الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سقوط الكذبة الكبيرة

ليث الحمداني
(Laith AL Hamdani)

2003 / 12 / 24
اخر الاخبار, المقالات والبيانات


على مدى ثلاثة عقود من الزمن كان صدام حسين يكذب. في موقعه الثاني في الحزب والدولة كذب على قواعد حزبه وأوهمهم بأنه (مستقبل) الحزب، وأن البكر هو (ماضي) العشيرة والعسكر وأنه لا يملك رؤية للغد الذي يسعى هو لصناعته، فمشى وراءه من مشى من خيرة كوادر الحزب، ثم دفعوا رؤوسهم ثمنا لتلك المسيرة حين تصدر هو الموقع الأول.
وفي موقعه الجديد مارس الكذب بشكل أوسع وأكبر. أوهم العرب بأنه البديل الحي لجمال عبد الناصر، وأنه سيعمل لتحقيق الوحدة العربية، وأنه سيبني العراق من أجل العرب، وأنه (حارس البوابة الشرقية)، ولم يحقق طوال سنوات حكمه سوى الحروب والأزمات وتعميق الصراعات العربية – العربية. أما على الصعيد المحلي، فقد أضاع ثروات النفط الهائلة على حروبه المجنونة وآلة الكذب الإعلامية التي (تخترع) له الألقاب والصفات. فانتهت الطبقة المتوسطة العراقية وازداد الفقراء فقرا، وأصبح في كل بيت أرملة أو أرامل. والذين شاهدوا مدن العراق إبان الاجتياح الأمريكي لمسوا مدى الحرمان والجوع واليأس التي كان يعيشها الشعب العراقي في ظل الدكتاتورية. ومن يراجع (خطب) الدكتاتور و (تصريحاته) يحار في أية مرحلة من مراحل (الكذابين) يضعه.
ورغم ذلك كان هنالك من يصدقه، ويرفض أن يصدق شعبه الذي عرفه جيدا.
وجاء احتلال الكويت ليكشف لمن ظل مخدوعا به، ومنهم كويتيون ظلوا يصفقون لجنونه ويهللون لحماقاته بأنه كذاب. ولكن ولأنه احترف ذلك استطاع، وبدعم ملايين الفورة النفطية، أن يجعل آخرين يصدقونه في عدائه المصطنع للولايات المتحدة، أو (يكذبون) هم أيضا عليه ويتوجونه (بطلا للعروبة) التي تبحث عن بطل منذ قرون.
وهكذا استمرت دائرة الكذب تكبر..
صدام حسين يكذب على الجميع.. وهناك من يكذب عليه.. داخل الوطن كان هناك كذابون من أنواع مختلفة.. كذابون يكيلون له المديح ساعات النهار، ويدبجون المقالات عن (نضالاته) و (بطولاته) و (إنسانيته) و (إسلامه)، وحين يجن الليل ويتجمعون حول (كأس ) الهروب والنسيان، يشتمونه أكثر مما كان يشتمه معارضوه. وكذابون يصورون له معجزات تحققت على أيديهم تجعل العراق (قوة عظمى). أذكر في الثمانينات أن أي مهندس يجري تجربة مختبرية قرأ عنها في مجلة علمية أو كتاب أكاديمي، يسرع ليكذب على رؤسائه ويحولها إلى (منجز عبقري) ينفرد به العراق. فطورا نسمع عن (القنبلة الفراغية)، وطورا عن (مقاومة غير تقليدية للطائرات)، وكلها أوهام وأكاذيب جعلته (ينتفخ) غرورا، فيكذب على نفسه ويقنعها بأنه بلغ الكمال.
وأذكر نكته كان العقل الجمعي العراقي يتداولها في نهاية الثمانينات وهي واحدة من مئات النكات التي كانت متداولة حول (التصنيع العسكري). تروي النكته أن حسين كامل أبلغ (الرئيس القائد) بأن مبدعي التصنيع اخترعوا جهازا يمكنه أن يعيد للمرء شبابه، وأنهم يهدون اختراعهم للرئيس لتجربته. فيقرر صدام تجربة الجهاز بنفسه، ويصطحب معه نائباه طه الجزراوي وعزت الدوري، ويطلب من عزت أن يكون الأول في الصعود إلى الجهاز. وفعلا ينفذ الأمر ويدخل الجهاز فيضغط صدام حسين على الأزراز طالبا من الجهاز إعادة الدوري إلى عمر 25 عاما. وفعلا يدور الجهاز عدة دورات ثم يتوقف ليهبط الدوري مرتديا دشداشة، وحاملا قالبا من الثلج. ويأتي الدور على طه الجزراوي الذي يدور الجهاز به عدة دورات ثم يهبط مرتديا بدلة نائب ضابط في الإعاشة. عندها يقرر صدام حسين أن يجرب بنفسه، ويطلب منهم إعادته أربعين عاما إلى الوراء. يصعد صدام ثم يدار الجهاز ويستمر في الدوران. يحاول المهندسون إيقافه، فينطق الجهاز وبلهجة بغدادية: (لا تصد?ون أو?ف قبل ما أرجعه إلى ......................أمه)
هذه النكتة وغيرها نتاج المبالغات اليومية، ولكن هذا لا يعني أبدا عدم وجود كفاءات عراقية أكاديمية مبدعة عملت في مؤسسات النظام، يقف في مقدمتها الدكتور جعفرضياء جعفر والدكتور عامر السعدي والمئات غيرهما. وهؤلاء كانوا أول ضحايا الكذب من الجهة الثانية التي احتلت العراق والتي حملتهم مسؤوليات لم يكونوا طرفا فيها بعد سقوط نظام صدام حسين.
عربيا، الذين صدقوا أكاذيب صدام حسين حتى النهاية كثيرون. أيضا في مقدمتهم حركات سياسية قومية وإسلامية تناست تماما أن صدام حسين كان مهندس ذبح القوى القومية في السبعينات ويشهد بذلك من بقي حيا من (ضيوف قصر النهاية)  ثم ألحق بها القوى الإسلامية واليسار العراقي على مدى سنوات حكمه، أحيانا كانت حالة اليأس التي تعيشها الأمة العربية جراء الهزائم المتكررة أمام المشاريع الاستعمارية التي استهدفت المنطقة  دون أن تحاول هذه الحركات أن تقيم أسباب الهزائم والتي هي بالأساس تغييب الشعوب وقمع الحريات والحكم بالحديد والنار. وأحيانا أخرى كانت أموال النفط اللعينة !! أو أنهم صدقوا أكبر أكاذيبه، وهي معاداته للإمبريالية الأمريكية. وحتى الحرب الأخيرة واحتلال العراق، ظل هناك من يصدق أن صدام حسين سيقاوم وسيدحر الأمريكان. وتناسى هؤلاء أن صدام حسين قاتل وليس بطلا، ولا يمكن لمن ذبح شعبه أن يدافع عن أرضه. والبعض الآخر راهن على القوى العسكرية والأمنية التي تحيطه وتناسى أيضا أن قادة تلك القوى تنظر للوطن على أنه امتيازات، هدفهم المحافظة عليها حتى ولو كان الثمن هو الوطن نفسه. وهذا ما أثبتته الأيام..
لقد سقط صدام حسين وسقطت الكذبة الكبيرة أمام العالم كله. والمطلوب الآن أن يطرد العراقيون الكذب من حياتهم تماما، وأن يمسحوا آثار تلك الكذبة الكبيرة التي ضللت حياتهم، وأن يتمسكوا بحقيقة واحدة هي أنهم كانوا قبل صدام حسين ونظامه الدموي شعبا واحدا متماسكا ويعودوا كما كانوا..
إن إعادة المصداقية لأي نشاط سياسي في العراق يتطلب إدراكا حقيقيا من القوى السياسية العراقية بأن الطريق لبناء العراق الجديد يمر عبر قرارات تتخذ في البصرة والعمارة والنجف وكربلاء وبغداد والموصل وأربيل وكركوك والسليمانية، وليس في واشنطن أو طهران أو الرياض أو دمشق أن عمان أو أنقرة.. وأن هذه القرارات يجب أن تنظر للعراق كوطن موحد للجميع بصدق، وليس بالشعارات، وأن توقف اللعبة القذرة التي يحاول البعض إغراق الوطن فيها من خلال (تطييف) الحياة السياسية، فالعراقي هو العراقي شيعيا كان أو سنيا، مسلما أو مسيحيا أو صابئيا أو يزيديا، كرديا أو عربيا أو تركمانيا أو أشوريا أو أرمنيا، وأن اختياره يجب أن يكون لكفاءته لا لقوميته أو مذهبيته أو دينه..
إن العراق الجديد الذي حلم به العراقيون هو عراق آمن مستقر يحترم أبناءه ويعطيهم الفرصة بالتكافؤ. أما عراق الطوائف والأعراق فهو ذلك المسخ الذي بذر الكذاب الأول صدام حسين بذرته الأولى والذي تروج له الآن دول الاحتلال ودول الجوار، ودون أن يسقط دوره في القضايا القومية وفي مقدمتها القضية الفلسطينية التي هي قضية العرب والأكراد تحت ذريعة مواقف (بعض العروبيين) المعادية لطموحات الشعب العراقي للإطاحة بالدكتاتورية في المرحلة السابقة.
فهل تنتهي مرحلة الكذب التاريخية لنرى عراقا جديدا موحدا لا فرق فيه بين عربي أو كردي مسلم أو مسيحي أو صابئي أو يزيدي، ولكل فرد فيه الحق حسب كفاءته وحسب انتمائه العراقي؟ عراق يستعيد مكانته العربية والدولية دون وأن تكون لها الأسبقية على قضاياه الوطنية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صحة وقمر - قمر الطائي تبدع في تجهيز أكلة مقلقل اللحم السعودي


.. حفل زفاف لمؤثرة عراقية في القصر العباسي يثير الجدل بين العرا




.. نتنياهو و-الفخ الأميركي- في صفقة الهدنة..


.. نووي إيران إلى الواجهة.. فهل اقتربت من امتلاك القنبلة النووي




.. أسامة حمدان: الكرة الآن في ملعب نتنياهو أركان حكومته المتطرف