية إدارة السلطة الروسية , بل على العكس من ذلك , فهو يقف في موقف أصعب بكثير من موقف بوتين الذي أتى إلا السلطة على أنقاض إمبراطورية منهارة ورئيس ضعيف , فاستطاع بسهولة أن يصنع الفرق ما بين الماضي المترهل والحاضر القوي الذي شكله لروسيا بوتين , وان كان ما صنعه لروسيا يعتبر بمثابة إعادة الحياة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى لروح إمبراطورية شكلت القطب الموازن للولايات المتحدة الاميركية على رقعة الشطرنج الدولية , وذلك على مدى نصف قرن, ( انظر مقالنا : في ظلال الهيمنة , وحتى الأموات يعودون الى الحياة ) 0
أما ميدفيديف فانه سيعيش لحظات صعبة جدا خلال سنوات رئاسته , وهو ما يستدعي ضرورة إبراز قوة شخصيته في إطار من التميز والإبداع والتجديد , والمحافظة على الفاصل مابين شخصيته وانجازات معلمه وشريكه التاريخي فلاديمير بوتين , وهو ما حاول ديمتري ميدفيديف رسم خطوطه الفاصلة من البداية , ففي حين قال :- إن سياساته ستكون "استمرارا مباشرا" لسياسات الرئيس فلاديمير بوتين , أضاف انه سيحتفظ لنفسه بالسيطرة على السياسة الخارجية للدفاع عن مصالح روسيا , كما أجاب بشكل قوي وواضح حين سئل عمن سيوجه السياسة الخارجية لروسيا الاتحادية في حال أصبح بوتين رئيس لوزرائه , إن هذه ستكون مسؤولية الرئيس وليس رئيس الوزراء , وأردف قائلا أن "الرئيس يحدد السياسة الخارجية لروسيا طبقا للدستور , "فمكتب الرئيس ..هو الكرملين , ومكان رئيس الوزراء والحكومة هو البيت الأبيض , والمح الرئيس المنتخب الى أن الصلاحيات القوية المنوطة بالرئيس لن تقلص لمصلحة رئيس الوزراء , وقال خلال مؤتمر صحافي عقده ليلة انتخابه , إن :- للرئيس صلاحياته ولرئيس الوزراء صلاحياته , وهذه الصلاحيات أقرت منذ فترة طويلة ولا احد يريد تعديلها , وتابع أن الرئيس هو الذي يحدد السياسة الخارجية بموجب الدستور0
المهم في الأمر أننا استطعنا رسم صورة توضيحية مبدئية مختصرة لانعكاسات شخصية وفكر الرئيس السابق فلاديمير بوتين على السياسة الروسية القادمة , وذلك من خلال انعكاساتها الفكرية والسياسية على شخصية الرئيس المنتخب ديمتري ميدفيديف , في كلا الحالتين – أي – في حالة قبول بوتين لمنصب رئيس الوزراء او حالة رفضه لذلك المنصب المحتمل , وتوضيح بعض الخطوط الفاصلة بين شخصية الرجلين , وهو ما يعطينا انطباع أولي سنقدر من خلاله أن نختصر طبيعة تلك العلاقة على ثلاثة محاور , نختصرها في " التبعية المطلقة او الوسطية والتوازن او الانسلاخ والتفرد " , وقبل التطرق الى تفاصيل تلك المحاور , سنحاول تشكيل إطار عام لواقع ما ينتظر الرئيس المنتخب ديمتري ميدفيديف على مستوى السياسة الخارجية الروسية على وجه الخصوص , وذلك من خلال انعكاس أهم الملفات السياسية الساخنة التي تنتظر الرئيس المنتخب , على مستقبل العلاقة والشراكة مع الغرب بوجه عام , والإمبراطورية الاميركية على وجه الخصوص , وهي ما ستشكل إطار السياسة الخارجية الروسية التي وعد ميدفيديف بالتفرد بإداراتها , ومنها سنقدر على وضع إطار تلك المحاور الثلاثة , ومن أهم تلك الملفات وأبرزها , الملف ألشيشاني والاعتراف بكوسوفو , والدرع الصاروخي الاميركي وتأثيره على مكانة روسيا الجيواستراتيجية الدولية , وتأثيره على طبيعة العلاقة المستقبلية مع الولايات المتحدة الاميركية , وملف حلف الناتو , وعقبة المحافظة على انجازات بوتين السياسية والاقتصادية على وجه التحديد , والتي ستكون الاختبار الحقيقي للرئيس ميدفيديف , وهي نفسها النقاط التي اشرنا إليها سلفا , والتي ستشكل الصورة القادمة لكيان وشخصية الإمبراطورية الروسية في أعين العالم بوجه عام , وطبيعة علاقتها مع الولايات المتحدة الاميركية على وجه الخصوص 0
فالمحور الأول وهو محور التبعية المطلقة , ويطالعنا برئيس فاقد الكيان والشخصية , يدير إمبراطورية عظمى بأفكار معلمه دون أي تحفظ او تجديد , وفي كلا الحالتين السابقتين , ونعطي لهذا الاحتمال نسبة 15% , رغم أن هذا المحور لن يشكل تأثير كبيرا على قوة روسيا الخارجية , ومستقبل علاقتها مع الغرب على المدى القصير , وان كان سيؤثر كثيرا على السياسة الداخلية , وسيزيد من قوة فرص المعارضة في إضعاف رئاسة ميدفيديف , وخصوصا في الحالة الأولى , - ونقصد- عدم وجود بوتين كشريك في إدارة السياسة الخارجية والداخلية الروسية , أما المحور الثاني وهو محور الوسطية والتوازن , او الشراكة في إدارة الدولة , فإننا نعطيه النسبة الأكبر وهي 80 % , وذلك في حالة وجود الرئيس السابق فلاديمير بوتين في رئاسة الوزراء , فليس بوتين بالرجل الذي يعتدي على سلطة غيره , وخصوصا كونه قد وضع حجر الأساس لإعادة الحياة لشرايين إمبراطورية كانت يوما من الأيام إحدى أهم القوة العالمية المؤثرة , وهو بنفسه لا يريد أن تضعف او يتراجع دورها في ظل وجود خلافات على السلطة , وبالتالي سيكون دوره بالإضافة الى منصب رئيس الوزراء , الموجه والمستشار الأمين والمعلم الروحي لميدفيديف , هذا بالإضافة الى عوامل أخرى ستكون حائلا دون تنازع الأدوار , وعلى رأسها الصداقة التاريخية والشراكة الفكرية والوطنية العميقة التي يتحلى بها الرجلين , أما الاحتمال الأخير وهو احتمال الانسلاخ والتفرد فنعطيه النسبة الباقية وهي 5 % فقط , وهو احتمال ضعيف جدا , ولنفس الأسباب سالفة الذكر 0
وختاما فان روسيا ميدفيديف ستظل هي نفسها روسيا التي وضع قواعدها الرئيس الروسي السابق فلاديمير بوتين, وخصوصا تجاه القضايا القومية والوطنية التي تمس سيادة ومكانة الإمبراطورية الروسية الجيواستراتيجية والجيوبوليتيكية مع العالم , كما أشار الى ذلك الرئيس الروسي فلاديمير بوتين نفسه بقوله :- إن الشراكة بين روسيا والغرب لن تكون " أسهل " في عهد خلفه ديميتري مدفيديف الذي قال عنه :- إن ميوله القومية والوطنية لن تكون اقل منه , ورداً على بعض التقارير التي أشارت الى إمكانية تحسن العلاقات بين الغرب وروسيا بعد رحيل بوتين من الكرملين، أشار هذا الأخير الى أن : ديمتري مدفيديف سيكون حرا في التعبير عن أرائه الليبرالية , ولكنه بكل تأكيد ليس اقل مني من حيث حرصه على القومية الروسية ، بالمعنى الدقيق للكلمة ، ولا اعتقد إن الشراكة ستكون معه أكثر سهولة , - وبمعنى آخر – فان الكلمات السابقة للرئيس الروسي السابق فلاديمير بوتين , تضع أطر العلاقة والشراكة الروسية المستقبلية مع الغرب , وهي نفسها الانعكاس الصريح لشكل العلاقة المستقبلية ما بين القيصرين 0

الأستاذ / محمد بن سعيد الفطيسي
كاتب وباحث في الشؤون السياسية والعلاقات الدولية
[email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل - حماس: أبرز نقاط الخلاف التي تحول دون التوصل لاتفاق


.. فرنسا: لا هواتف قبل سن الـ11 ولا أجهزة ذكية قبل الـ13.. ما ر




.. مقترح فرنسي لإيجاد تسوية بين إسرائيل ولبنان لتهدئة التوتر


.. بلينكن اقترح على إسرائيل «حلولاً أفضل» لتجنب هجوم رفح.. ما ا




.. تصاعد مخاوف سكان قطاع غزة من عملية اجتياح رفح قبل أي هدنة