الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خمسة أحداث تاريخية واعدة؟

العفيف الأخضر

2003 / 12 / 24
مواضيع وابحاث سياسية


عرفت سنة 2003 كثيراً من الأحداث. لكني لأسباب عدة لا مجال لذكرها هنا سأقتصر على خمسة أحداث سيكون لها ولا شك ما بعدها. الحدث الأول هو سقوط جدار برلين عفواً سقوط بغداد دون قتال أمام غزو قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة . هذا الحدث هائل يشبه في نظري سقوط جدار برلين الذي وضع نهاية للحرب الباردة بين الكتلتين المتصارعتين على اقتسام المواقع الإستراتيجية ومناطق النفوذ في العالم: الكتلة الشرقية والكتلة الغربية . سقوط بغداد دون قتال فتح دون شك مساراً جديداً في تاريخ الشرق الأوسط قد يكون بداية نهاية الطغيان في هذه المنطقة ،التي استوطنها الطغيان دون انقطاع منذ آلاف السنين،حتى ولو مر ذلك بفترة قد تقصر أو تطول من الفوضى الدموية والحروب الطائفية والإثنية لا في العراق وحسب بل في أكثر من بلد في الشرق الأوسط وهي مخاطرة طالما حذرت صدام حسين منها على صفحات جريدة"الحياة" منذ سنة 1998 إلى سنة 2002 ،تاريخ منعي من الكتابة في هذه الجريدة بقرار تعسفي من مالكها الأمير خالد بن سلطان نائب وزير الدفاع السعودي. هذه المحاذير كانت ستقع أيضاً حتى ولو أن صدام حسين مات على فراشه كما يموت البعير. لماذا؟ لأن حكم صدام الفردي والدموي دمر بواكير المجتمع المدني الحامل بالقوة لبديل حديث له فلم يبق سوى المجتمع الأهلي أي القبائل والطوائف كبديل عتيق له، وهكذا لم يفعل حكم صدام سوي وضع التناقضات الطائفية والإثنية في الثلاجة ونعرف تاريخياً _وآخر الأمثلة على ذلك إنهيار الاتحاد السوفيتي _ أن التناقضات إما أن تحل حلاً واقعياً وإما أن تنفجر، أما تجميدها فهو ضرب من سياسة النعامة التي تدفن رأسها في الرمال لكي لا تواجه الخطر الداهم.بعد سقوط حكم صدام الفردي لن يكون في مقدور حكم سوريا الفردي وحكم السعودية العتيق وحكم محافظي طهران الرافض للتداول على الحكم مع الإصلاحيين،عملاً بالقاعدة الفقهية العتيقة"الخليفة لا يعزله إلا الموت أو الكفر البواح" أن يبقي على حاله.
الحدث الثاني:بداية نهاية حكم آل سعود، إما لصالح حكومة وهابية إرهابية يقودها بن لادن أو شيوخ الوهابية الموالون له في السيناريو المتشائم وإما لصالح الجناح المنفتح من الأمراء الذي يقوده الأمير عبد الله وطلال ابن عبد العزيز بإقامة ملكية دستورية يتقاسم فيها الملك سلطة القرار مع رئيس وزراءه لا يتبعه كظله. وفي كلتا الحالتين سيكون للحكم السعودي الجديد انعكاسات إقليمية ودولية لا يمكن التنبؤ بها جميعاً وقد يكون منها حرب نووية بين إسرائيل وكل من السعودية وباكستان في حال انتصار السيناريو المتشائم. 
الحدث الثالث: خطاب ملك المغرب الشاب جلالة محمد السادس خطاباً التاريخي في أكتوبر الماضي الذي بشر نساء المغرب ونخبه الحديثة بإصدار مدونة قوانين أحوال شخصية حديثة إلى حد كبير ستكون بداية خروج المرأة المغربية المسلمة من قصورها الأبدي الذي فرضه عليها فقه القرون الوسطي الذي كتبه الرجال للرجال. تمثل قوانين الأحوال الشخصية المغربية امتداداً لقوانين الأحوال الشخصية التونسية الرائدة التي صدرت سنة 1956 وأضيفت إليها على مر السنين تنقيحات زادتها في كل مرة حداثة وتجديداً للفقه الإسلامي ليصبح قريباً من قيم حقوق الإنسان والمواطن.ولا يعود بالتالي عائقاً لتقدم المسلمين ودخولهم إلى الحداثة التي باتت بالنسبة إليهم قضية حياة أو موت حضاري.
الحدث الرابع: إعلان وزير حقوق الإنسان المغربي بعد التفجيرات الانتحارية في الدار البيضاء عن ضروة مراجعة التعليم الديني المغربي لتخليصه من الأفكار الظلامية على حد قوله. إصلاح التعليم الديني المغربي هو الآخر امتداد لإصلاح التعليم الديني التونسي سنة 1990 بتخليصه من كل الأحكام الفقهية العتيقة التي شكلت وما تزال ينبوعاً للإرهاب الديني في العالم الإسلامي والعالم.إصلاح التعليم هو أقصر الطرق لاستكمال الإصلاح الديني الذي بدأه محمد عبده وأجهضه الإخوان المسلمين.
الحدث الخامس: انتفاضة الشعب الفلسطيني على انتفاضة حماس . طوال ثلاث سنوات ظلت أغلبية الشعب الفلسطيني مؤيدة للانتفاضة الثانية الانتحارية التي نحرت إمكانية حصول الشعب الفلسطيني على وطن ودولة اللذين تضمنتهما مقترحات كلينتون التي رفضتها حماس ومعها عرفات، ثم عاد عرفات وبعد 22 شهراً من ضياع الفرصة فقبلها وطالب بأن تقدم إليه مجدداً. لكن هيهات، فما فات مات. لكن مفاجأة العام 2003 أن الشعب الفلسطيني استرد وعيه وصحا من غيبوبته الطويلة فانتفض على الانتفاضة الانتحارية كما تقول الإحصاءات التالية في استطلاعين فلسطينيين، الاستطلاع الأول أجراه المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية، 85% يؤيدون وقفاً متبادلاً للعنف بين الجيش الإسرائيلي وحماس وأخواتها، 64% يؤيدون العودة للهدنة الفلسطينية من طرف واحد، 59% يؤيدون اتخاذ إجراءات لمنع حدوث عمليات ضد الإسرائيليين بعد التوصل لوقف متبادل للعنف. الاستطلاع الثاني أجرته الهيئة العامة للاستعلامات بغزة، 61,4 يعترفون بأن الفلسطينيين خسروا في الانتفاضة أكثر مما كسبوا، 43,1 يقولون أن الانتفاضة أثبتت أنه لا يمكن فرض حل سياسي غير عادل على الشعب الفلسطيني 25,9 يؤكدون أن الانتفاضة لم تحقق شيئاً للشعب الفلسطيني 63,2 يقرون بأن الواقع الفلسطيني أصبح أسوأ مما كان عليه قبل الانتفاضة 84,9 مقتنعون بأن الانتفاضة تعاني من سلبيات كثيرة.
فما هي الرسالة التي حملها هذان الاستطلاعان؟ أن الشعب الفلسطيني بلغ مرحلة غير مسبوقة في تاريخه من النضج السياسي بات يعي فيها أن العنف والعمليات الانتحارية التي تمارسها حماس والجهاد وكتائب الأقصى ليست العنوان الصحيح لاسترداد حقوقه المشروعة في وطن ودولة في الصفة والقطاع . وهذا مؤشر تاريخي على إمكانية ولادة سياسة فلسطينية واقعية على أنقاض التصرفات الغريزية والانفعالية التي لم تقد الفلسطينيين والعرب إلا إلى هزيمة بعد أخرى.وهذه أرضية مواتية لوضع تفاهمات جنيف موضع التطبيق إذا أرادت واشنطن ذلك.
وقد تكون هذه الأحداث الخمسة وعداً بمستقبل أفضل لشعوب الشرق الأوسط التي طال ليلها وعذابها تحت حكم نخب لم تستخدم إلا دماغيها الغريزي والانفعالي تاركة دماغها المعرفي ‘معطلاً.    








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. السيسي يحذر من خطورة عمليات إسرائيل في رفح| #مراسلو_سكاي


.. حزب الله يسقط أكبر وأغلى مسيرة إسرائيلية جنوبي لبنان




.. أمير الكويت يعيّن وليا للعهد


.. وزير الدفاع التركي: لن نسحب قواتنا من شمال سوريا إلا بعد ضما




.. كيف ستتعامل حماس مع المقترح الذي أعلن عنه بايدن في خطابه؟