الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


انسداد حضاري

مجدي شندي

2008 / 3 / 20
مواضيع وابحاث سياسية


أيام قليلة وتبدأ القمة العربية في دمشق.. انشغل الناس طويلاً بالذاهبين إلى القمة والزاهدين فيها، جلسنا نراقب ذلك المخاض العسير حول توجيه الدعوات ومستوى تمثيل كل بلد، والمناكفات التي ربطت المشاركة بحل أزمات مزمنة..
وفي غمرة التركيز على شكل القمة وما إذا كانت ستضم كبار القادة العرب أم ستخلو القاعات منهم نسي الجميع أموراً جوهرية.. على رأسها هل سيتقدم الزعماء العرب خطوة أخرى على غير ما تعودنا منهم، هل سيحسمون أمراً ويباشرون فعلاً تنتظره منهم الجماهير العربية، أم سيختلفون ويتشاحنون ويتقاذفون بالأطباق ثم ينفض السامر بكلمات جوفاء عن المصالحات البينية والتضامن العربي؟
أكثر المتفائلين لا يعول كثيراً على القمة.. فالاجتماع لم يعد يخيف أحداً والفرقة لم تعد تحزن أحداً، ذلك أن المجتمعين حددوا خياراتهم مسبقاً وحاولوا البحث عن حلول لأزماتهم بعيداً عن رابط العروبة الذي تحول إلى أضحوكة.
هاجس أي كيان في العالم هو الأمن والمصالح المشتركة مع الجوار، وقد وجدت الدول العربية بشكل فردي طرقاً لتعويض الخلل الذي أصاب المنظومة العربية، فالدول التي تهدد أمنها بسبب الصراع العربي الإسرائيلي إما عقدت معاهدات صلح منفردة كما هو حال مصر والأردن، أو دخلت طرفاً في تحالفات إقليمية جديدة توفر لها مظلة جديدة لا تتقدم خطوة باتجاه تحرير الأرض المحتلة، لكنها تضمن بقاء الأوضاع على ما هي عليه، وشوكة تمكنها من الرد على إسرائيل إذا هاجمتها كما هو حال سوريا والمقاومة في لبنان.
والدول التي تهدد أمنها بسبب مطامع القوى العالمية في النفط والوجود العسكري لجيوش هذه القوى في المنطقة لجأت إلى اتفاقات مباشرة أو ضمنية مع هذه القوى تتيح ضمان تدفق البترول مقابل الحماية وضمان استقرار أنظمتها مع أنه لا يوجد طرف آخر يهدد أمن هذه الدول إلا الطرف الذي أبرمت معه الاتفاقات.
أما المصالح المشتركة في التجارة والاستثمارات مع الجوار فقد خرج الجميع منها إما بالبحث عن شركاء في تجمعات إقليمية صغيرة كما هو حال مجلس التعاون الخليجي، أو بالتحليق في فضاءات أخرى كالاتحاد الأوروبي أو الولايات المتحدة، فالودائع تذهب إلى البنوك الغربية.
وهناك تنافس محموم بين بعض الدول الخليجية على شراء حصص من شركات عالمية، كما أن الأيدي العاملة أصبحت تأتي من المخزون الآسيوي الضخم بقواه البشرية أو من الأفارقة الذين يفرون من الفقر والقهر في بلدانهم، ولم يعد أحد يعير اهتماماً لاختلافات اللغة والثقافة والقيم إذ أن الأهم هو رخص الأيدي العاملة من عدمه.
المشاعر العربية المشتركة أصبحت هي الأخرى باهتة فالتظاهرات تعم مدن العالم بمناسبة الذكرى الخامسة لاحتلال العراق، فيما المدن العربية لاهية عما يجري، كما أن المحرقة التي تعرض لها قطاع غزة قبل أسبوعين وإن كانت أثارت مشاعر كثيرين في العالم العربي إلا أنها لم تفلح في تحريك احتجاج ذي شأن في أي من العواصم الغربية.
كل طرف عربي انكفأ على أحزانه ومشكلاته، فمصر تعيش أزمة طاحنة في توفير رغيف الخبز فيما الأراضي الخصبة لا تجد من يزرعها على بعد مرمى حجر في السودان، وقطاع غزة عاش مأساة بسبب انقطاع الوقود، وهو يحسب على أمة تعوم فوق خزانات هائلة من النفط.
والفقر يعشش في الصومال والسودان واليمن وموريتانيا وفلسطين فيما تجوب الأموال العربية بقاع العالم بحثاً عن مشروعات استثمارية، وفيما يصدأ السلاح في المخازن العربية ويعوض بصفقات جديدة من أحدث الأسلحة تتكلف المليارات يقف المقاومون في غزة والضفة بأسلحة بدائية يذودون بها عن ما تبقى من الوطن والعرض والكرامة.
بعد أن انفكت الروابط ما الذي يمكن أن يجتمع من أجله القادة العرب.. هل هو مجرد حفاظ على مؤسسة خربة يعشش فيها البوم منذ زمن؟ أم تنفيس لرغبات في الشتم وإلقاء التهم على الآخرين بالمسؤولية عن التردي الذي نعيشه؟
العالم العربي لا يعاني انسداداً سياسياً فقط حيث تفتقد الديمقراطية ويغيب تداول السلطة، بل يعيش انسداداً حضارياً غير مسبوق، فكل شيء يحتاج إلى تغيير من التعليم إلى الاقتصاد مروراً بالسياسة، بينما إرادة الفعل توفاها الله منذ زمن. إذا كانت القمم العربية تتسلى بنا، فهناك ألف طريقة للتسلية ربما أجدى وأنفع من بيانات تأتي عليها دابة الأرض قبل أن يخرج المجتمعون من قاعة الاجتماع.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مين اعترف بالحب قبل.. بيسان أو محمود؟ ????


.. العراق.. اهتمام شعبي لافت بالجرحى الفلسطينيين القادمين من غز




.. الانتخابات الأوروبية: انتكاسة مريرة للخضر بعد معجزة 2019.. م


.. أغذية فاسدة أو ملوثة، سلع مستوردة مجهولة المصدر.. كيف نضمن ج




.. هنا تم احتجازهم وهكذا تم تحريرهم.. مراسل سكاي نيوز عربية من