الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المفاوضات في المنظور الفلسطيني الرسمي

عماد صلاح الدين

2008 / 3 / 21
القضية الفلسطينية


عبر التاريخ ، وبسوابق التجارب الملموسة ، لم نقرأ ولم نسمع ولم نعاصر أيضا حركات تحرر وطنية تلجأ إلى خيار المفاوضات مع عدوها الغاصب لأرض شعبها ضمن سياقات واطر يتم اصطناعها – لا علاقة لها بطبيعة العلاقة المعروفة بين قوة الاحتلال والشعب الواقع تحت الاحتلال ، وكذا لا علاقة لها بالعمل الأممي والدولي المنظم في العرف والقانون الدوليين – وتقوم على توجه وناحية تقديم اعترافات بمتطلبات وشروط القوة المحتلة والقوى المتحالفة معها دوليا كما هو الحال مع " إسرائيل".

في القانون الدولي والعرف الذي تسير في طريقه ومساره مجمل العلاقات الدولية ، لا يوجد هناك ما يبرر أو بالأحرى ما يلزم الشعب الواقع تحت الاحتلال كما هو الحال مع الشعب الفلسطيني في مواجهة الكيان " الإسرائيلي" أن يلجأ إلى خيارات سياسية ودبلوماسية مجردة من القوة والعنف لكي يطالب بحقوقه ، فميثاق الأمم المتحدة الذي هو اكبر واهم مرجعية قانونية ودولية يعطي الشعب الفلسطيني الخاضع للاحتلال الحق الفوري والمباشر للدفاع عن النفس واستخدام كافة الوسائل وفي المقدم منها القوة المسلحة من اجل دحر الاحتلال وتحقيق حق المصير المكفول في الميثاق نفسه ومجمل المكون الأساسي في الشرعية القانونية والأخلاقية الدولية .

ولذلك ، فان الخط الواضح والجدلية المعروفة في علاقة حركات التحرر الوطنية مع القوى المحتلة تؤدي إلى الحراك الديناميكي العنفي أو المسلح وبشكل تعاكسي الأهداف بين أطراف العلاقة المتضادة في الأهداف نفسها ؛ بين إرادة وهدف التحرر وبين النقيض الواقع فعلا ووجودا وهنا القصد ينصرف إلى الاحتلال المادي غير الشرعي .لابد وان يؤدي مجمل هذا الحراك الطبيعي المتضاد والمتعاكس بين طرفي العلاقة المذكورين آنفا إلى إلحاق الأذى والضرر والتكلفة المادية والبشرية والمعنوية بالطرف الخارج عن فلسفة ومسيرة الحق الإنساني في إطار الحياة الإنسانية التي لا يستقيم حالها إلا بمرجعيات العدل المختلفة إنسانيا أو سماويا . وضمن هذا السياق تعمل وتجَد حركات التحرر الوطني وبما ملكت من وسائل بغية تحقيق دفع الظلم الاعتدائي والاحتلالي . وينبغي التذكير هنا والإشارة إلى أن مسيرة التحرر الوطني التي تقودها حركة بعينها في بلد ما أو حتى مجموعة من الحركات والأطر الوطنية المقاومة، وتحديدا بخيار المقاومة المسلحة لا تعني اختزال مجمل الوطن في شخص وذات هذه الحركة وشخوص قادتها ومسئوليها ، حتى إذا أصاب هذه الحركة الموت الهلاك أو الضعف و التراجع وغيرها من الأدواء المختلفة سياسيا واجتماعيا ووجوديا ، فلا يعني ذلك أن الوطن أو الأرض المحتلة انتفى الأمل والرجاء في تحريرها وتحقيق الحرية والاستقلال لأهلها وسكانها الأصليين ، فالتحرير قد يمتد جيلا يخلفه جيل .
لكن في تجربة حركة التحرر الوطني الفلسطيني التي ظهرت إلى الوجود الرسمي والفعلي في أواسط ستينيات القرن الماضي تكمن المصيبة والأساة الحقيقية ؛ فحركة التحرر الوطنية هذه التي هي في المجمل منظمة التحرير الفلسطينية وبالقلب منها حركة فتح كانت ولا زالت تعتبر أن القضية الفلسطينية مرتبطة فقط بها ، وان مستقبلها: طبيعة وحالا وحدودا يحدده مآل ومصير حركة التحرر الممثلة بمنظمة التحرير وحركة فتح ، وليس بالنظر إلى أن أية حركة تحرر في العالم كله يحكمها مبدأ وفلسفة لا حياد عنهما مهما كانت الظروف والأحوال محليا و إقليميا و دوليا وهو: أنها ما وجدت إلا لتحقق هدف التحرر الذي من اجله قامت وكان باسمها لصيقا لا مفر منه بحكم الطبيعة والتكوين والشكل ، وهي – أي حركة التحرر – ما بين حقيقة إنشائها وإيجادها وحالة تحركها بالهدف المكرسة له أساسا ، إنما هي تقوم بالدور الوظيفي الملقى على عاتقها والذي قبلت به ابتداء عن رضا وطيب خاطر ، وهذا يعني أنها تبذل الجهد والعناية لتحقيق الهدف وليس عليها فرض واجب تحقيق نتيجة العملية النضالية تحررا واستقلالا ، حتى إذا ما فشلت هذه الحركة أو لم تواتيها الإمكانيات والظروف ، بقيت مهمة التحرير والاستقلال قائمة ما دام هناك احتلال ، ليقوم بالمهمة أجيال أخرى من الحركات الوطنية ومن الجمهور والشعب نفسه الواقع تحت الاحتلال .

وبسبب طبيعة هذا الاعتبار والمنظور الذي تنظر من خلاله فتح ومنظمة التحرير إلى علاقتها بالقضية الفلسطينية، كانت النتيجة المأساوية والانعطافة التاريخية الخطيرة بحق القضية الفلسطينية متمثلة بقبول أوسلو ومفرداته . والحجة الجاهزة من القابلين بمشروع أوسلو وعملية السلام المتضمنة تنازلات أساسية وجوهرية تمس حقوق وثوابت الشعب الفلسطيني دون مقابل حقيقي ومواز، أن الظروف التي مرت بها فتح والمنظمة أجبرتها على أوسلو واشتراطاته وتنازلاته ، وان الواقعية السياسية تحتم ذلك . وكأن فتح والمنظمة هي فلسطين ، وليست فلسطين هي الهدف والأساس ، و هدف الأجيال الفلسطينية المتعاقبة ، ومن اجل تحريرها تنشأ الحركات وتحيى، وكذا تموت في سياق مشروع التضحية الذي لم يقل التاريخ انه مقتصر على وجود حركة بعينها ، يستحيل التحرير بعدها .

ويعني ربطَ حركة التحرر الوطني الفلسطيني" منظمة التحرير وحركة فتح " مصير القضية الفلسطينية برمتها بمصيرها هي ، أنها حركة تبحث عن مكان قيادي وبارز وأيضا مصالح دائمة وثابتة ولو كان ذلك بثمن يقدم للاحتلال ترفضه طبيعة العلاقة السائدة والمنبثقة أساسا من الشعوب الواقعة تحت الاحتلال ، وهو أيضا مرفوض تاريخيا وفي سياق التجربة والممارسة . وفي حديث البحث عن الدور والمكانة والمصالح بثمن ، لنا أن نميز بين فئتين من قيادة حركة التحرر الوطني الفلسطينية السابقة ، أما الأولى فتنصرف إلى القيادة في عهد الراحل عرفات منذ مدريد وأوسلو حتى اغتياله جسديا وسياسيا في عام 2004 ، فصحيح أن الراحل عرفات كان يبحث عن دور لبقاء حركته وشخصه سياسيا من خلال الذهاب إلى مشروع التسوية بأثمان سياسية خطيرة قدمها ل "إسرائيل" من مثل الاعتراف بها ونبذ المقاومة وغيرها ، إلا أن الرجل أراد حفظ حد أدنى من حقوق الفلسطينيين لا يمكن تجاوزه ولو بأثمان الدنيا كلها ، ولو كان الثمن عرفات نفسه جسدا وسياسية ، ولقد قدم عرفات ثمن حفظ هذا الحد الأدنى من حياته ووجوده السياسي.

أما الفئة الثانية من قيادة حركة التحرر الوطني والمتولدة من عملية السلام والتسوية نفسها ، والتي انبثقت رسميا إلى الوجود القيادي في أعلى مراتبه بعد وفاة ياسر عرفات ، فهذه القيادة ومن خلال التجربة الحية ثبت أنها تبحث عن الدور والمكانة والبقاء السياسي بأي ثمن كان ، ولو كان دون حفظ هذا الحد الأدنى الذي اغتيل من اجله عرفات مسموما . ولعل هذا الموقف الأخير من هذه القيادة الجديدة هو السبب الحقيقي للخلاف والوصول إلى مرحلة الصراع والاحتراب الداخلي بين حركتي حماس وفتح منذ فوز الأولى في انتخابات يناير كانون الثاني 2006

دلائل وشواهد بحث القيادة المتولدة عن مشروع السلام عن دور وبقاء سياسي بأي ثمن.

إن قولنا بان القيادة الفلسطينية الرسمية الحالية تبحث عن دور ومكان وحفظ مصالح بأي ثمن ولو على حساب الحقوق والثوابت الأساسية للشعب الفلسطيني هو أمر يجد له سند ومرجعية تاريخية من خلال النظر إلى الطبيعة التي اكتست حركة التحرر الوطني الفلسطيني في مراحل مبكرة من نشأتها . وهذه الطبيعة غلبت عليها الصفة "الشخصانية" والفردية ؛ فتوزعت القضية في رهنها المصيري بين شخص الراحل عرفات وبين ظروف وواقع حركته والمنظمة التي يتزعمها ، إلى أن تدرجت الأمور في هذا الصدد إلى منحى أكثر سوءا وتحديدا بعد فشل مشروع التسوية في كامب ديفيد الثانية حتى بتنا أمام معادلة وواقع ربط القضية بمصالح وادوار أشخاص فرضوا على مستويات قيادية في السلطة والمنظمة وفتح بإرادة خارجية . والشواهد على "تقزيم" الأهداف والأغراض في إطار شخصي وذاتي كثيرة جدا ، ولنا أن نتساءل في هذه الزاوية بما يلي :
1- لماذا لم تغير القيادة الرسمية الفلسطينية الجديدة موقفها من المفاوضات باعتبارها خيار استراتيجيا بعد أن دلت الأدلة تباعا على فشلها، وإنها لم تكن سوى وسيلة خداع أمريكية و"إسرائيلية" لتحقيق مزيد من السيطرة والاستيطان في الضفة الغربية والقدس المحتلة ، أو على الأقل لماذا لم يتم الاتعاظ بالتجربة السابقة في عهد الراحل عرفات من خلال تغيير قواعد لعبة التفاوض التي كانت قائمة على تقديم التنازلات المسبقة دون ثمن مقابل للفلسطينيين ؟
2- لماذا تتهم القيادة الجديدة المقاومة الفلسطينية بالعبثية وبالحقيرة وغيرها من التوصيفات غير اللائقة أخلاقيا وسياسيا ووطنيا ، وتقوم بتحميلها المسؤولية عن نتائج الصراع مع الاحتلال ، مع أن" إسرائيل" نفسها لم تلتزم بأي تهدئة وافقت عليها الفصائل المقاومة بمسعى وطلب من القيادة التفاوضية ، ولنا باتفاقات القاهرة 2005 اكبر دليل على ذلك ؟.
3- لماذا رفضت القيادة التفاوضية نتائج الانتخابات التشريعية التي فازت بها حماس في يناير كانون الثاني 2006 ، واتخذت كل السبل في سياق تحالفات إقليمية ودولية من اجل الانقلاب على نتائج الديمقراطية التي شهد كثيرون بنزاهتها ومصداقيتها ؟.
4- لماذا كل هذا التهرب من كل محاولة لاتفاق أو التنصل والتخلص من أي اتفاق حول الرؤية السياسية الجامعة التي تكفل وتحفظ الحد الأدنى المتفق عليها فلسطينيا بشأن الحقوق والثوابت الأساسية، بما في ذلك التهرب من استحقاق إصلاح اطر ومؤسسات منظمة التحرير وإجراء انتخابات وطنية فلسطينية جامعة في الداخل والخارج للمجلس الوطني الفلسطيني باعتباره المرجعية التشريعية الجامعة لجميع الفلسطينيين ؟.
5- كيف يمكن للمرء أن يصدق بان القيادة الرسمية المفاوضة ببرنامجها السياسي يؤدي إلى الحد الأدنى من حقوق الفلسطينيين ؛ وهي تارة تنادي برؤيا بوش كمرجعية لحل الدولتين وتارة خارطة الطريق وثالثة المبادرة العربية ورابعة وثيقة انابوليس ، علما بأن ما ورد في معظم هذه المرجعيات لا يحقق الحد الأدنى المقبول فلسطينيا وعربيا، ثم ماذا تسمى فكرة تبادلية الأراضي التي يقبلها المفاوض الفلسطيني في مفهوم السياسة والقانون الدولي؟.
6- أخيرا ، كيف يمكن للمواطن الفلسطيني أن يصدق وان يثق بالمفاوض الفلسطيني في إعلاناته وتصريحاته المتكررة حول التمسك بالحقوق والثوابت ، وهو على الأقل في سياق المرحلة الحالية لا يزال يتمسك بالتفاوض كخيار تاريخي واستراتيجي ويعلن عن موافقته على استئناف المفاوضات مع "إسرائيل" دون شروط ، والحكومة "الإسرائيلية" في الوقت ذاته لازالت مستمرة في التأكيد على استمرار عملية الاستيطان في القدس المحتلة والضفة الغربية، وعلى استمرار القتل والاجتياح والتوغل والاغتيال في غزة المحاصرة والضفة المستباحة ، فكيف يلتقي كل هذا الإجرام الإسرائيلي مع المفاوضات وضرورة الشروع في عملية السلام ، أي تناقض كبير هذا؟.

بالفعل لقد بتنا أمام مشهد قيادة رسمية تربط مصير الأرض والإنسان الفلسطيني بمصيرها الشخصي والمصلحي . ولقد كثرت التنازلات الوطنية من قبلها ، بحيث لم يتبق من الحقوق والثوابت الأساسية والجوهرية ما يمكن أن تتنازل عنه مستقبلا ، ولقد أصبح الشعب الفلسطيني أمام معادلة جديدة في المساومة والابتزاز قائمة على محاولة التحكم في رغيف خبزه واحتياجاته الصحية والخدمية ، وهذه قمة الكارثة التي لحقت بالقضية وجوهرها الأساسي بفضل خطيئة السلام والإصرار عليها مجددا من قبل البعض ، رغم أن صورة واقع السلام المزعوم والمشئوم واضحة ، ولا يعيا وضوحها على احد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مقتل حسن نصر الله.. هل تخلت إيران عن حزب الله؟


.. دوي انفجار بعد سقوط صاروخ على نهاريا في الجليل الغربي




.. تصاعد الدخان بعد الغارة الإسرائيلية الجديدة على الضاحية الجن


.. اعتراض مسيرة أطلقت من جنوب لبنان فوق سماء مستوطنة نهاريا




.. مقابلة خاصة مع رئيس التيار الشيعي الحر الشيخ محمد الحاج حسن