الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عذرا يا شيخنا – نرفض الشهادة!

رمضان متولي

2008 / 3 / 23
حقوق الانسان


الفقراء يحبون الحياة ولا يخافون الموت … عبارة خطها فنان الكاريكاتير الفلسطيني الراحل ناجي العلي بريشته الحادة الرقيقة كمشرط الجراح في صورة رسمها لرجل يكشف عن صدره أمام العالم وعيناه مليئتان بالتحدي رغم ضلوعه المكشوفة ووجهه النحيل الذي تشقق بتجاعيد البؤس والشقاء وقسوة الحياة.

لم يكن الموت الذي يقصده الفنان العبقري الشهيد هو موت الفقراء انتظارا في طوابير الخبز، ولا في عبارات الفساد وبين أسنان الأسماك المتوحشة، ولا الموت ظلما واستبدادا في سلخانات التعذيب في أقسام الشرطة، ولا الموت غرقا في بحار الغربة هربا من جحيم الموت كمدا داخل بلد ضاقت بهم على اتساعها. إنما كان الموت في مواجهة العدو على جبهة القتال، في معركة شريفة من أجل حرية وحياة كريمة ومستقبل ملك لهم.

لذلك فإن فتوى الشيخ يوسف البدري بأن القتلى في طوابير الخبز شهداء كانت صادمة بالنسبة لي، فهذه الفتوى تطرح علينا سؤالا شديد الأهمية: هل ينبغي لنا أن نفرح لمقتل إنسان في طوابير الخبز ويودعه أهله بالزغاريد لأنه ذاهب إلى جنة الخلد دون حساب؟ الحقيقة أننا لا نستطيع أن نفخر باستشهاد من هذا النوع المشين، فهل يمكن أن تكون الشهادة نفسها عارا نكرهه ونتمنى ألا نتعرض له؟

إننا نحب الحياة، ولا نريد أن نموت هذه الميتة الشائنة الذليلة حتى وإن اعتبرها الشيوخ شهادة. أما الموت الذي ينبغي أن نفخر به، فلم نستطع أن نلقاه وتعذرت علينا وسائله. لو كان موتنا انتقاما ودفاعا عن الطفلة "سماح" التي قتلتها رصاصات الغدر الإسرائيلية على حدودنا وتقاعست همتنا عن القصاص لها، لو كان موتنا احتجاجا على الأوضاع المزرية ونهب مواردنا والفقر والفساد والبطالة وغيرها من الكوارث التي استشرت في بلادنا، لحقت لنا الشهادة وكان على التاريخ أن يسجل لنا ذلك في صفحات نورانية تمجد كفاحنا من أجل الحياة الكريمة.

عذرا يا شيخنا، لسنا في حاجة إلى عزاء من هذا النوع الذي يرقى إلى التخدير. نحن نعلم أن هذه الميتة ميتة ذليلة لا تستحق أن نفخر بها. لا نريد تلك الشهادة التي يترجمها أصحاب السلطة والمال أرباحا وقصورا وسيارات فارهة وغلمان وحور عين في الدنيا على شطآن مارينا وفي منتجعات البحر الأحمر والأبيض المتوسط.

الموت في طوابير الخبز ليس قدرا صنعته كارثة طبيعية أو قوة خارجة عن سيطرة القائمين على الأمر في بلادنا، إنما كان نتيجة لأسلوب عدائي ظالم في توزيع ثروة البلاد وتحديد الأولويات. فقد حددت الدولة أولوياتها بتشجيع الاستثمار والتصدير من خلال إغراء رجال الأعمال بأرباح فائقة وتكاليف متدنية لاستثماراتهم: قدمت لهم الدعم والعمالة الرخيصة، وخفضت عليهم الضرائب والجمارك، ورفعت أي رقابة على تحويل الأموال وتوجيه الاستثمار وتحديد الأسعار. تركت لهم المسرح يلعبون فيه كما يشاءون لتتحول البلاد إلى ساحة كبيرة للمقامرة بحياة الفقراء ولقمة العيش، وقترت على الفقراء وطالبتهم بالصبر والكرم والمروءة. وعندما حلت الكارثة وعم البلاء، رفعت يدها وجاء الشيوخ لتقديم العزاء.

إذا كانت الدولة حقا تريد تجنيب الناس هذه الكوارث، إذا كانت صادقة (ولنا كل الحق أن نشك في ذلك) في حل أزمة الخبز، فعليها أن تدخل مباشرة في صلب الحل. عليها أن توفر الخبز المدعوم بكميات كبيرة، ومن خلال مخابز ومنافذ تديرها الدولة تحت رقابة شعبية مباشرة لضمان عدم تسريب الدعم. عليها أن تقدم الدعم للفلاحين وتشجعهم على إنتاج القمح وطرحه بأسعار رخيصة للمطاحن المصرية بدلا من تقديم الدعم لمنتجي الحديد والأسمنت ومواد البناء الذين ينتهزون فرصة ارتفاع الأسعار العالمية لتصديره للخارج أو تحويله إلى أرباح خيالية ورفع أسعار هذه المواد بالداخل. ولكن رفع أسعار الأسمدة للفلاحين ونقصها في الأسواق يعني أن الحكومة لم تفعل ذلك ولن تفعل – فأرباح الأثرياء أغلى وأقدس عندها من دماء الفقراء.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مدعي الجنائية الدولية يطلب إصدار مذكرة لاعتقال نتنياهو وجالا


.. سعيد زياد: خطر وجود حقيقي لإسرائيل إذا أصدرت المحكمة الجنائي




.. زعيم المعارضة الإسرائيلية يدين قرار المحكمة الجنائية الدولية


.. مذكرات اعتقال تشمل شخصيات إسرائيلية وقادة من حماس للمحكمة ال




.. الجنائية الدولية: نسعى لإصدار أوامر اعتقال بحق نتنياهو والسن