الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لماذا لا يعترف العرب بالجريمة؟

جان كورد

2003 / 12 / 24
اخر الاخبار, المقالات والبيانات


من المؤسف حقا، حتى بعد المشاهدة اليومية لكل الصورالتي تناقلتها وكالات الأنباء عن المقابر الجماعية في العراق والمعتقلات الرهيبة وحملات الإعدام وتفجير الناس بالديناميت وما إلى هنالك من صور تشمئز منها ومن مرتكبيها النفس البشرية، أن لايعترف الكثيرون من مثقفي العرب، من كتاب ومحامين وسياسيين وإعلاميين، بالجريمة الكبيرة التي وقعت حقا في عهد صدام حسين.. وعلى العكس من ذلك يحاول هؤلاء الذين أعمتهم النعرة القومية العنصرية بشتى السبل تحريف الحقائق أوإلقاء تبعة الجرائم على جيران العراق أو إيجاد تبريرات لا معقولة لها أواتهام الضحايا أنفسهم رغم ارتفاع عددهم إلى أكثر من 800000 من مختلف الفئات والأجناس والمذاهب والأقوام بأنهم كانوا مجرمين وأعداء للأمة العربية، لايختلفون في اتهامهم هذا عن المجرم الكبير نفسه الذي اعتبر ضحاياه رعاعا ولصوصا وخونة لدى مساءلته بعد اعتقاله، وإذا لم يتمكن هؤلاء من تبرئة النظام البعثي من كل تلك الجرائم فإنهم يعتبرونها أخطاء أوهفوات يرتكبها كل نظام آخر في العالم ويستشهدون على ذلك بجرائم أنظمة عربية أخرى.                                                                                                                                         

                                                                               

قرأت مرات ومرات وسمعت كثيرا بأن ما فعله صدام حسين كان مجرد أخطاء يمكن أن يقع فيها كل حاكم.. وهذا يعني أن على أهل العراق مسامحة القتلة والمجرمين واعتبارهم مرتكبي هفوات وليس جرائم ضد الإنسانية.. والمضحك المبكي أن بعضهم  يطالب بمحاكمة بوش على الجرائم التي اقترفها صدام حسين أو محاسبته مثل صدام وزمرته التي عاثت فسادا وإجراما في بلاد الرافدين لعقود من الزمن. وبمجرد أن تتحدث عن العراق فإنهم يقلبون الصفحة بسرعة ليحدثوك عن فلسطين، وكأن دماء العراق ماء سواقي لاقيمة له، يمكن القفز من فوقه للانتقال إلى دماء أكثر قدسية وطهرا، هي دماء الفلسطينيين دون غيرهم من البشر. وحقيقة فإن الدين قد حرم إراقة دماء الناس بدون حق ولم يميز في ذلك بين قوم وآخر وأتباع دين وآخر. (من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض كمن قتل الناس جميعا...) وفي ذلك تتساوى دماء العرب والكرد وغيرهم من فلسطينيين أو يهود، من أمريكان أو هنود..طالما هي دماء أبرياء من بني البشر.                                                                            

 

ولقد شعرت بمرارة شديدة حقا حين طالب محام عربي بمحاكمة الأكراد على الجرائم بدل محاكمة صدام حسين. فهل يعقل أن يحاكم أطفال ونساء مدينة حلبجة الكردية التي قصفها نظام صدام حسين بالقنابل الكيميائية عام 1988 والذين ذهبوا بالالآف ضحية حرب شرسة على طرفي الحدود  العراقية – الإيرانية ونتيجة أحلام  فرعون بغداد في تحرير عربستان من إيران؟ وما الجريمة التي ارتكبها هؤلاء الضحايا الأبرياء؟ ألئن آباءهم البيشمركه لم يقفوا مع الحاكم في بغداد ضد إيران؟ ولماذا لم يقصف صدام حسين مدن العرب التي وقفت ضد حربه أيضا؟ فهل أصاب هذا المحامي وأمثاله جنون أم أن عقله ما عاد يقدرعلى هضم كل هذه المآسي التي اجتمعت وتراكمت في ذهنه؟ وهذا ما يقلق الأطباء النفسانيين الذين يراقبون الوضع العربي عن كثب ولايتمكنون من تقديم علاج سريع له سوى بأن يمارس المثقفون العرب عملية "اعتراف شامل" ربما يتغلبون بعده على ما تراكم في بواطنهم من عقد نفسية نجمت عن رؤية كل ما جرى دون التمكن من الوقوف في وجه المجرمين.                                                         

                                                                                                                                      

ألهذه الدرجة من الانحطاط الخلقي وصل الضميرالعربي بعد أن كان يتغنى شعراؤهم بالإباء العربي، بالشهامة واحترام النفس البشرية وبالعدالة والكرامة؟ أهوالشعورالباطني بالمشاركة في الجريمة العظمى والخوف من أن تحاسب الأجيال القادمة كل الذين عاصروا عهد صدام حسين ولم يتمكنوا من القيام بشيء ضد وحشيته وجبروته؟.. طبعا هذا يتطلب مناقشات طويلة بهدف التغلب على الأثرالذي خطه هذا العهد الدموي في صدر كل من لايزال بين جنباته قلب إنسان يخفق...                                                                                                                     

                                                                   

وهنا تقع مسؤولية كبيرة على أعناق الإعلاميين العرب الذين يرفضون تحويل أنظارالمواطنين في العالم العربي عن العراق وأهله بهدف التستر على الجرائم التي ارتكبها نظام صدام حسين، وهذه المسؤولية هي أن يعيدوا النظر في برامجهم التي سارت حتى الآن باتجاه انكار الجريمة وفي اختيارهم للذين تمرغوا في عملية إخفاء الجريمة، ويقتربوا من الذين يريدون فضح هذه الفظاعات المرتكبة حقا ومحاسبة الذين قاموا بها، لا أن يظهروا بين الحين والحين بنت صدام حسين (رغد) لتبكي على أبيها وتتوسل العالم للإفراج عنه وكأنه كان حملا وديعا لم يرتكب أي إثم في حياته، أو تنشر المحطات التلفزيونية مدائح ابن عم صدام حسين لرئيسه الذي فقده فيصفه بالقائد الكبير، الشجاع، الذي لا يعقل حسب قوله أن يستسلم دون مقاومة جبارة، والعالم كله يدرك جيدا أن صدام حسين اختفى منذ أول يوم للحرب كالجرذ الهارب في جحور العراق وأقبية المنازل، ولم تظهر له صورة واحدة وهو في موقع للمقاومة أو التصدي.                                                                                                                              

                                                                                    

بهذه الأساليب المتدنية من الإعلام العربي لايمكن رفع معنويات أمة أوصلها قادتها وزعماؤها والمطبلون المزمرون لهم إلى الحضيض، وبهذا الأسلوب التافه في سرد الوقائع والحقائق بصورة مغلوطة لايمكن وقف مسيرة النقد التي يمارسها الشعب العربي في كل مكان للذين أهانوه وأذلوه بحملهم شعارات زائفة حتى الآن..وبخاصة عن طريق شحن البرامج والمواقع الانترنتية بمختلف مهازل "نظرية المؤامرة" التي تلقى مع الأسف رواجا كبيرا في العالم العربي ، وبخاصة أثناء الهزائم والنكبات الكبيرة. وإلا فإن مردود هذه الأساليب من التلفيق الإعلامي سيكون أكثر سلبية ولن ينفع مثل هذا الركام من نشر التوافه التي تذكرنا بملاحم "الصحاف" وزير الإعلام في عهد صدام حسين البائد التي سرعان ما انقلبت على أصحابها وظهر زيفها كزيف صبغة شعر الصحاف نفسه..            23/12/2003                                                                  








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما الذي ينتظر إيران في الساعات القادمة؟


.. خامنئي: لا تعطيل لشؤون الدولة بعد تحطم مروحية الرئيس الإيران




.. طالبة بريطانية للوزيرة السابقة سويلا برافرمان: أنت مجرمة حرب


.. آخر مستجدات عمليات البحث عن المروحية التي تقل الرئيس الإيران




.. من هو محمد مخبر خليفة الرئيس الإيراني المحتمل؟