الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قمة تحت خط العجز

بدر الدين شنن

2008 / 3 / 27
السياسة والعلاقات الدولية


وسط الضجيج الإعلامي الرسمي الهادف إلى إظهار انعقاد مؤتمر القمة العربية في دورته العشرين بدمشق ، على أنه بحد ذاته كسب سياسي هام للنظام السوري ، لاغنى عن القول بداية ، أن اختيار دمشق مكاناً للمؤتمر ، قد تم حسب التسلسل الأبجدي لأسماء الدول العربية . وحسب هذه القاعدة ، ليس للمكان أهمية متميزة إلاّ في الشكل وفي القدرة على توظيف آليات أكثر ا ستجابة لحركة المؤتمر وتوفير الراحة .. والسياحة .. للمؤتمرين ، فكل العواصم العربية هي مهمة من حيث الانتماء القومي ، وهي أهل ، إذا صدقت العزائم ، لاحتضان أهم القرارات المصيرية والتاريخية . وليس للحاكم ، في زمن الانحطاط العربي المريع ، أهمية متميزة ايضاً ، فجلّ حكام الأمة باتوا ، من حيث عزلتهم المتعددة الأسباب عن شعوبهم ، سواء . فالبعض منهم له ارتباطاته العلنية بالمخططات الإقليمية والدولية الشرق أوسطية ، والبعض الآخر ، إضافة لذلك ، متصالح مع الكيان الصهيوني منذ سنين طويلة وله مع هذا الكيان لقاءات وتفاهمات وتحالفات ، والبعض الثالث بين ممانع للحصول على شروط أكثر ضمانة لمصالحه وديمومته ، وبين فاقد للمناعة مستسلم لأقداره المرسومة في الأجندة الصهيو - أميركية .. وجلهم إن لم يكن كلهم يمارسون سياسة إقصاء الآخر المعارض سياسياً وأحياناً جسدياً .

وقد كان أجدى لموجهي أعمال المؤتمر ، إن وجدوا في أنفسهم الجدية والشفافية ، أن يقللوا من هذا الضجيج ، والتركيزعلى المواضيع المدرجة في جدول أعمال المؤتمر ، أو تلك التي تعتبر أهمّ هموم الشعوب العربية في المرحلة الراهنة ، لعلها ، وإن لم تأخذ حقها في تداولات وقرارات المؤتمرين ، أن تأخذ طريقها إلى مساحة الضوء بهذه المناسبة . فالمواطن العربي قد ملّ هذا الضجيج الأجوف .. إنه يريد الطحين أولاً .

بإيجاز شديد ، إن الأهمية لأي مؤتمر بمثل هذا المستوى تكمن بمدى مصداقية ومطابقة القرارات مع الحاجات والاستحقاقات القومية ، وبمدى الالتزام بها والقدرة على تنفيذها . بيد أن مايجده الإنسان العربي لدى إضاءة مشهد القمة العشرين بدمشق ، ليس هو الاستمرار في التعامل مع صيغة القمم السابقة ، التي لم تكن على مستوى رجاء الشعوب العربية وحسب ، وإنما يجد الاصرار اللاعقلاني على عدم إعطاء التناقض الجدي المكشوف ما يستحقه من الاهتمام ، الذي يواجه المؤتمر ، وهو التناقض بين جدول الأعمال الذي يحمل عناوين كبيرة وفي مقدمتها " القضية الفلسطينية وتطوراتها ، والصراع العربي الاسرائيلي ، ومبادرة السلام العربية ، وقضية الجولان السوري المحتل ، والأمن القومي العربي ، وتطورات الوضع في العراق ، ودعم السلام والتنمية والوحدة في السودان ، ودعم الصومال وجزر القمر ، وبلورة موقف عربي موحد لاتخاذ خطوات عملية لإخلاء منطقة الشرق الأوسط من الأسلحة النووية " وبين خيارات وإلتزامات معظم الأنظمة العربية مع المخططات الأميركية الاسرلئيلية والأطلسية ، لاسيما تلك الدول المنوط بها حصرياً الالتزام بالقرارات النوعية الأساسية التي ستصدر عن أعمال المؤتمر ، بين التدخل الخارجي الأخطر في تاريخ المنطقة لإعادة بسط الهيمنة الاستعمارية على الجيو - السياسية - البترولية العربية وبين العجز البنيوي العربي ، وأثر هذا التناقض على المؤتمر نفسه وعلى قراراته . بمعنى أدق ، يجد الانسان العربي الإصرار على التعاطي بخفة ملحوظة مع الصراع الناشب بشراسة تصادمية مدمرة في المنطقة ، الذي يتجسد بالحرب البشعة في العراق وفلسطين ولبنان والصومال والسودان كمرحلة أولى ، ومن ثم حسب مآلات هذه الحرب سوف تدخل المنطقة برمتها في مرحلة أخرى بكل المقاييس .

وإزاء هذا الحجم من الصراع ، فإن مؤتمر القمة العشرين بمكوناته الراهنة ، التي تمثل أنظمة معزولة وشعوباً مقموعة ، هو أقل قدرة بكثير من مستوى التصدي المطلوب لخوض هذا الصراع ، أو لإعادة توزيع مربعاته واصطفافاته ، وبالتالي هو تحت خط العجز الذي يحول دون حسم هذا الصراع لصالح البلدان العربية حتى لوبلغت قراراته الرقم الألف .

وعيه ، فإن الشعوب العربية ، التي تكابد أكثر الأوضاع ظلماً وشراً وبؤساً نتيجة سياسات وممارسات حكامها الرجعيين والمستبدين ، تنظر بأسى بالغ إلى أنظمتها المتصارعة فيما بينها والمتهافة على كسب " السلام " مع الكيان الصهيوني وكسب رضا المستعمر الأميركي وملحقاته الدولية . وبعد فقدانها الرجاء بمسلسل مؤتمرات القمة ، تقف الآن ، رغم الضجيج الاعلامي ، غير مكترثة بمهرجان القمة بدمشق ، لأنها لاتجد فيه مقومات التجديد في الواقع العربي الكارثي وفي واقعها البائس ، بل وتضعه علىلائحة مؤتمرات القمة السابقة ، التي نقلتها على مدار خمسين عاماً من سيء إلى اسوأ ، فضلاً عن أنها لم تر تطبيق الحد الأدنى من قرارات هذه المؤتمرات ، لم تر ، ولو شكلياً ، أية مراجعة أوتقييم لماذا لم تطبق اللاءات الثلاث ( لاتفاوض ولااعتراف ولاصلح مع إسرائيل ) التي اقرها مؤتمر الخرطوم عام 1967 ، بل إن ما جرى هو العكس ، فقد اعترفت كل من مصر والأردن وموريتانيا بإسرائيل ، وهناك عدد من الدول العربية تمارس العلاقات التجارية وتتبادل الزيارات السرية وغير السرية مع إسرائيل ، بل ونشأ حلف " الاعتدال العربي " لتعميم ال " نعم المثلثة " لصالح إ سرائيل ، ولم يجر تقييم لماذا فشلت مبادرة الأمير فهد ولي العهد السعودي ( قبل أن يصبح ملكاً ) للسلام مع إسرائيل ، التي أقرها مؤتمر الخرطوم عام 1981ولماذا فشلت ؟ وإنما جرى الإمعان بدون مسوغ ، إلاّ التذرع بالعجز الكاذب إزاء موازين القوى ، في التصميم على خيار " السلام " مع العدو الصهيوني ، وأصبح هذا السلام خياراً ا ستراتيجياً تتباهى به قبائل الأنظمة العربية قاطبة ، وتم طرح مبادرة سلام الملك عبد الله آل سعود مع إسرائيل ، التي تحولت إلى مبادرة سلام عربية في مؤتمر بيروت عام 2002 ، التي تكرر طرحها ، رغم العدوان الإسرائيلي على لبنان عام 2006 في مؤتمر الرياض عام 2007 . إضافة إلى عدم الالتزام بالتضامن العربي إزاء المواقف العدوانية ضد البلدان العربية ، وعدم الالتزام بمعاهدة الدفاع المشترك إذا تعرضت إحدى الدول العربية للعدوان الخارجي .

إن الأمر الذي يثير عدم مصداقية مؤتمرات القمة العربية كتعبير عن وحدة الأمة والمصير ، وبالتالي عدم اكتراث الشعوب العربية بمناسباتها وطقوسها ، هو المفارقة المستفزة ، التي يجسدها انقسام البلدان العربية إلى قسمين ، قسم يسبح فوق بحيرات من الذهب الأسود ويستمتع بتلال من الذهب الأصفر تبلغ قيمتها آلاف المليارات من الدولارات الموظفة بالمصارف الأجنبية حيث يعود القسم الأعظم من عوائدها إلى الدول الأجنبية ، التي تناصب الشعوب العربية العداء السافر ومنها الكيان الصهيوني ، وقسم يكابد الفقر والتخلف والمجاعات والاقتتال والموت تزاحماً على أبواب الأفران للحصول على الرغيف الرخيص الأسود .

الأكثر تعبيراً عن حالة عدم القدرة والعجز ، مع الاعتذار من الحالمين الشرفاء وذوي النوايا الحسنة من السياسيين ، هو أن ذات الأنظمة المكونة لهذا المؤتمر وغيره من المؤتمرات ، التي أوصلت البلدان العربية إلى هذا المستوى من التردي والانحطاط ، بصراعاتها البينية وبقمعها لشعوبها ونهبها وتهريبها للثروات الوطنية ، وارتهنت ، بعد أن تنازلت عن قرارها المستقل ، لإرادات ومصالح القوى الدولية ، التي يشترط هذا العجز مواجهة أطماعها ومخططاتها العدائية إزاء البلدان العربية ، هي ، أي الأنظمة ، التي يفترض أن يعول عليها في مؤسسة القمة معالجة العجز القطري ( الوطني ) والقومي .

هذا لايعني أن الشعوب العربية ضد مؤتمرات القمة من حيث المبدأ والضرورة ، فهي تدرك باصالة انتمائها القومي وتجاربها التاريخية جدلية القطري ( الوطني ) والقومي ومدى تأثير هذه الجدلية على مصيرها ، إن في مواجهة مخططات الخارج العدوانية ، أو مواجهة التخلف والضعف ومشاكل التنمية والتقدم الاجتماعي ، إنما هي مسألة معاناة طويلة موجعة مع الأنظمة التي تجلدها وتنهبها في بلدانها ، ثم تزعم أنها تمثلها وتتحدث وتقرر باسمها تحت سقف مؤتمرات القمة العتيدة .

مايمكن تسجيله لمؤتمر القمة بدمشق ، بمعزل عن ضجيجه وطروحاته ، أنه أضاء مجدداً ارتباط البعد القومي بمشروع التغيير الوطني الديمقراطي واقتحامه معادلة داخل / خارج في الصراع مع الاستبداد . بيد أنه ليس مرتبطاً بأطر النظام العربي الرسمي ومتفرعاته السلطوية ، وإنما بأطر قوى التغيير الوطني الديمقراطي القومي في البلدان العربية عامة أو على مستوى البلدان العربية الأساسية .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ثلاثة قتلى إثر أعمال شغب في جنوب موريتانيا • فرانس 24


.. الجزائر: مرشحون للرئاسة يشكون من عراقيل لجمع التوقيعات




.. إيطاليا تصادر طائرتين مسيرتين صنعتهما الصين في الطريق إلى لي


.. تعازي الرئيس تبون لملك المغرب: هل تعيد الدفء إلى العلاقات بي




.. إيران .. العين على إسرائيل من جبهة لبنان.|#غرفة_الأخبار