الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الدولة الدينية والدولة المدنية 2

طلال احمد سعيد

2008 / 3 / 25
ملف - دور قوى اليسار والديمقراطية في بناء دولة مدنية ديمقراطية علمانية  تضمن الحرية والعدالة الاجتماعية للجميع 


الخيار بين الدولة المدنية والدولة الدينية هو خيار بين الحداثة وبين العودة للماضي , الدولة المدنية هي الدولة العلمانية الديمقراطية الليبرالية , وهي تعتبر بحق نقيض للتيار الرجعي السلفي , وتفضي للخلاص النهائي من النعرات الدينية والطائفية والمذهبية بحكم موقفها المحايد من كل المعتقدات , الدولة المدنية هي التي تحد من تسخير الدين لمصلحة الحاكمين , وهي الدولة التي تسير مع ركب العالم المتمدن متخطية القيود تاركة وراءها ثقافة التمسك بالماضي والتقليد السلفي , الدولة المدنية العلمانية باختصار تهدف الى ابعاد الدين عن السياسة .
يقول الدكتور علي الوردي في كتابه مهزلة العقل البشري ( ان الدين والدولة أمران متنافران بالطبيعة ) , ويقول الدكتور يوسف القرضاوي ( الدولة المسلمة التي تحكم بشريعة الله وتجمع المسلمين عند الاسلام وتوحدهم تحت رايته هي فريضة على الامة الاسلامية يجب ان نسعى اليها ) , ويقول الدكتور سعد الديك ( الدولة المدنية لا مكان فيها للشريعة طبعا لان الدولة المدنية نقيض للدولة الدينية الحاكمة بالشرع ) , وقال تعالى في كتابه العزيز ( اطيعوا الله واطيعوا الرسول واولي الامر منكم ) , ويقول احد فقهاء الاسلام ( ان الله انزل علينا الاسلام اما الديمقراطية والحداثة فانهما منجز بشري وهو غربي والمسلم في حياته بعيد جدا عن الحداثة ) .
الدولة الدينية مصدرها الوحي وليس البشر , ومرتكزها الاساسي الايات المنزلة واحاديث الرسول الشريفة والنوايا . الدولة الدينية تؤمن بالخلافة وهو مبدأ نقيض لتداول السلطة . الديمقراطية مصدرها التشريع من قبل الانسان ولا علاقة لها بالوحي او الدين , اما الاسلام فهو الدين الذي انزله الله على سيدنا محمد . ويعتقد بعض الفقهاء انه مادامت الديمقراطية من وضع البشر اذن هي نظام كفر لانها تجعل الحاكمية بيد البشر وليس بيد الله . ويقول الدكتور شاكر النابلسي ( لا القرآن ولا الاحاديث الصحيحة ولا اقوال السلف الصالح جاءت على ذكر كلمة الديمقراطية لانها قيمة دنيوية وليس قيمة دينية ) .
الديمقراطية تعرف بانها حكم الشعب يقيمه الشعب , من هنا تتبين بجلاء هيكلية الدولة المدنية التي تضع في اولوياتها المواطن والمواطنة بلا تفريق , حيث لا يوجد مواطن اكثر مواطنة من غيره الا بقدر ما يقدمه لامته ولابناء شعبه .
في نطاق الحوار بين انصار الدولة الدينية والدولة المدنية ظهر شعار الاسلام الديمقراطي , وهذا شعار غير واقعي لان الدين منزل والديمقراطية فكر وممارسة من وضع البشر , وهي خاضعة للتعديل حسب متطلبات المجتمع والتطور الحضاري والاقتصادي لكل الامة . وقد حصلت مخاطر جمة بسبب استغلال شعارات الديمقراطية من قبل الجماعات الدينية للاستحواذ على السلطة , مثلما حصل في العراق اثناء الانتخابات العامة التي جرت عام 2005 , حيث اجبر الناخب على التصويت لقوائم محددة بغض النظر عما تحتويه من اسماء , لانها تفتح الطريق الى الجنة , وخدمة ال البيت وطاعتهم , ومن يخالف ذلك فهو يدخل النار ويصبح طلاق زوجته شرعا . وبذلك تكون الانتخابات قد تحولت الى مجرد طقوس عبادة تحمل خيارا بين الكفر والايمان , وهنا تتجسد مسألة المزج بين الدين والسياسة لتحقيق هدف منشود وهو القفز الى السلطة على اكتاف المغفلين .
من المعروف ان الشعوب مارست تجاربها وهي تسعى بشوق نحو اقامة انظمة ديمقراطية تحقق لها السيادة والعدالة الاجتماعية والحرية وتؤمن لها الرخاء الاقتصادي , وقد توفرت للكثير من تلك الشعوب الفرصة لنيل هذا النوع من الحكم الذي فتح الافاق للمزيد من الرفاه والتقدم , في ظل الانظمة العلمانية الديمقراطية التي اقامها الانسان خلال نضاله الطويل وعبر قوانين وضعية شرعت بناءا على حاجات المجتمع المتطورة .
بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وتحقيق النصر الناجز على قوى الفاشية والنازية , فقد سجلت المسيرة الديمقراطية للشعوب قفزة جديدة عندما صدر الاعلان العالمي لحقوق الانسان عام 1948 , واغنى الامم المتمدنة بالمزيد من مباديء الحرية والعدالة والمساوات واحترام حق الانسان في الحياة الكريمة , وكان ذلك مبعث لنبذ الحروب والتوجه نحو البناء وتثبيت مباديء التعايش السلمي بين الشعوب .
يمكن ان نزعم هنا ان الدولة العلمانية اصبحت حقيقة تعبر عن مباديء اساسية رسم خطاها المجتمع الدولي المتحضر والتي تتمثل بما يلي :
1. فصل الدين عن الدولة .
2. الامة هي مصدر التشريع والسلطات .
3. تقديس حرية الفرد في الفكر والضمير والتعبير والعبادة .
4. احترام كافة الاديان والمعتقدات والوقوف بمسافة واحدة من كل الطوائف والمذاهب .
5. تحقيق المساوات امام القانون .
6. ممارسة العمليات الانتخابية الحرة النزيهة .
7. اشاعة قيم التسامح والتوافق والتراضي .
8. اقامة حكم مبني على رضا المحكومين .

عند بحث الدولة الدينية والدولة المدنية نستذكر التجربة العراقية بعد سقوط النظام الدكتاتوري , التي حملت امال العراقيين في تحقيق حكم ديمقراطي يضع حدا لمعاناة عقود من الزمن , شهدت ابشع صورة لانتهاكات حقوق الانسان وحرياته , تلك الامال تبددت وتحولت الى مجرد سراب خادع بعد ان وقع العراق في قبضة التيارات الدينية , التي سيطرت على كل مفاصل الدولة وصار لها نفوذا مؤثرا في الشارع العراقي .

ان تجربة السنوات الخمس المرة الماضية المليئة بالماسي والكبوات , كانت الحصيلة الاكيدة لانتشار الفكر الاثني وانتصار ثقافة العودة الى الماضي , فتدحرجت البلاد الى قاع الحضارة وصارت مسرحا لاقتتال الطوائف واغتيال الانسانية . هذا الحال هو نتيجة الاخطاء التي ارتكبتها الولايات المتحدة بعد السقوط عندما اعتقدت ان القهر الذي عاشه العراق في ظل الحكم السابق سوف يولد الحرية والديمقراطية بتلقائية , لذلك اطلق العنان للفوضى كي تعم البلاد , فكان الحصاد ديمقراطية مشوهه وحرية مزيفة ومستقبل مظلم .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. منظومة الصحة في غزة الأكثر تضررا جراء إقفال المعابر ومعارك


.. حزب الله يدخل صواريخ جديدة في تصعيده مع إسرائيل




.. ما تداعيات استخدام الاحتلال الإسرائيلي الطائرات في قصف مخيم


.. عائلات جنود إسرائيليين: نحذر من وقوع أبنائنا بمصيدة موت في غ




.. أصوات من غزة| ظروف النزوح تزيد سوءا مع طول مدة الحرب وتكرر ا