الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إلى نقابة المحامين الأردنية: هل قرأتم لائحة الاتهام؟

باتر محمد علي وردم

2003 / 12 / 24
مواضيع وابحاث سياسية


اكثر من 400 محام أردني سجلوا لدى نقابة المحامين للدفاع عن الرئيس صدام حسين في محاكمته المرتقبة، ومنسوب الوطنية والقومية ارتفع بنسبة عالية جدا في كتابات بعض الأخوة والأخوات حيث يعتقدون بأن محاكمة صدام حسين هي محاكمة للمشروع القومي العربي و»مشروعية الوجود ومشروعية الحقوق« والأخطر عن ذلك أنها دفاع عن النفس والذات والسيادة على الثروات في مواجهة المشروع الاستعماري الإمبريالي...الخ.
ويبدو واضحا أن السادة المحامين والنقابة والمثقفين المؤيدين للرئيس العراقي السابق مستعدون تماما لمنازلة خطابية إنشائية وتحويل المحاكمة إلى استعراض قومي عربي يريد الكل أن يكون شريكا فيه، وهذا حق لهم ما دامت قوات الاحتلال الأميركي قد تسمح لوفد النقابة وغيره من المحامين للدفاع فعليا عن صدام، والأهم من ذلك حماية هؤلاء المحامين من غضب الشعب العراقي وهم يدافعون عمن أذاقه العذاب وقتل عشرات الآلاف منه.
ولكن السؤال الذي أريد أن أوجهه كمواطن أردني سيمثلني السادة المحامون سواء شئت أم أبيت، وبمنتهى الود والاحترام هو عن لائحة الاتهام التي ستوجه للرئيس صدام، وهل قرأ السادة المحامون في غمرة حماسهم القومي لائحة الاتهام وهل هم مقتنعون ببراءة المتهم؟  هذا هو السؤال الأكبر، أو لنقل سؤال المليون الذي يجب أن يطرحه المحامون على أنفسهم، فليس من المعقول ضمن أعراف المهنة أن يتم الدفاع عن متهم قبل معرفة لائحة الاتهام والتأكد من براءة المتهم، لأن هذا هو العنصر الذي يجعل المحامي شخصا يدافع عن المظلوم ويردع الظالم ويعطي لمهنة المحاماة مزاياها الأخلاقية.
لائحة الاتهام الموجهة لصدام حسين، حسب ما نطالع من توجهات مجلس الحكم والاحتلال الأميركي ومطالبة الشعب العراقي نفسه بتنظيماته السياسية والحزبية والثقافية سوف تكون محصورة بأربعة اتهامات اساسية. الاتهام الأول هو انتهاكات حقوق الإنسان الجماعية في العراق، وأهمها حملة الأنفال على الأكراد عام 1988 والتي استخدم فيها السلاح الكيماوي وقتل ما لا يقل عن 40 ألف كردي مدني. وقد قامت المنظمات الكردية ومنظمات حقوق الإنسان الدولية بتجميع آلاف الصفحات والصور من الأدلة والوثائق حول هذه الجريمة الإنسانية بحيث سيكون من المحرج جدا على أي شخص أن يدافع عنها، وهذا ما يجب أن يعرفه السادة المحامون لأن القضية ليست لعبة إنشائية وخطابية بل جرائم قتل ذهب ضحيتها آلاف البشر.
الحادثة الثانية في انتهاكات حقوق الإنسان الجماعية هي مذبحة الشيعة في النجف وكربلاء عام 1991 والتي أعقبت ثورة السكان الشيعة ضد النظام بعد الإنسحاب من الكويت. وهي أيضا حوادث موثقة تماما وتتضمن إعدامات بالجملة وتدمير للمواقع الدينية الشيعية في كربلاء. أما الملف الأكثر دموية في انتهاكات حقوق الإنسان الداخلية فسوف يكون المقابر الجماعية التي ضمن رفات عشرات الآلاف من المواطنين العراقيين والتي من المنتظر أن تتضمن آلاف الشهود من أقرباء الضحايا، وسيكون التعامل مع هذا الملف من قبل محامي الدفاع مسألة في منتهى الصعوبة الأخلاقية والمهنية، إذ كيف يمكن أن تدافع عن مقابر جماعية بهذا الشكل؟
الاتهام الثاني يتعلق بشكل رئيسي بما يسمى جرائم الحرب ضد ايران والكويت، وفي هذا السياق ستكون الأدلة والوثائق والشواهد التي سيقدمها محامون من ايران والكويت قوية جدا وسيكون من الصعب أيضا على محامي الدفاع التعامل معها إلا بأقصى درجات الاحترافية والذكاء.
الاتهام الثالث يتعلق بانتهاكات فردية لحقوق الإنسان في العراق مثل التعذيب وقطع الألسنة والآذان والإعدامات للمعارضين والمثقفين، والاتهام الرابع يتعلق بتبديد ثروات العراق النفطية على بناء القصور العائلية والرفاهية والرشاوى في عطاءات النفط مقابل الغذاء والأخطر من ذلك الأعطيات والهدايا والمكافآت التي وزعها النظام العراقي السابق على أعوانه خارج العراق، وهي من حقوق الشعب العراقي وثرواته الطبيعية والتي سيذهب السادة المحامون للدفاع عنها.
خلاصة القول أنه إذا أرادت نقابة المحامين أن تقدم دفاعا جديا ومفيدا عن الرئيس العراقي السابق فعليها أن تنسى تماما كل الخطابات القومية والوطنية ومقاومة الصهيونية والاحتلال وكل هذه الشعارات لأن ما سيتم نقاشه في قاعة المحكمة سيكون فقط انتهاك حقوق الشعب العراقي والسجل المريع للنظام العراقي في الثلاثين سنة الماضية. وعلى السادة المحامين إن يتفرغوا للقراءة والدراسة، والأهم من ذلك تحمل التفاصيل المروعة لكل هذه الجرائم وأن يملكوا الجرأة والشجاعة في نهاية الأمر لكي يقولوا: لم يحدث هذا أبدا أو ان صدام لم يكن على علم بما يحدث! أما خطابات الوطنية والقومية ومقاومة الصهيونية والاحتلال والمشروع القومي العربي فكل ذلك لن يجدي نفعا أمام ما سيقوله الشهود من العراقيين من ضحايا النظام!
لا نحسد نقابة المحامين على مهمتها القادمة، ونتمنى من هيئة الدفاع الموقرة أن تبدأ بدراسة لائحة الاتهام جيدا، لأنني متأكد بأن غالبية المحامين سوف يكتشفون اثناء القضية تفاصيل لم يكونوا يعرفونها عن أهوال حكم صدام حسين، وسوف يكون الامر تحديا أخلاقيا ومهنيا كبيرا للاستمرار في الدفاع حتى النهاية المحتومة والتي لا مفر منها!

تنشر المقالة بالتزامن مع صحيفة الدستور الأردنية- الأربعاء 24-12-2003
[email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. خبراء عسكريون أميركيون: ضغوط واشنطن ضد هجوم إسرائيلي واسع بر


.. غزة رمز العزة.. وقفات ليلية تضامنا مع غزة في فاس بالمغرب




.. مسيرة إسرائيلية تستهدف سيارة مدنية شمال غرب مدينة رفح جنوب ق


.. مدير مكتب الجزيرة في فلسطين يرصد تطورات المعارك في قطاع غزة




.. بايدن يصف ترمب بـ -الخاسر-