الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لماذا لا تجرى انتخابات لمنظمة التحرير الفلسطينية؟!

عماد صلاح الدين

2008 / 3 / 26
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


كان إنشاء منظمة التحرير الفلسطينية في الأساس ، من اجل رفع الصوت السياسي والقانوني والنضالي للشعب الفلسطيني ، بحيث تكون له مرجعية جامعة تمثله وتمثل حقوقه وثوابته وتطلعاته الوطنية حيثما كان ووجد ؛ في الداخل أو الخارج وفي أصقاع شتات المعمورة . وتمثل المنظمة - في الأساس- الشريحة الأكبر من الشعب الفلسطيني ، وهذه الشريحة هي اللاجئون الفلسطينيون الذين يشكلون ثلثي الشعب الفلسطيني أو ربما يزيد عن ذلك قليلا .

لكن هذه المرجعية الجامعة للشعب الفلسطيني في حينه، ولسنوات بعدها تلتها ، لم تجر لها على الإطلاق أية انتخابات ديمقراطية حقيقية يتم فيها فرز وإخراج الجهة السياسية والاجتماعية التي يريدها الشعب الفلسطيني ، والتي تعبر عن توجهاته السياسية والتحررية . ربما كانت المرجعية الثورية وحدها مقبولة في سياق تبرير تمثيل الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج ، حين كان يحكم هذه المرجعية الثورية الأسس والمبادئ التي يقوم عليه توجه الشعب الفلسطيني والمتعلقة أساسا بإزالة الاحتلال الإسرائيلي عن كامل ارض فلسطين التاريخية وتحقيق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم وممتلكاتهم التي هجروا منها ، لكن بعد أن اتجهت قيادة المنظمة واعني هنا تحديدا حركة فتح ورئيسها الراحل ياسر عرفات نحو القبول بفكرة الدولة الفلسطينية المستقلة ، فان قصة التمثيل عبر المرجعية الثورية لوحدها أصبحت بحاجة إلى مراجعة وتدقيق نظر من وجهتين اثنتين :

وجهة الشكل : حيث انه عند الاطلاع على تواريخ انعقاد الدورات للمجلس الوطني الفلسطيني باعتباره الهيئة التمثيلية العليا للشعب الفلسطيني بأسره داخل فلسطين وخارجها ، فإننا نلاحظ أن تواريخ الانعقاد أخذت تتباعد زمنيا مع مرور الوقت ؛ ففي السنوات العشر الأولى من عمر المجلس (1964 – 1973 ) انعقدت 11دورة ، وفي السنوات العشر الثانية ( 1974 – 1983 ) انعقدت خمس دورات ، وفي السنوات العشر الثالثة (1984 – 1993) انعقدت أربع دورات ، ثم لم تنعقد في السنوات ال14 التالية 1993- 2007) سوى دورة واحدة أي أن المجلس فقد فعليا دوره التشريعي والرقابي – خصوصا منذ اتفاقية أوسلو 1993 ، وجرى عزله وتهميشه عن صناعة القرار الوطني الفلسطيني .

ثم إن تلك الدورة التي عقدت في ابريل - نيسان 1996 ، لم تنعقد إلا تحت الضغوط الأمريكية والإسرائيلية لإلغاء بنود الميثاق الوطني المعادية لإسرائيل والصهيونية .

وجهة المضمون : وهو أن قيادة المنظمة برئاسة حركة فتح منذ قبولها عمليا بمشروع التسوية في إطار عملية سلام تقوم على تقديم تنازلات على صعيد الجوهر في القضية الفلسطينية وتحديدا في قضية اللاجئين الفلسطينيين الذين كما ذكرنا يشكلون غالبية الشعب الفلسطيني ، فان سياق التمثيل بمرجعية المنظمة للشعب الفلسطيني جميعا ، أصبحت محل تشكك وعدم ارتياح من قبل اللاجئين الفلسطينيين أنفسهم ، ومن قبل قوى وفصائل فلسطينية لها وزن كبير في الساحة الفلسطينية -على الأقل - في الأراضي المحتلة عام 67 .

ولقد كان السبب في تهميش وإضعاف الدور التمثيلي لمنظمة التحرير الفلسطينية كإطار سياسي ووطني جامع للفلسطينيين ، يعود إلى مشروع التسوية والسلام مع إسرائيل منذ مدريد وأوسلو . وهذا المشروع من وجهة نظر المفاوض الفلسطيني يتطلب حصر التمثيل القانوني والسياسي ، من خلال هيئة أو سلطة انتقالية تمثل الفلسطينيين في الأراضي الفلسطينية المحتلة في الضفة الغربية وقطاع غزة ، في سياق الحل " البراغماتي" الذي قبلته القيادة المفاوضة والقائم على تصور حل الدولة الفلسطينية المستقلة مع إيجاد حل شكلي ورمزي لقضية اللاجئين الفلسطينيين التي هي جوهر القضية الفلسطينية وفلسفة صراعها أساسا ، ولذلك فان القيادة الفلسطينية المسيطرة على منظمة التحرير برئاسة الراحل ياسر عرفات واستجابة لطبيعة أوسلو الذي كان ينظر إليه عرفات على انه مرحلة انتقالية للوصول إلى الدولة المستقلة قامت بإجراء انتخابات على مستوى الأراضي المحتلة فقط ، ولم تشمل هذه الانتخابات الفلسطينيين في الخارج ، وهذا ما عمل على تجزئة الشعب الفلسطيني في سياق هذه الحلول" التجزيئية " للقضية بكليتها .
لقد كان الغرض الأساسي من حوارات القاهرة واتفاقاتها في عام ،2005 بين السلطة الفلسطينية والفصائل الأخرى وفي المقدم منها حماس ، هو الاتفاق على مبدأ إصلاح وتفعيل منظمة التحرير الفلسطينية على أسس ديمقراطية ووطنية ، بعد الحالة التي وصلت إليها بفعل التهميش وعدم إجراء انتخابات ديمقراطية لها وبسبب وجود ظروف موضوعية جديدة أفرزت قوى مؤثرة على الساحة الفلسطينية كحركة حماس مثلا . وجرى الاتفاق على مبدأ الإصلاح والتفعيل للمنظمة بضرورة اتخاذ إجراءات مستقبلية قريبة في حينها من قبل المسيطرين على المنظمة ، من اجل الشروع في عملية إعادة الصياغة والبناء مجددا لمنظمة التحرير، سواء على صعيد المؤسسات والأطر أو على صعيد البنية السياسية الوطنية الموضوعية . لكن شيئا من هذا القبيل لم يتخذ حتى هذه اللحظة.
ويبدو أن الفلسفة وراء موقف الجماعة المسيطرة على المنظمة " دون حصولهم على تفويض شعبي انتخابي أصلا ، بمن فيهم الرئيس عباس ، لان انتخابه كان لرئاسة السلطة وليس لمنظمة التحرير الفلسطينية " ، والتي تعمدت التهرب من استحقاق اتخاذ خطوات بشأن المضي قدما بإصلاح المنظمة ، هو أن هذه الجماعة كان موقفها المعلن من الإصلاح والتفعيل تكتيكيا ليس إلا، في مواجهة حماس والفصائل الأخرى، أما في الجوهر فهي أرادتها خدعة من اجل التوصل والوصول إلى المطلبين التاليين لقيادة السلطة والمنظمة ، وهذان المطلبان هما التهدئة والانتخابات التشريعية والمحلية للسلطة الفلسطينية بمطلب أمريكي وموافقة "إسرائيلية" ؛ ذلك أن هذه الجماعة التي تتخذ من التفاوض خيارا استراتيجيا نهائيا وتقبل بالطرح الأمريكي و"الإسرائيلي" للحل ،الذي رفضه الراحل عرفات في كامب ديفيد 2000 وربما تقبل بما هو اقل من ذلك، وسلوك هذه الجماعة التفاوضية الجديدة على الأرض يوضح ذلك كثيرا ، ظنت انه بالإمكان تمرير مشروع التسوية هذا من خلال احتواء حماس في العملية السياسية والديمقراطية ؛ إذ توقعوا لحماس أقلية غير مؤثرة في بنية وفاعلية نظام السلطة بجله ، لكن الذي حصل كان عكس ذلك تماما . ومن حينها أي منذ فوز حماس بانتخابات 2006 وحتى اليوم ، تناست القيادة الفلسطينية الرسمية عملية إصلاح المنظمة والعمل على تفعيلها ، وبدلا من ذلك أخذت تطالب بإجراء انتخابات مبكرة تشريعية ورئاسية للسلطة ، في حين لم يمض على انتخابات 2006 وقتها بضعة شهور ، ومن يومها حتى هذه اللحظة والقيادة التفاوضية لا تنفك عن حديث تبكير الانتخابات في سياق تبريرات لا أساس لها قانونيا وسياسيا ولا أخلاقيا ووطنيا .

الفلسطينيون اليوم بحاجة إلى إطار تمثيلي يجمعهم ويعمل على فرز التوجه الحقيقي لغالبيتهم ، والإطار التمثيلي الجامع هذا يكمن في عملية إصلاح وتفعيل منظمة التحرير الفلسطينية . لسنا بحاجة من جديد لانتخابات سلطة تحت الاحتلال ، سبق وان ساهمت في تجزئة الشعب الفلسطيني . المنظمة في وضعها الحالي لا تمثل الفلسطينيين على الإطلاق؛ فهي قد فقدت الشرعية الزمنية والقانونية وحتى الموضوعية من خلال إلغاء معظم بنود الميثاق الوطني للمنظمة نفسها ، كما أن معظم المعينين فيها وتحديدا في لجنتها التنفيذية إما أنهم انتقلوا إلى الرفيق الأعلى أو أنهم استقالوا بفعل شيخوخة أو مرض أو غيره ، ومن تبقى فيها منهم جلهم لا يمثلون شيئا حتى على مستوى الأراضي المحتلة ، ومنهم من لم يحصل على مقعد في انتخابات 2006 ، وأما المجلس الوطني للمنظمة فعدد أعضائه وصل درجة من التضخم بفعل حالة التعيين المستمرة والقائمة على المراضاة والمجاملة تساوي فيها عدد أعضاء "الدوما " البرلمان " السوفييتي قبل انهيار دولة هذا الأخير مع نهاية العقد التاسع من القرن العشرين المنصرم .

لابد من إجراء انتخابات عامة لمنظمة التحرير من اجل تحديد خيار الشعب الفلسطيني كله ، في الداخل والخارج ، وحسم الموقف من الرؤى السياسية المتناقضة جدا في الساحة الفلسطينية ، ووقف مهزلة "التمحك" بشرعية غائبة عن منظمة تآكلت حد الموت .

باحث في مؤسسة التضامن الدولي لحقوق الإنسان








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مقتل حسن نصر الله.. هل تخلت إيران عن حزب الله؟


.. دوي انفجار بعد سقوط صاروخ على نهاريا في الجليل الغربي




.. تصاعد الدخان بعد الغارة الإسرائيلية الجديدة على الضاحية الجن


.. اعتراض مسيرة أطلقت من جنوب لبنان فوق سماء مستوطنة نهاريا




.. مقابلة خاصة مع رئيس التيار الشيعي الحر الشيخ محمد الحاج حسن