الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بورتريه المخلّص

عبد العظيم فنجان

2008 / 3 / 21
الادب والفن


أتساقطُ من الشرفات كمياه الأمطار ، أو أتصاعد ، كالبخار ، من ابريق الشاي ، وبعد عدة دورات في الطبيعة سأتحولُ الى نطفةٍ في رحم ، لاُولد ثانية في نفس الوقت الذي وُلدتُ فيه في المرات السابقة : في تلك الساعة التي تُضرم فيها النار ، في بغداد ، فيختلط الحِبر والدم بمياه دجلة ، ثم يبدأ الفيضان : الطوفان ، أو الدموع ، حيث لا سفينة نجاة إلا قشّة الصدفة ، التي يمد اليها الناسُ أيديهم ، طلبا للنجاة ، دون جدوى ، لكن ، في الأخير ، لابد أن يجدني أحدهم نائما عند بابه في آخر الزقاق ، أو ضائعا بين الخرائب ، فيعتقدني المخلّصَ ، الذي جاء ذكره في الأساطير.
في المقطع الحالي من دورة حياتي ، تجدني امرأة طافيا على سطح الماء ، كما لوكنتُ سمكة ميتة ، وهي تعتقد أنني هبطتُ ملفوفا بريش الرحمة ، لكن الاوغاد نتفوه ، فتحملني بين ذراعيها وتمشي ، لاعنة هذا العالم الذي جفّ الحنانُ في قلبه ، تحت بروق المدافع ، وحشرجات المطر .


في الطريق الى بيتها نصادفُ مسلحين يرتدون لحى تطأ الارض : يفتشون ما بين ثدييها ، يفحصون حلمتيها بأظافرهم ، يبقرون بطنها ، يحفرون رأسها بمثاقب من حديد ، وأخيرا يقذفون شباكهم لصيد الاسماك بين ساقيها ، وانا بين ذراعيها أمص اصابعي العشرة ، ثم يسمحون لها بالمرور ، بعد أن يدققوا بوجهي ، ويقارنوه بألبومات كثيرة من الصور : " ليس المخلّص ، دعوها تمر " وهم جالسون على علب صفيح طافية فوق بحر من الجثث .
لا أعرف لِمَ يبدون وكأنهم أشباح ينحدرون من قعر الجحيم ، فهم لا يشبهون اولئك الذين كانوا يسكنون ، من قبل ، في هذا الزقاق ، الذي قطعته الآف المرات عبر التاريخ . ربما لغموض مهمتهم ، فهم يطلقون النارَ على بعضهم البعضَ حتى وهم نيّام ، دون أن يموت أحد منهم .

تبكي المرأة على مصيري الغامض ، وتتمنى لو أنها اتختني ابنا ، بدلا عن اولادها الذين فقدتهم في المجازر ، الحروب ، والفيضانات ، لكن لأن الحياة لاتطاق في هذه اللحظة ، لأن المجاعات ،
لأن البطالة ، لأن النفط ، لأن الدولار .. تصعد بي الى شرفة خيالها الفاتن ، منادية :
- " يا الله ، ارفق بهذا الطفل البريء ".
وترميني بكل قوتها الى فوق ، وهي تقفل عينيها بتضرع وعرفان ، مؤمنة بانني سأصعد الى السماء بحبل المعجزة ، او على الأقل كالبخار من ابريق الشاي ، فيما أنا ، في طريقي الى الاعلى أو الى الأسفل ، اواصل مص اصابعي العشرة ، مغمض العينين : لقد حفظتُ دروب الخذلان عن ظهر قلب ، ولم يعد بإمكاني أن أكون المخلّص ، ولا حتى الباحث عن الخلاص .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غير محظوظ لو شاهدت واحدا من هذه الأفلام #الصباح_مع_مها


.. أخرهم نيللي وهشام.. موجة انفصال أشهر ثنائيات تلاحق الوسط الف




.. فيلم #رفعت_عيني_للسما مش الهدف منه فيلم هو تحقيق لحلم? إحساس


.. الفيلم ده وصل أهم رسالة في الدنيا? رأي منى الشاذلي لأبطال في




.. في عيدها الـ 90 .. قصة أول يوم في تاريخ الإذاعة المصرية ب