الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سيناريو لجريمة محتملة

أنوار سرحان

2008 / 3 / 24
الادب والفن



يمثل هذا النص جزءا من مجموعة سيناريوهات مستقلّة :
_____________
نظرت إلى عينيه بلهفة…
ما أجمل عينيه البراقتين، ولكم أعشق التجاعيد الناعمة حولهما. من الغريب أنني أكره البشرة المشدودة وأجد في التجاعيد دليلا إلى الحياة. كما أنني أموت في ضحكته التي لا تكاد تفارق وجهه إلا نادرا. حدّقت فيه طويلا ثم انطلقت أغازله باللغة العربية التي أعشقها، وأتعمد استعمالها أمام اليهود فأستمتع بنظرات القلق في عيونهم وهم يحدّقون بي ويضيعون على أنفسهم متعة جلستهم بالنظر صوبي كأنما يترقبون مني أمرا خطيرا..
كلّ ذلك لمجرّد أنني أتحدث لغة عربية مختلطة بكلّ قطرة ماء أو ذرة تراب بهذه الأرض المثقلة بأنّات تاريخها..
أنغام التايتانك المنبعثة من داخل المطعم ، تثيرني وتؤجّج في صدري شوقاً لأقول غزلا لم أكن أتصور أني قادرةٌ على ابتكاره ، وصورةُ البحر المعلّقة فوق طاولة المطعم المستديرة تبدو غايةً في الجمال كلما بدت أضواء الشمعة الملونة أمامها فتتمازجان بسحر يجعلني أتصور نفسي أعانقه عند البحر، فينطلق لساني ليعبّر عن تلك الرعدة التي تثور في صدري متمنيةً فقط أن أرتميَ في حضنه. وحسام ينظر إليّ بفرحٍ وهو يكتشف جرأتي لأول مرة ، يبتسم ثم يقول :
_” لو كنت أعلم أن الغداء في هذا المطعم سيحلّ عقدة لسانك ويطلقها لدعوتك إليه منذ مدة لأستمع إلى جمال عباراتك الغزلية المثيرة.. أين تخبّئين كل هذا؟ !” .
–”لكني لا أخشى قول شيء هنا ما دام الزبائن كلهم من اليهود ولن يفقهوا قولي ولن يتهموني بالانحراف لأني أغازل شابا وسيما ..”
بدت شفتاه ترتجّان من شدة الضحك .، كم تمنيت في تلك اللحظة لو أمكنني إمساكهما بقبلةٍ تشبع مشاعري الملتهبة .
لكنّ حركةً غريبةً في المطعم قطعت عليّ متعتي وأفسدت جلستنا الرومنسية . أصواتٌ وكلامٌ كثير وتحركات للنادلات .جُلت بعيني فإذا بنظرات غريبة تلاحقني ، الجميع يحدّقون بي ويغرقونني بنظرات من الشك والاتهام .. يا إلهي ما الذي يحدث؟؟ ولماذا يرمقونني بهكذا نظرات؟ تراهم فهموا ما أقول؟ لكن ما الذي يعنيهم في الأمر؟
قطع تساؤلاتي دخولُ ضابط شرطةٍ إلى المكان ، دعانا جميعا إلى التجمع في ركن مجاور مؤكدا عدم السماح لأحد بمغادرة المطعم.. ريثما يتمّ التحقق من الأمر.
تجمّعنا في ركن مجاور ضيق لا يكاد يتسع لجميع الزبائن . غدت نظراتهم أقرب .. وسهام عيونهم تنغرس فيّ بعمق.. لماذا هذا الارتباك؟ هل حضرت إلى هنا لأجتمع بكل هؤلاء ونظراتهم وفي هذا الركن الضيق؟ ما كانت حاجتي لإطلاق لساني في مطعم عبري ؟ ألم يكن أفضل لو ذهبت لمكان عربي حتى لو اضطررت للخرس؟
أحدهم لا يكاد يزيح بعينيه عن وجهي. يراقبني ويهمس في أذن صاحبه بصوت منخفض لا أسمعه. وشابة روسية تتشبّث بذراع صديقها، وعيناها موجهتان نحوي بازدراءٍ وحنقٍ فظيعين. أنظر إلى حسام وأتساءل ما الذي يحدث فيشير إليّ بيده لأصمت!!
بات الازدحام يخنقني خصوصا وشابٌّ أسمر يلتصق بي فيحتكّ جسده بجسدي .. هل يستغل الفرصة لممارسة ميول غريبة؟؟ أبتعد عنه فيزداد التصاقا بي ، أدنو من حسام فأحس ببرود جسده. أنظر في عينيه باحثةً عن تجاعيده علّها تطمئنني ، فلا أجدها ، بدا وجهه مشدوداً متشنجاً خالياً من أية حياة. يأتيني صوت طفلة تسأل أمها ما الذي يحدث فتجيبها بعبرية معقوفة :”حيفتس حشود “(غرض مشبوه)! ، وتتابع بثقةٍ ومكرٍ وعيناها موجهتان نحوي : “يبدو أن أحد العرب القذرين قد وضع عبوةً ناسفةً في المطعم”. أتجاهل عبارتها وأتظاهر بعدم سماعها حتى لا أثير المشاكل . يكفيني ما أنا فيه !.
اقترب أحدهم مني حتى غدوت أحسّ وهج أنفاسه . قال متظاهراً باللطف : “أفّ فّ فّ !! متى يحل السلام وتنتهي هذه الحالات ؟؟” إلا أن عينيه قالتا عكس ذلك : (متى ينتهي وجودكم في هذه الأرض لنحيا نحن بسلام؟؟!!).
إبتسمتُ ابتسامةً خائفةً وجلى . قطعتها رنّةُ هاتفي بصوت الأذان (ألله أكبر) ..فانقضّ علي الجميع محاولين منعي من الردّ . حسبوا أنّ هاتفي سيفجّر العبوة. يا إلهي!!!…
أظن أن شيئا ما تمزق في أحشائي من الخوف لحظة, انقضوا عليّ بذلك الشكل المرعب والمفاجئ…لست متأكدةً…لكنني أحسستُ في نفس اللّحظة بشيءٍ ما يتمزّق… ولم ينقذني إلا دخول النادلة الشقراء لاهثةًً وهي تتكلّف الإبتسام بمشقةٍ قائلةً :” نأسف لإزعاجكم . بإمكانكم العودة إلى أماكنكم ، كانت تلك عبوة حفاظات للأطفال يبدو أن إحدى الزبائن قد نسيتها .. ليس هناك ما يُقلق” ..
أحسست بالغثيان و برغبة لا تقاوم في التقيؤ….لابدّ لي من بعض الهواء النقي….إتكأتُ على كتف حسام وأنا أهمس في أذنه باللّغة العبرية هذه المرّة , حتي لا يساء فهمي من جديد بأي شكلٍ من الأشكال.. رغم أنه لم يكن في إمكانهم سماعُ صوتي الخافت…لا أعرف ماذا كنت أقول له تحديداً… لكنّه حدثني بعد ذلك بأشهرٍ وهو لا يكاد يتماسك من الضحك بأنني كنت أسبّهم بأقذع السباب ولكن همساً… وباللغة العبرية فوق ذلك…
ثم عقّب وهو يتخذ هيئة الجدّ, كما يليق بطالب طبّ سابق, بأن ذلك طبيعي جدا ويسمى بالبيس…بسي…كودرام….أو شيئا ما من هذا القبيل….








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المخرج الأمريكي كوبولا على البساط الأحمر في مهرجان كان


.. ا?صابة الفنان جلال الذكي في حادث سير




.. العربية ويكند |انطلاق النسخة الأولى من مهرجان نيويورك لأفلام


.. مهرجان كان السينمائي - عن الفيلم -ألماس خام- للمخرجة الفرنسي




.. وفاة زوجة الفنان أحمد عدوية